صفحات العالمما يحدث في لبنان

سوريا مستهدفة بجبهتين ومحكمتين ومشروعين

جورج علم
خلاصات بائسة من اجتماعات القاهرة… والساحة من الاعتذار إلى طول الانتظار
انتهت أعمال الدورة العادية لجامعة الدول العربيّة على مستوى وزراء الخارجيّة، وحصلت لقاءات واجتماعات جانبيّة بحثت المواضيع الدسمة، والقضايا «الحساسة»، وأدلى كلّ بدلوه، قبل أن يعود الى جماعته، وبقيت الانطباعات والاستنتاجات كثيرة، كانت محور بحث في إفطار دبلوماسي.
أول هذه الانطباعات أن المملكة العربيّة السعوديّة نأت بنفسها عن الاجتماع الرباعي الذي مهّد له الأمين العام عمرو موسى، وشارك فيه كلّ من وزراء خارجيّة سوريا وليد المعلّم، والعراق هوشيار زيباري، وتركيا أحمد أوغلو، والذي خصص لبحث الأزمة الناشئة في العلاقات ما بين دمشق وبغداد.
وما جاء في سياق الحديث، ان الرياض في غيابها تنسجم مع قناعاتها، فهي لم تدع الى المشاركة، وكانت قد رفضت التدخل منذ البداية انسجاما مع ثوابت وتقاليد سياستها الخارجيّة، فضلا عن أن تاريخ العلاقات ما بين سوريا والعراق له خصوصيته وهو حافل بالتقلبات، و«الهبّات الباردة والساخنة».
وسجّلت دمشق ـ في ضوء ما قيل ـ مأخذا على الصمت السعودي بعد انفجار الأزمة مع العراق، واعتبرته مؤشرا له دلالاته، وعلى قاعدة أن ما كان يصحّ قبل المصالحة، لم يعد كذلك بعدما تحققت خلال القمّة الاقتصادية في الكويت، وبعدما فتحت صفحة جديدة في العلاقات السعودية ـ السوريّة، لذلك كان من المأمول والمنتظر وصول موفد سعودي الى دمشق، او القيام بمبادرة استطلاعيّة على الأقل، لكن شيئا من هذا لم يحصل، الأمر الذي أدى الى طرح علامات استفهام حول صحّة هذه العلاقات، ومدى نسبة الحرارة التي تدبّ حاليّا في شرايينها الباردة.
وترصد هذه الجهات العربيّة مجموعة من الاسباب والمبررات، منها سقوط الرهان على فك التحالف الاستراتيجي ما بين سوريا وإيران، وسقوط الرهان على الوضع الإيراني الداخلي كبداية تحوّل لإضعاف دوره على مستوى الخليج والمنطقة، والغياب اللافت لوزير الخارجيّة الأمير سعود الفيصل وهو الخبير بصحة العلاقات الدوليّة خصوصا العربيّة منها، والانقطاع المفاجىئ لزيارات العمل الرسميّة بين الرياض ودمشق بعد مرحلة شهدت وفرة منها، وفورة كانت واعدة بتحصين معادلة س. س. وتفعيلها إيجابا على الساحة اللبنانية .
ويأتي اعتذار الرئيس المكلّف سعد الحريري عن عدم تشكيل حكومة الوحدة الوطنيّة ليفتح الباب على مصراعيه بين قائل في الوسط الدبلوماسي العربي بأن هذه النتيجة كانت محسومة، مع تجدد الاصطفافات وسياسة المحاور، الى قائل بأن الغشاوة قد فاقت كلّ حد، وحجبت عن كثيرين في الداخل الكثير من الحقائق، والدليل أن المشهد المستجد ما بين سوريا والعراق قد قوبل من قبل البعض باللااكتراث وربما اللامبالاة، فيما قوبل من البعض الآخر بنشوة من الارتياح كونه يحرج سوريا ويربك دورها في المنطقة.
وتوقف الصائمون عن الطعام، والمفرطون في الكلام، عند سياسة المحاور العربيّة، وقد كشفت اجتماعات وزراء الخارجيّة العرب في القاهرة الكثير من العيوب بدلا من أن تستّر الكثير من العورات، وكان تركيز على ما تتعرّض له دمشق منذ مدّة من ضغوط أميركيّة ـ إسرائيليّة مصحوبة بتجديد العقوبات الإقتصادية لتفسد عليها سياسة الانفتاح التي تقودها بصعوبة باتجاه الغرب الأوروبي، وتكفي هذه المؤشرات وحدها للتأكيد على ان الشعور بمحاولات العزل قد يولّد شعورا معاكسا، ويؤدي الى اتخاذ مجموعة من التدابير الاحترازيّة، بما يتصل في البعض منها بالساحة اللبنانية التي يتحرّك فيها الأميركي بحرية مطلقة، ويتدخل في كلّ شاردة او واردة، ويبدي وجهة نظره في الكثير من الأمور الثانويّة، فكيف بالرئيسي منها؟!.
ويستنتج من المقاربات التي قدمت أن اجتماعات القاهرة تصدّت للكثير من الملفات الساخنة، و قيل فيها وعنها كلّ شيء، وكانت حاضرة كلّ المطالعات، فيما كان التضامن العربي هو الغائب الوحيد، وإن دلّت معظم تلك الاجتماعات على شيء فعلى غياب النظرة الواحدة، والاستراتيجيّة الواحدة في مقاربة التحديات المشتركة، وانتعاش سياسة المحاور التي أكدت على أن ما يفرّق بين العرب أكثر مما يجمع، وهذا من شأنه أن يترك أكثر من مردود سلبي على الساحة اللبنانيّة المفتوحة أمام كلّ المستجدات والصراعات الخارجيّة.
ويروى في الإفطار الكلامي فصل عن المحكمة الدوليّة التي يسعى اليها العراق من منطلق ان وزير الخارجيّة هوشيار زيباري قد جعل من هذا الموضوع قضيّة تحظى باهتمام بالغ من جانب الدبلوماسيّة العراقيّة، وعن سابق تصوّر وتصميم، للنظر في الجرائم التي ترتكب ضدّ الشعب العراقي، والتفجيرات التي تقع وتحصد الأبرياء.
وخيمت هذه التعبئة الدبلوماسيّة حول هذا الموضوع الحساس على أجواء الجامعة في موازاة الحملة التي قادها وزير الخارجية السوري وليد المعلّم لتنفيس الاحتقان والتشنّج وتطرية الأجواء المأزومة والملبّدة مع بغداد، وكانت المحصلة مخيبة نظرا للأسلوب العراقي المتشدد في التعاطي مع التفاصيل المتصلة بالعلاقة المستجدة مع سوريا، ولغياب الدور العربي الوسطي ـ التوسطي الوازن والقادر على لجم الانفعالات، ومنع الأمور من الانزلاق أكثر نحو التأزيم والتصادم.
ويركز الرواة في مجالسهم على العامل النفسي نتيجة الكلام المتداول عن المحكمة الدوليّة الخاصة بلبنان، وما يدور حولها من أحاديث في الشفافيّة والتسييّس ومعلقات الاتهامات التي كانت ولا تزال توجّه ضدّ سوريا، وقبل أن يصار الى إثبات الحق باليقين، يأتي الوزير زيباري الى القاهرة ليتحدث عن طموح عراقي في استحداث مثل هذه المحكمة، وليضيف فوق كلّ تلك التراكمات التي تؤزم العلاقات عنصرا جديدا قد تستغله المصالح الدوليّة الى أبعد الحدود، خصوصا إذا تلقفته كلّ من إسرائيل والولايات المتحدة بهدف وضع سوريا نفسيّا ومعنويّا بين فكيّ محكمتين الأولى خاصة بلبنان، والثانية بتفجيرات بغداد.
وتتزامن هذه الباقة من الخلاصات والاستنتاجات مع اعتذار النائب سعد الحريري عن عدم تأليف حكومة الوحدة الوطنيّة، نتيجة التجاذبات الحادة التي تعرّضت لها عمليّة التأليف، وهي ـ بنظر هذا الفريق من الدبلوماسييّن ـ ارتدادات بسيطة للزلزال الذي يضرب بقوة وعمق في المنطقة، ما بين محور عربي ـ إقليمي ـ دولي يتشبث باستمرار حكومة تصريف الأعمال برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة أطول فترة ممكنة في سرايا الحكم الى حين حصول تطورات يمكن معها تأليف حكومة تحترم التقاليد الديموقراطيّة وعلى قاعدة الأكثريّة تحكم فيما الأقليّة تعارض، مقابل محور آخر يرى ان الحوار والتوافق هما السبيلان الوحيدان لقيام حكومة وحدة وطنيّة تطمئن لها سوريا.
وينتهي الكلام المباح عند عبارتين: الأولى أن اعتذار الحريري يجب أن يقرأ لجهة بعده العربي ـ الإقليمي ـ الدولي، وإن كان جبران باسيل قد اكتسب بجدارة لقب الوزير المعطّل. والثانيّة، أن الاعتذار يعكس في العمق صراعا بين من لا يريد عودة النفوذ السوري في لبنان، وبين من لا يريد تحويل لبنان الى ساحة نفوذ أميركيّة لمحاصرة المحور السوري ـ الإيراني توطئة لتمرير الحلول والتسويات التي ترتاح لها إسرائيل في المنطقة.
جورج علم
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى