صفحات من مدونات سورية

تدوين السوري وثقافة الموضة

تعقيباً على تدوينات ياسين حول التدوين السوري اسمحوا لي أن أشارككم ببعض آرائي حول الموضوع .. رغم معرفتي المسبقة بأنه قد يعتب عليّ البعض مما سأكتب ولكنني سأتقبل أفكاره بكل سرور ..
سأقول لكم رأيي بصدق ” التدوين السوري هو موضة ” هذا هو الحال من دون مجاملات أو إلتفاف أو تعمق كبير .. دعوني قبل أن أناقش التدوين أن أتكلم عن الواقع السوري أولاً، فالملاحظ لحالنا يجد أننا شعب يعشق التجريب والإستهلاك واختبار كل جديد حتى ولو وجدناه غير مجدي، ولطالما درسنا في الإقتصاد بأن سوقنا غير ناضج وغير مُبشع حتى الآن .. فإذا أصبح لدى إحداهن “غسالة أتوماتيك” ستجد بعد أسبوع أن سكان البناية كلهم أصبحوا يملكون “غسالات أتوماتيك” ولانتعش الإقتصاد الوطني وسوق الغسالات في جميع أنحاء البلاد .. هذا هو الواقع !!
والإنترنت نفس الشيء، فعندما انتشرت خدمة الإنترنت منذ بضعة سنوات سعى الجميع لأن يكون لديهم خط انترنت ولو لأجل التجريب، لكي يتعرفوا على ماهية هذا الشيء الذي يتكلم حوله الأصدقاء والأقارب وعلى الفضائيات وفي كل مكان .. ومع الوقت انتشرت مواقع التشات بشكل كبير والمنتديات بشكل أكبر، حتى بات أغلب من يملك تطلعات تكلونوجية يسعى إلى افتتاح منتدى أو موقع تشات خاص به، ولو لم يضع فيه أي شيء ولكن المهم أنه أصبح الآن يملك “موقعاً على الانترنت” .. وصدقوني كنت واحداً من هؤلاء ههههه ..
إذا المشكلة الرئيسية برأيي تكمن في “ثقافة الإستهلاك” و “عقلية الإستثمار” .. نحن نشتري أحدث أجهزة الكمبيوتر في السوق لكي نجرب عليها أجدد الألعاب التي تحتاج إلى إمكانيات جهاز كبيرة .. نشتري أفضل الموبايلات لكي نستخدم الكاميرا والبلوتوث .. نسعى إلى إمتلاك أسرع خدمة إنترنت لكي نتسلى بأكبر قدر ممكن ونشاهد أفلام البورنو بشكل أوضح .. وهكذا، فالخلل من وجهة نظري هو في هذه الثقافة، ثقافة الإستهلاك ..
التدوين ورغم أنني أعتبره شيء مهماً للغاية ويجب أن يكون له أكبر تأثير ومضمون، ولكنه للأسف لا يعدوا كونه نتاج وتطور لمراحل مشينا عليها مسبقاً، إنه الموضة الجديدة التي أتت بعد انحسار المنتديات ومواقع التشات .. وبقيت ثقافة التجريب هي نفسها، وربما هذا هو السبب الذي يجعلنا مختلفين جداً حول “ماهية التدوين” والهدف منه، فغياب وجود “كتالوك” واضح يشرح لنا كيف نستخدم هذه الموضة الجديدة، جعلنا نتخبط حيناً ونختلف أحياناً أخرى .. وربما هذا السبب أيضاً هو الذي أدى إلى وجود هذا الشرخ الكبير بين التدوين المقيم والتدوين المغترب .. ربما في الغرب وكذلك المدونيين السوريين الذين يكتبون بالإنكليزية عرفوا ماهية هذه التقنية وكيف يمكن الإستفادة منها بالطرق المثلى ..
ما زلت أعتبر سنة 2008 هي سنة التدوين السوري بحق، الكل كان يكتب ويناقش وكانت الحملات التدوينية في أوجها وعطائها، في تلك الفترة كان نتاج التدوين والأفكار المختلفة في أجمل أطوارها .. ولكن دوام الحال من المحال، فاليوم وبعد أن تم تجريب هذه التقنية الجديدة التي تدعى “التدوين” أصبحنا نبحث عن شيء جديد لنجربه وموضة حديثة كي نختبرها .. ونخربها أيضاً !!
لهذا أعتقد بأنه علينا قبل أن نناقش حول التدوين أن نسعى إلى تغيير عقلية الإستهلاك هذه، وأن نسمي الأشياء بمسمياتها وأن نستخدم كل شيء بحسب ما صمم لأجله .. ليس المهم أن يكون لدي أحدث موبايل المهم أن أستعمله في التواصل والإتصال، وليس من المهم أن يكون لدي خدمة انترنت الأهم أن أعرف كيف أستفيد منها وكيف أستهلكها بطريقة مجدية ومفيدة .. ليس مهماً أن يكون لدي مدونة الأهم أن أعرف كيف أوجهها واستثمر إمكانياتنا ومزاياها بالطريقة الأكثر تأثيراً ..
في موضوع أخر حول الإختلاف في الأراء والأفكار والتطلعات بين المدونيين وحالة الهدوء السلمي المنتشرة بشكل مخيف، أعتقد أن هذا أمر سلبي وغير مفيد .. علينا أن نؤمن أيضاً بأن الإختلاف “ضرورة ملحة” وليس أمراً نحن مخيرين بوجوده أو عدمه .. لولا أنك مختلف عني لما عرفت ذاتي .. وغياب هذا الإختلاف والتنوع والذي سببه “سياسة القطيع الواحد” هو الذي يجعلنا قابعين في مكاننا نخشى التطور والخروج عن الحالة السائدة، ربما أصبحت بعد تجارب عديدة وملاحظات كثيرة للواقع أكره العادات والتقاليد التي تأسرنا وتقيدنا وتحكم عقولنا وتجلعنا نمطيين في كل أفكارنا وتصرفاتنا ..
وللمدونيين المغتربين همسة صغيرة قلتها سابقاً وأكررها الآن، كم أتمنى لو أنكم معنا تساعدوننا في خطواتنا، تساعدوننا لكي نفهم العالم بطريقة مختلفة كما فهمتموه أنتم .. نعم رواسبنا القديمة تقيدنا ولكن ما المانع لو شاركتمونا وأشركتمونا في كتاباتكم وأفكاركم عسانا نتخلص من هذه القشور البالية .. وربما أن تكبتوا بالعربية بلغتكم الأصلية هو أسهل من أن نتعلم نحن بسرعة ونقرأ لكم بالإنكليزية ..
http://mr-blond.net/?p=543

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى