صفحات ثقافية

الواقعية السحرية وفهم الآخر: تذكر أنك تكتب قصصا تربط بين واقعك الموضوعي والاستثنائي المدهش!

null
تامارا كي سيلمان
يعتمد معظم ما نعرفه عن الأدب الذي يأتينا من مناطق رسَّخت الواقعية السحرية أقدامها فيها على روائع كُتّاب الآخر الأدبي.
فما هو الآخر الأدبي؟
لست متأكدة من وجود تعريف وحيد للآخر ‘الأدبي’، ولكن قاموس ‘وُرد نِت’ يعرِّف الآخر بأنه ‘خاصيّة اللاتشابه؛ أو المُمَيَّز من المُخْتَبَرِ والمعروفِ والمختلِفُ عنهما … ومن مرادفاته: التميّز، الانفصال … وانظر أيضاً الاختلاف’
(وقد يكون من المهم توضيح أن تعبير الآخر يشير أساساً، في نطاق هذا الجدال، إلى مفاهيم ‘الأجنبي’ أو ‘الأقلية’ التي يقول بها التيار الرئيس في المجتمع الأمريكي الشمالي، وبخاصة حين يشير التعبير إلى العِرق. ويمكن أن يشير التعبير أيضاً إلى الجماعات التي شهدت مستوى معيناً من الفصل الإجباري عن مراكز السلطة، وبالتحديد إلى النساء والشاذين جنسياً والأقليات السياسية والدينية والفقراء).
وثمّ تفسير مائع تبسيطي مفاده أن الآخر شخصٌ لا يشبهنا. وفي كل حال، قد يقضي المرء عمره في معرفة ذاته … فكيف يمكن إذاً معرفة الآخر بدقة؟
ولكننا، رغم ذلك، نحاول معرفته، ونعتقد أن الآخر هو كل تلك الأشياء التي لا تمثِّلنا.
والآخر موضوع ساخن للحوار في المؤسسة الأكاديمية. فماري كي. ملر Mary K. Miller، الأستاذة بجامعة فندربلت، تتكلم على ‘الافتتان ما بعد الحداثي بالآخر’. وفي الولايات المتحدة، فتحت النقاشات حول الصواب السياسي political correctne والتعددية الثقافية أبواباً واسعة لقبول فكرة أن الآخر موجود بشكل طاغٍ في الثقافة الأمريكية، وربما لأول مرة على مستوى التيار الرئيس، لأن وجه أمريكا المتغير يعكس اهتماماً أكثر ـ واحتراماً أكبر ـ بالأفكار التي كانت غريبة على التيار الرئيس. ويعمل طلاب الكتابة الإبداعية creative writing الآن على توضيح ليس فقط من هو الآخر الأدبي أو ماذا هو، بل أيضاً كيفية كتابة (أو عدم كتابة) شخصيات وأفكار تمثل الآخر الأدبي. ويشار الآن إلى كلاسيكيات معينة نظرت نظرة سيئة إلى الآخر الأدبي: فجوزيف كونراد Joseph Conrad متهم بارتكاب أحد ‘آثام’ كتّاب تلك الكلاسيكيات، لزعمه أنه يملك الكلمة الأخيرة في معضلة الآخر، لأن رؤيته العالمية رؤيةٌ تجريبية. ويمكن لحوار آخر مثير أن يدور حول تصوير ‘الهمجي النبيل’ في رواية دانيال دافو Daniel Dafoe ‘روبنسون كروزو’، وهي نص يحاول جاهداً، وبطرق عديدة، أن يحدد معنى لـ’الآخَريَّة’ otherne في زمان تحكّمت فيه الكولونيالية بالرؤية العالمية السائدة.
ولعل الجامعة أفضل مكان لإثارة نقاش حول الآخَريَّة، ففيها يفترض (على الأقل نظرياً) أن يكون الحوار حول مواضيع حساسة، مثل الهوية الثقافية، صحيَّاَ وموضوعياً وتُلقي عليه الضوء أراء متنوعة. وتقدم الجامعات، فعلاً، مساقات دراسيّة محددة عن الموضوع، مثل مساق ‘ENG 472Y: تمثيل الآخر في الأدب ما بعد الكولونيالي’، وهو مساق يقدمه ‘برنامج الدراسات الكاريبية في جامعة تورنتو، كندا’ ويوصف بأنه ‘دراسة لكتاّب ما بعد الكولونيالية الذين عبّروا عن صوت الآخر الذي تم إسكاته وجُعِلَ تابعاً وهُمِّشَ’.
ويمكن للكتّاب الذين لا ينتمون إلى المؤسسة الأكاديمية، ويريدون التدرب على فن الكتابة عن الآخر، الالتحاق بدورات مستقلة، من مثل الدورة التي تشرف عليها الكاتبة نِزي شول Nizi Shawl بعنوان ‘الكتابة عن الآخر: تجسير الاختلافات الثقافية للقَصص الناجح’، وهي دورة نوعية يقيمها ‘مؤتمر سود سياتل المتطلعون إلى المستقبل’، وعُقدت في ‘مركز سياتل’ ما بين الثاني عشر والثالث عشر من شهر حزيران/يونيو 2004 .
وأنا لست مهتمة هنا بإثارة نقاش أكاديمي عن الآخَريَّة يكون جزءاً من أسس كتابة واقعية سحرية أصيلة، ولكنني، رغم ذلك، أحب أن أورد هذه اللقطة، هذا الغذاء الفكري، من مقارنة الدكتورة ماري كلاجس Mary Klagesبين الحداثة وما بعد الحداثة (حيث توجد الواقعية السحرية). (كلاجس أستاذة مساعدة في قسم اللغة الإنجليزية بجامعة كولورادو، بمدينة بولدر الأمريكية):
تهتم الحداثة أساساً بالنظام: بالعقلانية والعقلنة، خالقة من الفوضى نظاماً. وتتلخص أطروحتها بأن خلق المزيد من العقلانية يساهم في خلق المزيد من النظام، وكلما تنظَّم المجتمع أكثر، كلما عمل بشكل أقضل (كلما تعقلن عمله أكثر). ولأن الحداثة تسعى إلى رفع مستويات النظام، تصبح المجتمعات دائما مُحترِسة من أي شيء وكل شيء عنوانه الفوضى التي قد تخلخل النظام. ولذا، تعتمد المجتمعات الحديثة على استمرارية تأسيس معارضة ثنائية بين النظام والفوضى، كي تستطيع ضمان تفوق النظام. ولكنها كي تفعل ذلك، على تلك المجتمعات أن تمتلك أشياء تمثل الفوضى ولذا على المجتمعات الحديثة أن تخلق/ تبني فوضى دائماً. وفي المجتمعات الغربية، تصبح هذه الفوضى ‘الآخر’ مُحدداً بثنائيات معارضة أخرى. ولذا، يصبح أي شيء غير أبيض، غير ذَكَرِّي، غير هتروجنسي، غير عقلاني (إلى آخره)، جزءاً من الفوضى، ويجب تصفيته من المجتمع الحديث العقلاني المُنَظَّم’.
يفترض ما سبق الخروج بنتيجة خطيرة نأمل لو أنها مجرد مبالغة. ولكن الحقيقة أن الرؤية العالمية الأوسع هذه عن النظام والفوضى تلعب دوراً أساساً في تحفيز أناس على القيام بأعمال اضطهاد سياسي.
ابقوا معي للحظة حول هذه النقطة. من المفيد لي، ككاتبة واقعية سحرية، أن أصل هذه الملاحظة عن الآخر بملاحظة أخرى تتعلق بالكولونيالية. ففي برنامج أُعدّ لـ’المؤتمر الآركيولوجي العالمي’، نَظَّم البرازيلي بيدرو فيوناري Pedro Funari والانجليزيان كريس غوسدن Chris Gosden ورتشارد هنغلي Richard Higley حواراً بعنوان ‘الكولونيالية والهوية: الأصول والآخَريَّة’، هدفه إبراز الكيفية التي تؤثر بها تمثيلات الآخر representations of the Other تأثيراً مهماً (سلبياً أو إيجابياً) على الهوية الثقافية:
‘تتشكل أراء الناس عن هويتهم من أفكارٍ عن الأصول وأفكار عن الآخَريَّة: فمعرفة من أين يعتقد الناس أنهم جاؤوا، وكيف يختلفون عن الآخرين، يساهم كثيراً بشعورهم بالهوية. ولقد أحدثت الكولونيالية تغيرات هائلة في الأفكار التي تدور حول الهوية، جزئياً بتغيير أفكار الناس عن أصولهم وعمن يشكل الآخر. فالثقافات الأوروبية، في الأغلب، منتوجات كولونيالية، وكثيراً ما بحث الأوروبيون، منذ القرن الثامن عشر وإلى مطلع القرن العشرين، عن أصول مُتَحَضِّرة لهم، في اليونان وروما، بأسلوب متأثر بعلاقاتهم الإمبريالية المعاصرة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يحثوا عن أصول بدائية لهم، مقارنين ما قبل تاريخهم بتاريخ شعوب ‘العصر الحجري’ الحديث في أفريقيا أو غينيا الجديدة أو الأمريكيتين. … وبالفعل، حاول الأوروبيون إنكار الأصول الحضارية على أولئك الذين لم يُعتبروا متحضرين في الحاضر الذي كان قائما آنذاك. وأسوأ ما يذكر في هذا الصدد الجهد الهائل الذي بذله رودس Rhodes وآخرون في البحث عن أصل غير أفريقي لزمبابوي العظمى. وبُذِل مثل هذا الجهد أيضاً مع بناة أهرامات أمريكا الشمالية، وفي حالات عديدة أخرى. وكما نأخذ بالحسبان آراء الأوروبيين عن الآخرين، نريد أيضاَ تحليل الكيفية التي خَلقت بها أشكالٌ ثقافيةٌ أخرى أفكاراً عن الهوية والآخَريَّة والأصل من خلال الخبرات الكولونيالية. فثقافات الشتات على سبيل المثال تهتم اهتماماً خاصاً بالأصول والهوية اللتين شكلتهما خبرتهم الكولونيالية. ونحتاج أيضاً أن نعرف إلى أي مدى أصبحت أفكار كليشيّة عن الأصول والهوية موجودة في إطار الآركيولوجيا والأنثروبولوجيا، وما هي الأشكال النقدية التي نحتاجها لنقدم أشكالاً فكرية جديدة عن الهوية’.

هل هذا غذاء فكري لكتّاب الواقعية السحرية؟ نعم، وبالمطلق.

تطرح الكتابة عن الآخر، من منظور أمريكي شمالي، تحدياً أكبر من قدرة أي كاتب أمريكي شمالي على كتابة جملة أو إحكام حبكة أو صياغة مجاز شامل. وفي حال الكتّاب الذين يبحرون في مناطق السرد الضحلة، بخاصة، يجب على المرء أن يكون واعياً بمزالق الكتابة خارج واقعه.
ولا يعني هذا أن على الكتّاب أن لا يكتبوا عن شخصيات وأوضاع ومواقع قد تكون غريبة على واقعهم اليومي. فما أنا ضده بقوة هو التفسير التبسيطي لدور الكاتب، ‘اكتب ما تعرف عنه’. فالمعرفة غير محدودة بمضامين جمجمتك. اسأل فقط أُمّاً، أية أُم، عما تعرفه، فقد تشرح لك شعوراً تحسّه بين عظامها قد تشرح لك معرفة أُسَريّة أمومية تتحدى التفكير. فالمعرفة تأتي من الخبرة، من الذاكرة المادية والحسيّة، من الهوية الثقافية والمشاعر والحدس والتربية والبيئة والغريزة والعلاقات، ومن الطاقة الإبداعية. ومن المحتمل أن يكتب أولئك الكتّاب الذين يستكشفون ما يعرفونه من خلال الكتابة، ومن يأخذون بالحسبان كل مصادر المعرفة المختلفة هذه، قِصصاً (خيالية أو غير خيالية) عن الخبرة الإنسانية، تكون نسيجاً أصيلاً غنياً.
ورغم ذلك، يجب أن أتوقف قليلاً … فالأصالة كلمة تشبه عَلماً أحمرَ يُرفعُ. ما هي الأصالة، بخاصة في حوار بين الناس الذين لا يستطيعون حتى أن يقرروا تعريفاً للواقعية السحرية، أو لا يملكون فكرة واحدة عما هو ‘حقيقي’؟ فإذا كنتَ واحداً من الكتّاب الذين يحاولون كتابة سرد واقعي سحري، عليك التأكد من أنك تكتب الواقعية السحرية و/ أو الآخر، لأن الكتابة تتطلب ذلك.
ولذا، تُركز هذه الافتتاحية، في هذا العدد من المجلة، عن السحر العملي Practical Magic الضارب سوطه وسط ثيمتنا الخاصة عن الواقعية السحرية الكاريبية، على التحديات التي دفعت عدداً من الكتّاب إلى تضمين الآخَريَّة في كتابتهم. وإليكم بعض الافتراضات الخاطئة في الكتابة عن الآخر في الواقعية السحرية أو غيرها، التي يجب أن يعيها الكتّاب:
الافتراض الأول: ‘يملي عليّ واجبي كاتباً تسنُّم دور المفَسِّر لأولئك الذين لا صوت لهم’. إنها لفكرة شجاعة أن يقوم كاتب بالتحدث باسم من لا يستطيعون الكلام. ويستطيع الكتّاب، أحياناً، فعل هذا بشكل جيد جداً (بإذن أو من دون إذن). ولكن أهذا هو السبب الذي دعاك إلى كتابة قصة واقعية سحرية؟ إذا كان ذلك هو السبب فعلاً، فعليك أن تعيد النظر في السبب الذي دفعك إلى التحدث باسم من لا صوت لهم.
فليست كتابة الواقعية السحرية طريقة لإنقاذ العالم. إن الكتابة من أجل عالم أفضل أمر جيد، ولكن الكتابة كـ’عمل اجتماعي’ تتضمن مقداراً خطراً من الترفّع يمكنه، لا شعورياً، تغذية حركات سياسية تسعى إلى طمس ثقافات أخرى. فباختيار هذا النوع من القَصص، يوجد دائماً خطر تغريب الآخر أكثر. فهل تريد إنقاذ العالم بهذه الطريقة!.
ما تستطيع الكتابة الواقعية السحرية فعله، إن فُعل جيداً، هو أن تُخرِِج إلى الضوء وقائعَ نادرة أمام متلقين واعين. وتذكَّر أن الكتابة الواقعية السحرية، أولاً وأخيراً، كتابةٌ قَصصية. فالقصة، وليس الذي تقولُ، ما يُحدِثُ الفرق. فبمقدار ما تستطيع ‘إخراج نفسك’ من السرد فعلاً (من خلال وعيك بالانحيازات الشخصية واستعدادك للتعرّف على نظرة الآخر والإمساك بزمامها)، تكون جيداً. فالكتابة الواقعية السحرية ليست كتابة عنك، بل عنهم.
وكن حذراً أيضاً، فقد يتم النظر إلى عملك كعملِ شخصٍ يختار لمصلحته ثقافة أحدٍ آخر. وهذا منحدَرٌ زلقٌ ـ فمن يملك، في أية حال، الثقافة؟ ويخاصة في الولايات المتحدة، حيث الثقافات المميَّزة استثناء وليس الأساس؟ وطبعاً، أنا لا أقترح أن ‘لا تذهب إلى هناك’ إطلاقاً، ولكن كن حذراً، فالتهمة رائجة. والناس الذين يشكلون جماعات الآخر لهم الحق كله في أن يقلقوا، فهذه قِصصهم، حتى وإن كانت أيضاً قِصصنا. واقتراحي أن تمشي في هذه الأرض حذراً، وأن تفكر في دوافعك في كل خطوة تخطوها في هذا الطريق. فسوف يقوم أحدٌ ما، في النهاية، بطلب أجوبة عن تلك الأسئلة. فما هي وظيفتك؟ قم بوظيفتك الداخلية، وستكون كتابتك أفضل.
الافتراض الثاني: ‘بما ان المسألة مسألة كتابة قَصص، يُرخَّص لي الاستعارة والخلق بقدر ما هو ضروري لتوصيل رسالتي’.
حسناً. استعرْ، اخلقْ، وحتى اسرقْ إن كان ذاك ضرورياً، ولكن كن حذراً … فباستخدامك أدوات خرافية، وتوصيل ما تعتقد أنه ‘حقيقة الآخر’، تخاطر بتلميع ما هو مؤلم واضطهادي عند آخرين. ولا أظن، طبعاً، أن أي كاتب يريد حقاً تتفيه أشياء من مثل الفقر أو الاضطهاد البدني أو الهُزال السياسي لمجرد رواية قصة جيدة.
ومهما كان الآمر، هل يحتاج المرء معطف الواقعية السحرية كي يوصل مثل تلك الرسالة؟ ولماذا الرسالة مهمة؟ وهل هي رسالتك أم رسالتهم؟
كن مستعداً أن تتلقى صفعة على خدك لاحقاً، إذا قررت، لنقل، رواية قصة صاخبة عن تاريخ هايتي من خلال عيني فتاةٍ عبدٍ تستخدم صحن دارها وطقوس الأوبيا**، كي تصبح قصتك سحرية وملموسة. فإن لم تكن هايتياً، إن لم تكن تؤمن بالأوبيا، إن لم تتحدث اللغة، ستبدو قصتك، مهما كانت زاهية ذكية فصيحة وكتبت بعد بحث، قصةً هزليةً رواها أجنبي.
وإذا كنت تريد توصيل رسالة، أفليس من الأفضل، في مثل هذه الحال، أن تقولها، ببساطة، مباشرة؟ أو، أليس من الأفضل أن تترك خَلَفَ الفتاةِ العبدِ الهايتية ترويها لنفسها؟ فأحياناً، قد يجعل ‘تقليص’ وقائع الآخر، باستخدام الخزعبلات، الآخر يبدو أقل ‘واقعية’. فهل هذا عدل؟
الافتراض الثالث: ‘أرى حولي اضطهادَ النساء والملونين والشاذين جنسياً. وهؤلاء الناس يشكلون عالمي. فما الغلط في كتابة الواقعية السحرية، لأكشف هذه المفاسد؟’
لا غّلط. إذ يمكن للواقعية السحرية، كشكل سردي، أن تُستخدم بفاعلية لتمثِّل الرأي البديل لكثيرين. ولكن لا يجب أن تكون أيةُ أجندةٍ سياسيةٍ أساسٍ أداةً عاملة صريحة في قصة واقعية سحرية. فالواقعية السحرية، رغم أنها نوعٌ من السرد السياسي، ليست مانيفستو. فهي تطرح لا ما تعتقد أنه قد وقع، بل ما يمكن أن يقع. أي، إذا كنت تكتب قصة لاجئين كوبيين يحاولون التواؤم مع مجتمع مدينة ميامي بولاية فلوريدا الأمريكية، وتريد تقديم عناصر واقعية سحرية كسبيل لكشف حياة منفى طويلة، فقد يُنظر إلى عملك كمبحث، وليس كساغا أو قصة رمزية، كما يجب أن يكون. وإليك هذه النصيحة: إذا كتبتَ شخصيات واقعية، تحمل احتمالات ثورية، بطريقة تجعلها عضوية في القصة ورائعة جمالياً، فسوف يكون حظك بالنجاح أوفر.
والافتراض الرابع: ‘أريد أن أكتب الواقعية السحرية لأُظهر للقراء أننا جميعاً كائنات بشرية، وأن الغامض الغريب يمسنا جميعاً’.
حسناً، دعنا لا نبرر تبنينا لاستراتيجية سردية بقول المعروف. فقد يكون جديراً أن تسأل نفسك: هل أنا بحاجة إلى استخدام عناصر واقعية سحرية لأبيّن أننا جميعاً كائنات بشرية؟ لأنك إن فعلت، فقد تبحث في نفسك عن هوىً، لتكتشف دوافعك الحقيقية.
وفكِّر في الأمر ملياً: ما الذي تقصده فعلاً بقولك إننا كلنا سواسية؟ إن الاعتراف بأننا مختلفون لا يعني أننا متعصبون. لا، وليس خطأ أن تلاحظ أن العالم ليس بلا حدود. لسنا كلنا سواسية. فاختلافاتنا، سواء أكانت ثقافية أو مادية أو سياسية، هي التي تجعلنا كائنات بشرية. وتمنحنا هذه الاختلافات هوياتنا الفردية والجماعية.
وباعتبارك كاتب واقعية سحرية، من المهم أن تتذكر أنك لا تبدع عملاً فنياً ثقافياً حين تكتب قِصصك. فأنت لست عالم آثار أو عالم أعراق. أنت فنان ـ تتعامل مع الجماليات والكلمات ووسائل الإعلام. وهدفك أن تكتب قَصَصَاً يربط واقع شخصياتك الموضوعي بالاستثنائي المدهش.
ورغم ذلك، لن تكون رسالةٌ حول القرية العالمية فعّالة إن كان هدفك التجانس. فكيف لمتلقيكَ أن يستجيبوا إن كانت رسالتك تمحو كل ما يجعلنا متميزين وفريدين؟ والناس خارج التيار الرئيس واعون فعلاً بآخَريَّتهم كما يصورها رأي ذاك التيار. وبالمثل، يعرفون أن آخَريَّتهم كنزٌ، أن آخَريَّتهم غنيةٌ بهيةٌ تماماً مثل أية هوية محددة.
والافتراض الخامس: ‘حين تُُكتب الواقعية السحرية بشكل جيد، تؤثر بشكل هائل على الأدب العالمي. وانظر فقط إلى سلمان رشدي. لقد أحدثت كتابته فَرْقاًً’.
في المرة القادمة التي سيأتي فيها السيد رشدي إلى المدينة، آمل أن أسأله سؤالين: ‘هل تقصد أن تكتب واقعية سحرية؟’ و’هل كان هدفك الأول كاتباً أن تغير المشهد السياسي للعالم؟’ وأراهن أنه سوف يجيب بـ’كلا’ عن السؤالين كليهما.
فمعظم كتّاب الواقعية السحرية لا يكتبونها بوعي، لا، وليس لديهم أية فكرة، أكثر من غيرهم من الكتّاب، سواء كانت غامضة أو غيرها، عن الكيفية التي سيستجيب العالم بها لما أبدعوه وكتبوه. ففي معظم الوقت، تراهم فقط يكتبون ‘الحقيقة’ كما يفهمونها. وهذا دافع مخلص، وقد يكون الدافع الوحيد الذي يقدم لسرد الآخر خدمةً واقعيةً جُلّى.
إن الكتابة الواقعية السحرية التي تدمج الآخر فيها ليست كتابة تنحاز إلى طرفٍ أو تقوم بعمل اجتماعي. إنها اعترافٌ بالاختلافات واحترامٌ لها؛ إنها فهمٌ لسياق الماضي والحاضر والمستقبل؛ وهي تستخدم علم الجمال، لا السياسة، عربةً لرواية القِصص. قال المترجم غريغوري راباسا Gregpry Rabaa ذات مرة: ‘إن أعظم دفاعٍ ضد العزلة والوحدة والانفصال العقيم، واعظم حماية منها، هو طاقة الفن الإبداعية’.
فالإبداع يبني جسوراً، يُلهم تواضعاً، يطلب إخلاصاً، يرحِّب بالتعلُّم، يتطلب حُباً، وبعيدٌ عن التحامل. فدعونا، ككتّاب للواقعية السحرية، أن نبدأ من هذه الأهداف، كوسيلة لتكريم ملكوت الآخر.
ــــــــــــــ
* تامارا كي سيلمان Tamara Kaye Sellman ، كاتبة أمريكية تكتب القصة والشعر والنقد الأدبي. وهي المحررة المؤسسة لمجلة ‘مارجن’. من أعمالها القصصية ‘سُبْحَاتُ آن البالية’.
** الأوبيا Obeah ، نظام معتقدات سائد أساساً في الأنديز الغربية البريطانية وغيانا وجنوب شرقي الولايات المتحدة، يتميز باستخدام الطقوس السحرية والحَواية.
المصدر: مجلة ‘مارجن ‘ Margin، صيف 2004.
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى