صفحات الناس

خير للإصلاح أن يأتي متأخرا من أن لايأتي أبدا !

null
ثلاثة أحداث برزت مؤخرا على الساحة السورية: التعديلات الحكومية في أعلى هرم المسؤوليات الاقتصادية، والتشكيلات القضائية ، وقرارات صرف عاملين في الدولة.
وإذا كانت افتتاحيتنا الماضية ( الدردري والرداوي خلاف في التخطيط أم عجز عن الإصلاح ؟) قد تناولت الحدث الآول ودلالاته ، فإن الحدثين الأخيرين يعيدان فتح الباب نفسه.
أولهما هو التشكيلات القضائية التي جرت مؤخرا، فشملت معظم عدليات القطر وطاولت عدداً كبيراً من القضاة والمحاكم. و أدت عمليا إلى اضطراب عمل القضاء وإطالة أمد التقاضي في المحاكم التي شملتها، كما أثارت كثيرا من الاهتمام والضجة بين القضاة والمحامين والمعنيين وفق شهادات متعددة.
ومع ملاحظة أن التشكيلات المذكورة لم تكن مجرد تشكيلات روتينية، فيها مافيها من نقل وتعيين هو من صميم صلاحيات السلطة القضائية، وكانت تجري دوما بين فترة وأخرى تلبية لحاجات التوسع والنمو ومقتضياتهما مع الزمن، ولم تكن لتشغل بال غير من تشملهم من القضاة على جري العادة. فذلك بخلاف الأخيرة التي شغلت الكثيرين، وكانت استثنائية بدليل اتساعها وتضحيتها بالإرباكات الحاصلة في التقاضي وبشروط استقلال القضاة وحمايتهم . مما أشاع القول بأن تلك التشكيلات جاءت في إطار مسعى لإصلاح القضاء الذي صارحديث فساده على كل الأفواه.
أما الثاني، فكان تصريح رئيس الوزراء عن إصداره 751 قرار صرف لعاملين في الدولة لأسباب تمس النزاهة خلال العام الماضي وحده،. فإذا علمنا بان كل قرار من قرارات الصرف تلك قد شمل ما بين 5 إلى 10 عاملين في المتوسط، وباعتبارأن مصطلح عامل في الدولة يدل على فئات متعددة تشمل المدراء والمهندسين والإداريين وصولا إلى العمال العاديين، فمعنى ذلك أن تلك القرارات أدت إلى تسريح عدة آلاف من أولئك العاملين. وبغض النظرعن تعسف مثل تلك القرارات ، والذي تحميه المادة 137السيئة الصيت، فإن استمرار ذلك المعدل سنويا، باعتبار أن هناك مؤشرات سابقة عليه وعلى إمكانات نموه المتوقع، يدفع إلى تخيل كم الفساد الذي يفرزه الجهاز الحكومي السوري باستمرار، لدرجة أصبحت وظيفة من وظائفه وجزءا طبيعيا من بنيته.
هكذا إذن، فساد في القضاء وفساد في الإدارة، كلاهما يعالج بإجراءات إدارية، وذلك أقصى ما استطاعته حكومتنا العتيدة. إذ تنظر إلى الفساد في كل من المجالين على أنه فساد صغير فتعالجه بإجراء صغيرمن وزنه. أما الفساد الكبير الذي هو فساد النظام في بنيته فيبدو من الواضح تكرارا أن إصلاحه ليس واردا، لذلك تكتفي باللجوء إلى نقل القضاة وتسريح العاملين، وهكذا دواليك .لكن كما هو الإناء ينضح بما فيه، كذلك ستبقى بنية النظام تفرز فسادها باستمرار، مالم يتم الخروج من الإناء نفسه، أي من بنية النظام المغلقة على سلطته، إلى فضاء حريات التعبير والرأي الآخر.
عندها يمكن أن ينطلق مشروع الإصلاح الوطني المتكامل، والذي هو تغيير ديمقراطي سلمي تدرجي وآمن طالما نادى به إعلان دمشق. فيه تعود دولتنا الوطنية إلى مجتمعها، وتستعيد كل من سلطاتها الثلاث استقلالها بدلا من اندماجها في سلطة تنفيذية ذات طابع أبوي، خصوصا منها السلطة القضائية التي تعتبر ركيزة أي نهوض.
وباختصار نقول: في الاقتصاد كما في الإدارة والقضاء وباقي الجوانب دلالة التخبط الحكومي السوري واحدة، وخير للإصلاح أن يأتي متأخرا من أن لايأتي أبدا.
6-2-2010
موقع اعلان دمشق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى