شيخوخة
سمير قصير
… اما وقد تجاوزت حرب التمديد موقعة ضمان الشيخوخة، فباتت ربما ممكنة الاستفادة من دخول موضوع الشيخوخة وضمانها السجال السياسي، ولو من باب الخطأ، والعمل على تفعيل هذا المفهوم بما يتناسب مع رؤى من استفاقوا فجأة الى الضرورة الملحة لهذا الاصلاح (في بلد يعاني قبل اي شيء آخر من هجرة الشباب)، ذلك انه يمكن تصوّر في حالات معينة صيغة اكثر فاعلية لضمان الشيخوخة، لضمان بقاء المسؤول في الموقع الذي يحتل.
وبالفعل فان “الانتخاب” بهدف ضمان الشيخوخة قد يصلح مسوّغاً لحمى التمديد التي تنتاب “العهد الميمون”، على ما يسميه الزميل علي حماده. نقول “يصلح” لأن اي تبرير آخر لم يعط حتى الآن، خلا الشعار الفولكلوري المرفوع فوق نهر الكلب، وفوق القانون ايضاً حيث اللوحات الاعلانية ممنوعة في هذا الموقع الاثري، وهو الشعار الذي يتغنى بـ”رجل القرار”. اي قرار؟ لا تفسير، مثلما لا تبرير لرغبة الرئيس الحالي بالبقاء في السلطة الى ما شاء الله. فالاعلان الصريح عن وجود هذه الرغبة في نفس الرئيس اميل لحود، من خلال خطبته العصماء في عيد الجيش، لم يرافقها شرح للاسباب الموجبة. اما الحجة المضمرة القائلة بأن الرئيس سينجح في المرة المقبلة لانه فشل في المرة الاولى، فمن الافضل ابقاؤها مستورة. لا، قطعاً، التذرع بضمان الشيخوخة اقل عيباً، وان يكن لا يخشى على الرئيس من عوز في شيخوخته (ما دامت الجمهورية تؤمن معاشاً تقاعدياً للمسؤولين السابقين). لكنه، من يدري؟ قد يريد ان يضمن نفسه ضد الضجر عندما يتقاعد.
والحق اننا سنكون كلنا معرضين للضجر عندما سيتقاعد الرئيس اخيراً. تصوروا الصحف من دون الاعيب المصادر الامنية، ونشرة الثامنة الا عشر دقائق من دون امر اليوم، والجمهورية خالية من مؤامرات الذين يؤتمنون على امنها… يا ليت الضجر يحل منذ الآن، فيتمكن المواطنون مثلاً من متابعة الالعاب الاولمبية، اسوة بالرئيس العاشق للاولمبية، من دون ان يضعوا ايديهم على قلوبهم خوفاً من عمل ارهابي في اثينا يقرأه احدهم في بيروت، وربما الرئيس نفسه، على انه المبرر الذي كان يفتقر اليه.
حذار الاستخفاف بهذا السيناريو الاولمبي، مهما بدا عجيباً! الا نسمع نظريات بوليسية الطابع (والمصدر ايضاً على الارجح) تقول لنا ان العهد الساعي الى تمديد اجله سيستفيد من ظرف استثنائي، اقليمي او حتى دولي، للحصول على مبتغاه! آخر التنويعات على هذا المنوال ما ينسج حول ضربة اسرائيلية ضد المراكز النووية الايرانية تؤدي الى تصعيد خطير في العراق وانفلات في جنوب لبنان، فلا يعود هناك من حل (امام الرعاة السوريين) غير تأبيد العهد الحالي الذي لا يطلب شيئاً لنفسه اكثر من البقاء في مراوحته. ولكن لا حاجة الى انتظار العدوان الاسرائيلي، اي فصل جديد في حرب الارهاب قد يصلح عند بعض اركان العهد استيراد مفاعيله.
العهد جسمه لبيس، هذا صحيح، وقد عرف قبل ذلك كيف يستغل اي ظرف خارجي لمصلحة تشديد قبضته، على غرار ما فعل الحكم البعثي الدمشقي الذي انبثق منه عهدنا في غضون “الربيع الامني” بعد 11/.9 بل انه عرف كيف يستنبط الظروف، اذا لم يسعفه الخارج في توفيرها، حتى اضحت الخشية الكبرى ان يعمد احد المتحمسين للتمديد من اصحاب السلطة، الى خزعبلة امنية محلية قبيل الاستحقاق الرئاسي، في حال لم تكف الازمة الخارجية لمراده.
قد تنطلي الحيلة على البعض في دمشق، وخصوصاً اذا ارادوا لها ان تنطلي عليهم، هذا ان لم يشاركوا في التخطيط لها. ولكن ان يضيعوا وقتهم ووقتنا، هم ووكلاؤهم اللبنانيون، في التبرير مسبقاً لظرف، خارجي او محلي، يحتّم امنياً التمديد، فذاك اسخف حتى من ترشيح الرئيس الحالي بناء على خطاب يتيم اثبت فشله. فلا ظروف استثنائية تحول دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية، والتاريخ اللبناني الحديث ابلغ دليل على ذلك من الياس سركيس الى الياس الهراوي. بل ان المرتين اللتين اطل فيهما الاستحقاق الرئاسي من دون ظروف استثنائية تظلله، كانتا لخيارين اقل ما يقال فيهما انهما نالا من هيبة الجمهورية. كان ذلك عام 1995 حين تم اغتصاب الدستور من اجل التمديد للرئيس الهراوي بقرار ابلغه حافظ الاسد الى اللبنانيين بواسطة “الاهرام” المصرية، وفي عام ،1998 حين خضع الدستور نفسه الى اعتداء جديد فتح الباب لترجمة خيار الاسد اياه انتخاباً للعماد لحود.
فرجاء، ايها السادة المتحكمون بالامن، لا تكلفوا انفسكم عناء البحث عن ذريعة امنية خارجية قد تنفعكم محلياً، ولا تصدقوا ان عثوركم على ذريعة امنية داخلية سيفي بالغرض. اذا كنتم مصرين، والمعني معكم، على التمديد للرئيس الحالي، اكتفوا بحجة ضمان الشيخوخة. هكذا، نبقى على الاقل ضمن الاطار الهزلي الذي يريده لهذه الجمهورية عهد لا يعرف حتى لماذا يريد ان يستمر.