صفحات العالمما يحدث في لبنان

لبنان ما بعد الانتخابات التي نعرف نتائجها

سليمان تقي الدين
تكونت صورة المجلس النيابي العتيد. ارتسمت ملامح الكتل النيابية بعناصرها وشعاراتها. المعادلة السياسية الوطنية مناصفة بين الموالاة والمعارضة بفارق ضئيل. التجديد في النخبة السياسية طفيف جداً. لا مكان لأي شخصيات سياسية مستقلة فعلاً. لا مكان لأي تيار سياسي خارج الشرعية الطائفية.
في الحصيلة العامة ليس هناك أي تغيير يذكر على جميع المستويات. هناك تفاوت في احجام الكتل النيابية بأعداد قليلة زيادة أم نقصاناً.
أي لبنان بعد انتخابات 2009؟ لنفترض حسن النية والصدقية في التزام الشعارات السياسية التي تتبناها الكتل النيابية، فليس هناك امكانات فعلية لتحقيق اصلاحات سياسية واقتصادية جدية. لا التوازن السياسي ولا التكوين الطائفي يسمحان بترجيح مشروع سياسي على آخر. الشراكة في السلطة ضرورة لضمان الاستقرار السياسي ولإدارة المؤسسات. الحكومة ستكون ائتلافاً عريضاً بين جميع مكونات المجتمع السياسي. اذا كانت هذه التوصيفات أو التوقعات صحيحة فأزمة النظام إلى تفاقم واحتمالات معالجة المشكلات شبه معدومة. الحكومة ليست المكان المناسب لاجراء حوار وطني، هي مكان القرار لتسيير  أمور البلاد. البرلمان المنقسم على نفسه والذي يمكن اختصاره في مجموعة قليلة من الزعماء ليس المكان الصالح لكي يكون هيئة نقاش لمشروع الدولة. هو في نهاية المطاف مكلّف بإخراج القضايا المتفق عليها في صيغ قانونية. اذاً الحاجة ما زالت قائمة وملحة لهيئة حوار وطني يجب إعادة تكوينها حكماً بعد الانتخابات.
لا أحد يجادل طبعاً في حتمية مشاركة أقطاب المجموعات الطائفية والكتل النيابية. لكن اذا كنّا نريد حواراً وطنياً شاملاً يضم جميع اللبنانيين مع اعترافنا بالخلل التمثيلي الذي ينتجه قانون الانتخاب وجب على هيئة الحوار الوطني أن تتسع لجميع القوى السياسية والاجتماعية والتيارات الفكرية. الحوار بين الطوائف ضرورة لكن الحوار بين الفئات الاجتماعية والمهنية وممثلي المجتمع المدني ضرورة ايضاً. في مكان ما وفي مرحلة ما من الحوار هناك حاجة إلى بلورة مشاريع الاصلاح في ورشة وطنية واسعة ومتشعّبة.

ذكّر رئيس الجمهورية بالاصلاحات الكبرى في الطائف ووعد بوضعها على جدول الاعمال. في واقع الأمر نحن بحاجة إلى تطبيق الدستور ولا سيّما مقدمته الميثاقية أي التعاهدية الوطنية العريضة التي يفترض أنها العقد الوطني والاجتماعي بين اللبنانيين على بناء الوطن والدولة. منذ عقدين ونحن نمارس حياتنا الوطنية من خارج الأطر والقواعد الدستورية بل إن الطبقة السياسية الحاكمة تنتهك الحقوق الدستورية للمواطنين.
ليس لنا من مخرج بين الشعارات والبرامج السياسية التي تطلقها القوى السياسية بصورة متناقضة في مراميها واهدافها إلاّ بالعودة إلى الدستور وتشكيل لجنة تحضيرية للحوار الوطني تضع أوراقاً مستوحاة من الدستور ومن مقدمته وتوضح دلالاته ومعانيه. لا نقول هذا افتراضاً أن الطبقة السياسية تجهل هذه المعاني، بل لأنها صاحبة مصلحة في تحويرها وفقاً لأهوائها كما فعلت طوال السنوات الماضية.
إن محاور هذا العمل الوطني يمكن تحديدها في مواضيع أربعة:
* استكمال بناء المؤسسات الدستورية الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، في قوانين تنظم عملها جميعاً ولا سيما قانون الانتخاب وقانون السلطة القضائية المستقلة.
* مراجعة السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية في ضوء الزامات الدستور بالعدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة واللامركزية الادارية.
* السياسة الخارجية والدفاعية على ضوء الاقرار بالهوية العربية والانتماء اليها ومستلزمات ذلك وفي ضوء احتياجات الوحدة الوطنية والدفاع عن لبنان وسيادته واستقلاله.
* التعامل مع المشكلة الطائفية بوصفها النقيض لبناء الدولة ووحدة المجتمع والوطن، وبالتالي النظر إلى المحاور والمواضيع الأخرى السابقة بمعيار مساهمتها في معالجة هذه المشكلة وتجاوزها. كل عمل سياسي وطني ليس هذا جدول أعماله هو عمل مهدور يكذّب كل البرامج والشعارات.
لقد صار واضحاً من خلال الخطاب الانتخابي أن هناك هواجس حول مستقبل السلطة السياسية وكيف ستكون مراكز القوى فيها. لعل أخطر ما يثار الآن هو الحديث عن “جمهورية ثالثة” وبالتالي تعديلات دستورية تؤدي إلى تعديل الصلاحيات. هذه قضية تثير حفيظة مجموعات أخرى. إن الحديث الذي يتناول مسألة المناصفة والمثالثة يؤكد استحالة إدارة الدولة عبر توزيع السلطات طائفياً. إن الاعتراض على اختلال التوازن لا حل له إلاّ من خلال التقدم الفعلي لتطبيق الطائف من خلال نظام المجلسين (البرلمان والشيوخ) وفصل الإدارة التنفيذية عن تعددية الاقطاب والرؤوس. لا بد من مرجعية تنفيذية واحدة. أما المشاركة فيجب أن تتم من خلال نظام مجلس الشيوخ. خارج هذا التوجه لا حلول لأزمة المنافسة.
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى