صفحات الناسمحمد ديبو

الحب ليس حراما ياسيدي الشيخ

null
محمد ديبو
استيقظت اليوم على أشعة شمس تكسر برد الشتاء وتنفذ من زجاج النافذة لتغسل وجهي المحموم من منامات أمس الجريح.
تذكرت أن اليوم هو عيد الحب, فصفنت أتأمل حمامة رسى قدرها على نافذتي, هل تحمل وعدا ما في يوم الوعود الخائبة؟ سألت.
صرخت من عراء فراشي : كم جميلة هي الحياة ومدهشة, كم جميل أن يكون هناك يوم نمارس فيه صخب الحب وجنونه إن كان لنا آخر يشاركنا هذا الهوس وهذا الجسد وهذه الروح…وكم جميل أن نتذكر الذين عبروا شوارع الروح ذات جنون, إن لم يكن لدينا من يلوث يومنا برذاذ الفرح..الآن وهنا.
ولكن لحظة ركوبي السرفيس عكرّت كل ماسبق, إذ لم تكد قدماي تطاآن السرفيس, حتى خرج صوت عالي النبرة, يصرخ أن عيد الحب حرام, وهو عيد مستورد, وتم اقراره في الغرب لتخريب الشباب العربي ونشر الرذيلة والفساد في بلدنا..
إنه صوت الشيخ الذي وضعه سائق السرفيس ليعكر صباحنا بخطبته التي لا أعرف من أين استورد مفرداتها, ليجعلنا نتساءل :
متى كان الحب حراما يافضيلة الشيخ؟
ومن قال لك أن فالنتاين الذي زوج الشبان”على روح المسيح” لم يكن مؤمنا, بل أكثر إيمانا من الكثيرين الذين حملوا تعاليم المسيح وارتكبوا الموبقات تحت يافطتها, ليمنعوا نور الله : الحب, وليمنعوا الشباب من تجسيد هذا الحب عبر رباط أبدي مقدس.
ياسيدي الشيخ إذا كان عيد الحب مستوردا, كما تقول وتصرخ, مابالك بكل الأشياء التي استوردناها, من الطائرة إلى السيارة إلى شريط الكاسيت الذي بفضله نسمع صوتك الرنان في صباحاتنا الجميلة, والتي تصر على تعكيرها..
سيدي الشيخ, هل يمكنك أن تكون منسجما مع ذاتك وترفض كل ما أنتجته الحضارة الغربية, بدءا من الكاسيت وصولا إلى المايكروفون الذي بفضله نسمع صوت الآذان..هل تستيطع ياسيدي الشيخ؟
المشكلة الثانية أنني بعد أن نزلت السرفيس وركبت السرفيس الثاني, تفاجأت أيضا بشيخ آخر, أتخيله معمما ووقورا, يصدح عبر جهاز التسجيل الكافر (لأنه حرام ويحض الشباب على الرذيلة!), بنفس ما كان يصدح سابقه, ليغدو السؤال : هل ثمة تنسيق ما؟
ماذا يعني أن تركب سرفيسين متتاليين لتجد بانتظارك شيخا يعظك بأن عيد الحب حرام, وأنه وجد لنشر الرذيلة والفساد داخل قلوب شبابنا المؤمن؟
السؤال الثاني الذي يسأل, من الذي يسمح لهؤلاء باحتلال ذاكرتنا كل صباح بعيدا عن أية رقابة؟ ما مدى صلاحية هؤلاء للحديث في الدين والافتاء بشأنه, ومن الذي يضمن أنهم ليسوا من أصحاب فكر التعصب والقراءات الرجعية للدين, فكل نسمعه صباحا يؤكد على احتقار المرأة عبر الحديث المتواتر على أن مكان المراة هو منزلها وصيانتها لعفتها, وكأن الخارج هو مجتمع ذئاب ينتظر كل امرأة تخرج من منزلها ليفتك بجسدها, أي أن المرأة مجرد جسد !!
وكي لا يحتج علينا أحد فيما نقول, لنا دائما في الرسول الكريم قدوة حسنة, ونحن لسنا ضد الدين ولكننا ضد فرض مظاهر التدين على الحياة العامة, هل كان الرسول الكريم يفرض على المؤمنين سماع خطبه كل لحظة, وكل دقيقة, وهل كان الرسول الكريم يفرض على راكب الحمار أو الحصان ( أنذاك) سماع صوت خطابائهم!!
أنا أفضل أن أسمع صوت فيروز على صوتك ياسيدي الشيخ, لذا ليس من حق أحد أن يفرض علي سماع ما لا أريد وخاصة في عيد الحب..
…..
التناقض الصارخ والجميل في آن, أنه بينما أنت تسمع مضطرا صوت “الشيخ”, تجد في السرفيس حبيبة تغازل حبيبها, طلبة مدارس بكامل حيويتهم يرسلون مسجات الحب الصباحية إلى عشيقاتهم, عاشق يحتضن يد حبيبته كمن يحضن قلب أمه…
وفي الخارج حيث الحياة, على أرصفة دمشق تجد امرأة تغازل الريح بثوبها الجميل ومعالم الأنوثة التي تعطي للصباح معناه, طفل يبكي..امرأة تخاصر زوجها…
هذه هي الحياة يافضيلة الشيخ..ولن يصادرها أحد
وهذه سوريا..لنا جميعا بما فيها أنت
شوكوماكو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى