أوباما والحدث العولمي
د. طيب تيزيني
ثمة حالة تلفت النظر في الواقع العولمي الراهن، وهي عدم التوازن أو عدم التكافؤ بين النظام العولمي وبين أشكال التعبير عنه، وهذا أمر محتمل في حالة الظاهرات التي تنشأ جديداً في منطقة أو أخرى، كما هو الحال بالنسبة إلى الحَدث العولمي والتعبير الفكري عنه وكذلك الموقف منه. بل إن حالة عدم التكافؤ المذكورة هنا إنما هي أمر وارد في حقل نشأة أحداث اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية ما، بحيث يلاحظ الباحث -غالباً- أسبقية النشأة الواقعية المباشرة للحدث على إمكانية التعبير عنه عبر اصطلاح أو آخر تعبيراً علمياً دقيقاً.
فلقد نشأ حوار عالمي في الأوساط الأكاديمية والسياسية والعامة حول النظام العالمي الجديد-العولمي، وما زال قائماً، حول المصطلح الأقرب إلى الظاهرة الجديدة، واستمر في سياق تبلوره وتعاظمه. ففي الوسط العربي، برزت مصطلحات حوله، منها الكوكبة والعولمة والعالمية إضافة إلى النظام العالمي الجديد. ولا شك أن الاصطلاح على حدث ما علمي أو سياسي وغيره لا يمثل حالة علمية بحثية فحسب، بل هو كذلك حالة أيديولوجية تتبع المصالح والمواقع والمواقف المتعلقة بالواقع الاجتماعي.
في ضوء ذلك، نطرح التساؤل عن مصير مصطلح العولمة وعن العولمة، بعد بداية الاختراق. ما نريد الوصول إليه في هذه الحال يتمثل في تحديد الموقف، الذي بلغه الرئيس أوباما الآن بعد مرور عام على ولايته. وكما نعلم من أوساط إعلامية، راح جمع كبير أو ضئيل من الأميركيين يشكك في قدرة الرئيس على متابعة رئاسته في ولاية ثانية، ناهيك عن إكمال ولايته الحالية، إضافة إلى هذه الفكرة القابلة للتصديق وللرفض كليهما، طُرحت آراء حول أن الحزب “الجمهوري” -وهو الخصم السياسي للحزب “الديمقراطي”، الذي ينتمي إليه أوباما- يسعى لإفشال استراتيجيته الاقتصادية المتمثلة في ضبط المتهرِّبين من الضرائب، وفي استبدال مَنْح مليارات الدولارات للشركات التي تكمن وراء الأزمة المالية ووراء فقر وإفقار فئات واسعة ومتسعة من الشعب الأميركي، بتقديم مليارات كافية لاستخدامها في سبيل إيجاد فرص عمل جديدة كافية ورصد مليارات أخرى للإجابة عن مشكلات الضمان الصحي والاجتماعي، وكذلك لمواجهة جرائم العرقية والمخدرات والقتل وغيرها كثير.
ومساعي الحزب “الجمهوري” المكرَّسة لإفشال مشروع أوباما تُبذل داخل الكونجرس وخارجه، فلقد راح ممثلو الوجه الآخر للولايات المتحدة يبذلون جهوداً كبرى لإنهاء المشروع المذكور، الذي قد يكوِّن نجاحُه منطلقاً جديداً لأميركا جديدة، بعد أن تعفَّر وجهها في التراب على أيدي من رأى فيها، لعقود مديدة، مجمَّعاً للسلاح وسوقاً لابتلاع العالم. وقد رأينا أن مجيء أوباما قبل عام إلى السلطة، كان قد سجّل استحقاقاً كبيراً على طريق إعادة التوازن للعالم. فعمل على تفكيك عناصر “التضخم الأميركي”، وفي مقدمته “الأحادية القطبية”، التي كلفت العالم والولايات المتحدة نفسها ضحايا وخسائر فادحة وفاضحة.
لقد جاء ذلك بمثابة استفزاز أكبر مؤسستين عولميتين، هما جمع السلاح والسوق الكونية السِّلعية، بحيث يظهر أن صعوبات كبرى قد تواجه أوباما يُراد لها أن تقود مشروعه إلى الانكسار، وأن يعود العالم إلى سابق عهده. حقاً، كان كثيرون من الاستراتيجيين والباحثين في الحقل العسكري والآخر الاقتصادي السياسي، ينحون باللائمة على من راحوا ينسجون أحلاماً حول “فارس الخلاص”، مُعتبرين أن هذا قد لا يرى النور إلا عبر فعل شامل تقوم به القوى الحية في الشعب الأميركي، وبدعم شعوب العالم. ذلك لأنه بقدر ما يمثله مشروع أوباما من ثقل عالمي، فإن قوة من يسعى إلى إفشاله ليست أمراً يُستهان به. وإذا كان رواد كثيرون قد وضعوا مشاريعهم قيد التحقيق لصالح بلدانهم والعالم معاً، فقد كان عليهم أن يمتلكوا شجاعة كافية لتلقِّي انكسارات من هنا ومن هناك. ولكن العناصر التي أنتجت مزيداً من الشجاعة والأمل على أيدي أولئك الرواد وغيرهم، لن تذهب مع الريح، إذا ما أدرك هؤلاء أن الأمل نفسه جزء من الوجود المأساوي المفتوح.
الاتحاد