هموم ومشاغل الـ”مام” جلال طالباني
هوشنك أوسي
للسنِّ أحكامه. تعيق بقائه لخمس وثلاثين سنة أخرى على رئاسة حزبه!. تشغله حلُّ معضلة تجديد شبابه في تهيئة نجله وريثاً لتركته السياسيَّة!. تشغله مسألة الإعداد لسيناريو سلس، يتيح حلول طالباني الابن مكان الأب، دون منغِّصات، أكثر من انشغاله بمسألة الإعداد لسيناريو سلس لحلّ معضلة كركوك وملاحقها!. ينشغل بمساعي تصفية العمال الكردستاني، أكثر من انشغاله بتصفية الفساد في حزبه!. كثيراً ما يفتخر به الأكراد، ويصفونه بـ”معاوية الأكراد”، وبل شيخ عقلانييهم وبراغماتييهم. مناضلٌ عريق عتيق، وداهية سياسيَّة من الوزن الثّقيل!. يتَّصف بالدّماثة وخفَّة الدّم والظلّ. ولئن للسنِّ أحكامه، ولكونه بلغ من العمر عتيَّا، صارت تصريحاته أيضاً من الوزن الخفيف!
وكثيراً ما “تفسَّر” أو “تُنقل” بشكل خاطئ!. وليس مستغرباً أن يَحفِظ سجلّ غينيس له رقماً قياسيَّاً، في التصريحات التي “تفسَّر خطأً” أو “يُساءُ فهمها”!، من بين كل الزُّعماء الأكراد والشرق أوسطيين والعالميين!. يجيد حبك ونسج العلاقات وعقد الصداقات مع رؤساء تحرير الصحف العربيَّة والتركيَّة والفارسيَّة…، واستثمار وتجيير هذه العلاقات والصداقات لصالحه!. يحبُّ النقد، ويكره منتقديه!. من هواياته، جمع الأقلام والأصوات الثقافيَّة والصُّحُفيَّة الكرديَّة والعربيَّة، وضمَّها إلى مقتنياته!. أنَّه زعيمنا ومناضلنا الكبير، الرئيس العراقي، وزعيم الاتحاد الوطني الكردستاني المام جلال طالباني!.
يعشق أن يكون على مائدته ديك الحبش. لا يمكن أن نحصي عدد رؤوس ديكة الحبش التي التهمها في حياته!. يعشق أكلّ ديكة الحبش، ويكره أوجالان كره العمى!. ينظر إلى جبال قنديل، بقلق وارتياب شديد، خشية أن تتسرَّب أفكار أوجالان إلى إقطاعه السياسي!. لذا، يتمنَّى أن تهبَّ عاصفة كونيَّة، وتقتلع ذلك الجبل، وتبيد عناصر العمال الكردستاني المتحصِّنين فيه!.
منذ مجيء حزب العدالة والتنمية على رئاسة الحكومة، وزعيمنا الكردي، جلال طالباني، وإعلام حزبه الكردستاني العتيد، يتحرَّكان، وكأنَّهما فرع من إعلام حزب أردوغان!. لدرجة، أن المرء يخمِّن أن طالباني، يرجِّح أن يكون موظِّف في إعلام أردوغان، أكثر من ترجيحه أن يكون زعيم كردي مهمّ، وزعيم حزب كردستاني مهمّ، ورئيس بلد شرق أوسطي مهمّ، من وزن العراق!. وحين يسوِّق طالباني لأردوغان وسياسته بين الأكراد، لا ينسى أن يتَّهم العمال الكردستاني بمعاداة “التجربة الديمقرطيّة” في كرستان العراق، ويطالب مقاتليه بمغادرة جبال قنديل!. اتهام الأتراك لطالباني بدعم حزب العمال، هو بريء منه، براءة الذئب من دم ابن يعقوب. ليس هذا وحسب، بل أن طالباني متورِّط في إثارة الشقاق في صفوف الكردستاني، بكل الوسائل. وكفى دليلاً على ذلك، دعمه لمجموعة أوصمان أوجالان، وبعض العناصر الكرديّة السوريّة المنشقّة من حزب العمال، ماديّاً ومعنويّاً وإعلاميّاً، وتأمين التغطية السياسيّة لها في سورية، عبر بعض الدكاكين السياسيّة الكرديّة السوريّة، السابحة في فلك طالباني!. سعى الأخير حثيثاً لبثّ الشقاق في حزب أوجالان، وإذ بنيران الشقاق تنهش الاتحاد الوطني الكردستاني!. ومن يدري، ربما يكشف لنا التاريخ، أدَّلة عن تورُّط طالباني في مؤامرة اختطاف أوجالان من نيروبي، وتسليمه لتركيا سنة 1999!. إذ كيف يمكن لنا ان نفسّر، شنّ قوات طالباني هجوماً فاشلاً على جبال فنديل، سنة 2000، ولم يمضِ بعد سنة على اختطاف أوجالان!؟. وما هو مفروغ منه، إنّ أيّ هجوم عسكري تركي على مقالتي العمال الكردستاني في كردستان العراق، إلاّ وكان لطالباني أسهم استخباريّة ولوجستيّة وإعلاميّة فيه.
زعيمنا الكردي الكبير، دائماً وأبداً، يذكر أفضال وجمائل النظام السوري عليه، ويتناسى ذكر أفضال وجمائل الشعب الكردي السوري عليه!. وكذا حال زعيمنا مع النظام الإيراني، والشعب الكردي في إيران. وبل يلعب دور المخفر، الذي يلجم حركة الحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني، وحزب كومله الكردي. ويرفض أن يقوم الحزبان الكرديان الإيرانيان بإطلاق رصاصة واحدة على نظام الملالي الإيراني، حتّى ضمن الأراضي الإيرانيّة أيضاً!. ويسعى للعب هذا الدور مع بعض الأحزاب الكرديّة السوريّة أيضاً، بتطويعها وتمييعها، وتلقينها فقه وفنون وأصول وفروع العقلانيّة والبراغمانيّة _ والانبطاحيّة في العمل السياسي!.
ينظر إلى جبال قنديل بقلق وحسرة، بسبب تواجد حزب الحياة الحرّة الكردستاني PJAK هناك!. يودُّ إرضاء أنقرة وطهران ودمشق وبغداد، حتّى لو كان ذلك من كيس الشعب الكردي في هذه البلدان!.
ينظر إلى جبال قنديل بقلق شديد. يخشى أن يسلم الروح إلى بارئها، ولم تتكحّل عينيه برؤيته خاليّاً من عناصر العمال الكردستاني!. هذا الحزب وزعيمه، كثيراً ما كان يتردد طالباني عليهم في دمشق، وسهل البقاع، حين كان الزعيم الكردي العراقي ضعيفاً. كان طالباني وقتئذ، يصف أوجالان بـ”سروك آبو”، وتعني بالعربيَّة: القائد آبو (الاسم الحركي لأوجالان). أمَّا الآن، فغالباً ما يتأفف طالباني ومحازبوه، من سماع اسم أوجالان، الأسير في جزيرة وسط بحر مرمرة منذ 11 سنة!. ولا يجدون حرجاً أو حياءاً، بوصفه بـ”المعتوه أو المجنون”، أو “عميل الأتاتوركيَّة”!. والأنكى، أن بعض الحثالة، من مرتزقة طالباني، ومحازبيه، يطيب لهم ترديد هذا الكلام، ويتعامون عن حمل طالباني لسلاح النظام العراقي، ولسلاح النظام الايراني، وحمله لسلاح النظام التركي، وقبضه المال والسلاح من النظام السوري (باعترافه هو على شاشة اخبار المستقبل، وفي منابر أخرى)!. ولا يتساءلون: لماذا لم يكن طالباني، وقادة كردستان العراق، لم يكونوا يطقيون رؤية القائد والشهيد الكردي الايراني عبدالرحمن قاسملو؟!. لا يتساءلون: هل يمكن أن يكون نفرٌ من قادة كردستان العراق ضالعين في عملية اغتيال قاسملو أم لا؟!. لا يتساءلون، عن طبيعة دور طالباني في “المفاوضات” المفترضة، التي كانت تجري بين قاسملو والنظام الإيراني، قبل اغتياله في فينا؟!.
نعم، هذه هموم ومشاغل طالباني. لقد أنجز الزعيم الكثير من طموحاته وأحلامه. وبقيت عقدة أوجالان وحزبه، لم يستطع حلَّها. هذه العقدة، تلازمه، وتلازم من يدور في فلكه. وإلى ذلك، ما كتبه المستشار الإعلامي السابق لطالباني، كامران قره داغي، في صحيفة “الحياة” اللندنيّة، يوم 13/12/2009، وشرعنته لـ”ضرورة” إلقاء حزب العمال الكردستاني وزعيمه، إلى الجحيم، حفاظاً على مصالح أكراد العراق مع تركيا!. لذا، ربما يكون مدح طالباني وفريقه لأردوغان، ليس حبَّاً في الأخير، بقدر ما هو كُرهٌ في أوجالان وحزبه!.
من هوايات طالباني، السفر، وتدوير الزوايا مع المنشقّين عليه، إذا فشل في تصفيتهم سياسيّاً. عقلاني وبراغماتي، ولم تعد تستهويه الشعارات. الآن، يطيب له الطعن في رفيق دربه، وشريكه، وخصمه، نيشيروان مصطفى!. لا طالباني يحبّ التدخُّل في شؤون دول الجوار. ويحبّ أن تتدخَّل هذه الدول في شؤون بلاده. لا يهمّه إذا ابتعلت أميركا وإسرائيل وانقرة وطهران بلاد الرافدين. همّه الوحيد أن يصبح حزب العمال الكردستاني وأوجالان شيء من الماضي!. همّه أن يغادر مقاتلو العمال الكردستاني، بعض الجيوب الجبليّة، الجدّ وعرة، والجدّ نائيّة، على الحدود العراقيّة _ التركيّة، ولا يهمّه سيلان الـ”C?A” و”الموساد” والـ”M?T” و”الباستران”… وكل استخبارات العالم، في جسد العراق من الوريد الى الوريد!.
التقاط صورة تذكارية له مع غُل وأردوغان في قصر تشانكايا، بالنسبة له، هي بكركوك ومن عليها. ومع ذاك، هو زعيمنا المفدّى، الذي لن تقرّ لنا عين، إلاّ ونجد نجله يحلّ محلَّه. هكذا نحن الأوسطيون، كرداً وعرباً، محترفون في تحويل مناضلينا إلى مستبدِّين وطغاة. هكذا نحن الاوسطيون، متطرِّفون في التسبيح بحمد القائد المبجّل، والزعيم الضرورة. ونأبى رؤيتهم يغادروننا إلاّ إلى جوار الرفيق الأعلى. وهكذا نحن الاكراد، تاريخنا، هو سفرٌ خالد، دائم التكرار والتجدد، من المقاومات والخيانات!.
كاتب كردي سوري
ايلاف