مطلوب منا القراءة الجيدة لتهديدات قادة العدو الصهيوني!!
محمد فاروق الإمام
لا تزال تداعيات التهديدات التي أطلقها وزير خارجية الكيان الصهيوني أفيغدور ليبرمان وطلبه من سورية أن تتنازل عن الجولان مسار تجاذب بين المسؤولين السوريين والإسرائيليين، ففي الوقت الذي كانت نبرة المسؤولين الإسرائيليين تأخذ طابع التهديد والوعيد، من قمة السلطة في تل أبيب وحتى القادة العسكريين الميدانيين، كانت لهجة المسؤولين السوريين تأخذ طابع التحذير من مغبة أي عدوان أحمق قد تشنه إسرائيل على سورية، فقد حذر الوزير السوري وليد المعلم وزير خارجية الكيان الصهيوني ليبرمان من مغبة شن أي حرب على سورية، ولم يهدد الكيان الصهيوني بالويل والثبور ومدلهمات الأمور، في حين قال بشار الأسد في لقائه مع الصحفي الأميركي سيمون هيرش في مجلّة ـ نيويوركرـ إن (إسرائيل غير جادة في تحقيق السلام لأن كل الوقائع تشير إلى أن إسرائيل تدفع المنطقة باتجاه الحرب وليس نحو السلام). واكتفت القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية التي يرأسها بشار الأسد بكلام عام ومتكرر في بيانها الصحفي الأخير بالقول: إن القيادة المركزية (توقفت عند التهديدات الإسرائيلية الأخيرة ضد سورية وما تعبر عنه من نزعة عدوانية تفضح حقيقة السياسات الإسرائيلية المعادية للسلام والقائمة على احتلال الأراضي العربية. وشددت الجبهة في بيانها على أهمية تحسين المناخ العربي العام وإحياء التضامن وتفعيله بما يتناسب مع التحديات القائمة وبما يوفر فرص النجاح للقمة العربية المقبلة). رئيس الوزراء ناجي العطري خلال افتتاحه محطة دير علي لتوليد الكهرباء في ريف دمشق حذر إسرائيل قائلاً: (من يستفز سورية حاليا سيلقى إجابة عن هذا الاستفزاز ولن يكون مسرورا). صحيفة تشرين الحكومية كتبت في افتتاحيتها ترد على ليبرمان والتهديدات الإسرائيلية: (إن طريق السلام مفتوح وواضح ومحدد المعالم، ومقتضياته ليست بحاجة إلى فهم وتفهيم، وطريق الخراب والدمار يمكن أن يفتح في (اللحظة) التي تستجيب فيها إسرائيل لنزعاتها العدوانية ولعقول قادة تختلط في عروقهم موهبة الجريمة وأسلوب المافيا وتنعش أرواحهم روائح القتل). وتساءلت الصحيفة (إلى أين تذهب إسرائيل؟). لتؤكد أنه حيثما تذهب إسرائيل ووفق كل منطق تختاره (فستجد سورية مستعدة تماما لمنطق السلام ومقتضياته ولمنطق الحرب وأدواته).
أما الباحث الحقوقي إبراهيم دراجي فقد ركز في مقالة نشرت على الصفحة الأولى من (تشرين) رداً على ليبرمان قائلاً: (السخرية لا بد أن تنتاب كل من يتابع التصريحات القديمة والحديثة لوزير الخارجية الإسرائيلي ليبرمان الذي أثبت أنه لا يتمتع فقط بعنصرية لا حدود لها وإنما أيضا بغباء مفرط وعدم القدرة على قراءة الحاضر واستخلاص النتائج والعبر منه. وأن هذا ما بدا واضحاً في خطابه الأخير الذي وصل فيه إلى قمّة السخرية عندما بدأ يتحدث عن (أرواح الناس والقيم الإنسانية) وهو أمر يماثل تماما خطاباً لهتلر يؤكد فيه احترامه لقيم السلام والسامية!!).
من خلال كل ما جاء على لسان المسؤولين السوريين والصحافة الرسمية وكتّاب الأعمدة فيها لم نجد في أي منها نبرة تهديد للكيان الصهيبوني بل كلام موزون ومنمق ودبلوماسي فيه تلميح إلى التحذير الناعم الذي لم ينس إظهار سورية أنها تنشد السلام وأن السلام خيارها الاستراتيجي مع إسرائيل.
هذا الأسلوب الدبلوماسي والناعم من قبل المسؤولين السوريين في الرد على تهديدات قادة الكيان الصهيوني، قد يكسب النظام في سورية بعض التعاطف عند الغرب وحلفاء هذا الكيان وأولياء نعمته، وخاصة أن الملف النووي الإيراني يشغلهم حتى النخاع ولا يريدون أن ينشغلوا بغيره، إضافة إلى ما ينشغلون به في العراق وأفغانستان والعديد من المناطق الساخنة في العالم، ولم يعد موضوع الشرق الأوسط والعلاقات الصهيونية العربية وملف القضية الفلسطينية يأخذ أي حيزاً مهماً في أجندة أعمالهم وأولوياتهم.
من هنا فإننا نتمنى على النظام السوري أن يقرأ تهديدات القادة الصهاينة قراءة جيدة ومتأنية، ويستغل انشغال دول العالم الكبرى بالملف النووي الإيراني وقضية ما يسمى (الحرب على الإرهاب) ويلتفت بجدية نحو الداخل السوري الذي هو الأساس والقاعدة التي يمكن للنظام السوري أن يتسلح بها لمجابهة أي عدوان قد ينفذه الكيان الصهيوني الذي عودنا على المفاجآت، وتقديمه لمصالح كيانه (بحسب تصوره) عن أي أجندة أخرى مهما بلغت أهميتها لأولياء نعمته وأسباب وجوده وبقائه، وما يمكن أن تسبب لهم من إحراج.
الداخل السوري بحاجة إلى نقلة نوعية وعمل جريء تُقدم عليه القيادة السورية وأهل الحكم في دمشق.. الداخل السوري بحاجة إلى اللحمة الصحيحة والوحدة الوطنية الصادقة، ولا يكون ذلك إلا بفتح أبواب السلطة لكل الأطياف المهمشة والمقصية والمنفية والمبعدة منذ ما يزيد على أكثر من نصف قرن، لم تحصد سورية خلالها إلا الهزائم والنكبات والفقر والتخلف والضياع وتلقي الضربات، وآن لأهل الحكم في دمشق أن يقفوا وقفة صادقة مع ضمائرهم وذاتهم.. فالشعب السوري لا يريد جلد ذاتهم أو محاسبتهم عن ماض مضى بكل سوداويته وآلامه وعذاباته وجراحاته.. الشعب السوري يريد من أهل الحكم في دمشق أن يفتحوا صفحة جديدة معه ويعاملوه بلا وصاية ولا شمولية.. وهذا من حقه وقد نال الكثير والكثير منها، وهو يقول بملء الصوت: كفى.. كفى.. نريد أن نشارك في القرارات المصيرية ونضع الحلول لمشاكلنا والخطط لمواجهة أعدائنا.. فهل يستجيب أهل الحكم في دمشق لنداءات العقل والمنطق التي يطلقها عقلاء الأمة وحكمائها ووطنييها ومثقفييها، لرص الصفوف ووقوف الجميع في خندق واحد للذود عن الحياض ومدافعة العدو والعدوان، وحتى يتحمل الجميع مسؤولية النتائج وتداعياتها مهما كانت بروح الفريق الواحد الذي يضم كل الأطياف السورية من أعراق وأديان ومذاهب وعقائد!!
الوزير السوري المعلم لم يهدد إسرائيل، كما يقول وزير الكيان الصهيوني ليبرمان، وإنما حذر فقط من مغبة شن أي حرب على سورية. ماذا يريد ليبرمان من سورية، أن ترتعد خوفاً من تهديداته! أن تتنازل عن حقها في الجولان المُحتل! أن لا تدافع عن نفسها!
القيادات العقائدية الحقيقية ممكن بل مستعدة أن تضحي ليس فقط في كراسيها، وإنها أيضا في أنفسها عند إقتضاء الضرورة. ولا نتصور بأن القيادة في سورية أو إيران أو حزب الله أو حماس أقل وفاء لمبادئها ووطنها وأمتها العربية والإسلامية من قيادة عراق صدام حسين، الذي واجه لعقود بشجاعة غير مشهودة الإدارة الأمريكية المتصهينة حتى النخاع.
فحتى وإن ربحت أمريكا وإسرائيل كل المعارك العسكرية المباشرة بسبب تفوقها التكنولوجي، لكنها في النهاية حتماً سوف تخسر الحرب، كما خسرها غيرها من الغزاة المعتدين أمام المقاومة الشعبية الوطنية.
خاص – صفحات سورية –