صفحات من مدونات سورية

رؤوس أقلام حول التدوين السوري ( 2 )

ياسين السويحة
“جدّية” التدوين.. التدوين الشخصي مثالاً
لعلّ هذه النقطة التي أحاول أن أتطرق إليها في هذا المقطع شاملة لكل التدوين العربي ربما و ليس فقط السوري, و أقصد بذلك عادة “تصنيف” التدوين بين جيّد و سيء, أو جدّي و غير جدّي, أو رصين و غير رصين.. حسب ما يكتبه المدوّن في مدونته. ربما يكون أساس هذا التصنيف هو تعريف التدوين بحد ذاته: هل التدوين هو أن ينشئ المرء مدوّنة و يكتب فيها من يشاء و يقرأ له من يرغب؟ أم أنه يجب أن يكون للمدوّن هدف و قضية و أسلوب لتحرير محتوى مدونته؟

بعيداً عن اختيار تعريفٍ واحد من هذه.. أعتقد أن كلاهما صالح للحديث عن التدوين, حيث تستطيع أن تنشئ مدوّنة للتعبير عن تفاصيل حياتك الصغيرة, أو لتسخر من أمرٍ محدد, أو لتتحدث عن هواياتك, أو لتمارس هواياتك الأدبية من شعر و خاطرة.. و أيضاً تستطيع أن تكتب بالتزام بقضيتك أو ما تؤمن به, دون أن يكون هناك نوعٌ أفضل من غيره أو أكثر استحقاقاً للثناء.
علينا أن نقتنع برأيي أن التدوين هو – أولاً و أخيراً- هواية, و تمارس بقصد الاستمتاع و التسلية و التعرّف على أشخاص جديدين و تبادل الأفكار معهم, و الحديث عن الاستمتاع و التسلية لا يتناقض أبداً مع أن يكون المدوّن جدّياً و ملتزماً (إن أراد) بقضية أو بمسألة محددة يدافع عنها و يدعو إليها, بل العكس تماماً… المدوّن الناجح, كما هو العامل الناجح و الفنان الناجح و أي مهني آخر ناجح.. هو من يمارس عمله مستمتعاً به.. أليس كذلك؟
بخصوص التدوين الشخصي.. أعتقد أنه جانب مظلوم جداً في الواقع التدويني العربي بشكل عام (ضمن أشكال أخرى كالتدوين الساخر غير السياسي مثلاً, فمن الغريب برأيي أن التدوين العربي يحب السخرية السياسية بينما يسفّه ما عداها من أشكال ساخرة), و حين أقصد التدوين الشخصي لا أقصد الخواطر أو الأشعار الذاتية و التي تكتب بشكل أدبي إنشائي معيّن و إنما عن تدوينات نراها أحياناً قد كتبت بكل عفوية و بساطة تتحدّث عن واقعة حدثت لهذا المدوّن, أو ذكرياته حول أمرٍ ما, أو هواجسه و مخاوفه حول أمر معيّن.. الخ. أقول أنه مظلومٌ لأنني لاحظت أن الكثير من الزملاء المدوّنين يستهجنون هذا النوع من التدوين للأسف, و ربما يعود ذلك لاعتبار أن المدوّن يجب أن يكتب أمراً عاماً.
على سبيل المثال أذكر نصاً لمدوّن سوري شاب (و لعلّه أصغر المدوّنين السوريين عمراً) اسمه عدنان, و قد كتب تدوينةً منذ أشهر عن نجاحه إلى الصف التاسع (أي إلى سنة الحصول على شهادة التعليم الأساسي, الإعدادية سابقاً) و قد كتب عن هواجسه و مخاوفه حول الموضوع بشكل بسيط و جميل جداً.. و لعلّ كل من قرأ هذه التدوينة قد تذكر نفسه عندما كان بعمره. و أعتقد أيضاً أنه في كثيرٍ من الأحيان تكون التدوينة الشخصية مفتاحاً لنقد اجتماعي معيّن و نقاش حوله.
مشكلة التدقيق و البحث عن (الجدّية و الرصانة و غيرها) هي أنّ هذا الأمر قد يشكّل كابحاً أو عامل قمع لمن يريد أن يكتب بطريقة أخرى خارج القوالب المعتاد على اعتبارها (جدّية).. و هذا خطأ برأيي و يساهم إلى إفقار التدوين و حرمانه من أمر جميل جداً: الإنسان و حياته و تفاصيلها الصغيرة.

التدوين السوري: عربي و انكليزي و الجدار بينهما
من خصوصيات التدوين العربي (و التدوين السوري كجزء منه) أنه لا يستخدم فيه اللغة العربية فقط, فهناك الكثير من المدوّنين السوريين الذين يدوّنون بلغات أخرى (الانكليزية خصوصاً), و هذا بطبيعة الحال أمر جيّد مبدئياً, و فيه غنى للمحتوى و مدّ في مساحة المتلقّين حول العالم.
لكن؟ هل اللغة هي الفرق الوحيد بين المدوّن باللغة العربية و نظيره بالإنكليزية؟
الحقيقة أنني, بشكل شخصي, أرفض السؤال من أساسه.. لماذا عليّ أن أضع كلّ المدوّنين باللغة العربية, على اختلافهم, في سلّة واحدة, و أقارنهم بالمدوّنين باللغة الإنكليزية, و الذين أضعهم جميعاً أيضاً, على اختلافهم, في سلّة واحدة؟
الواقع للأسف هو أن السؤال الذي ذُكر أعلاه موجود على الساحة التدوينية, و هناك أيضاً حاجز من نوع معيّن لا أدريه بين المدوّنين من اللغتين, و لهذا الحاجز دورٌ في ظهور أشكال نمطية ظالمة لكلّ المدونين برأيي, و أحياناً يسبب ذلك وجود حساسيات معيّنة.
هناك نظرة عمومية لحظتها في كثير من الأشخاص تشير إلى قناعة بأن التدوين باللغة الانكليزية أكثر انفتاحاً و أكثر “احترافية”, كما أنه أكثر جرأة في طرح مختلف القضايا, كما قد نجد قناعة بأن المدوّن باللغة العربية بالتعريف أقل انفتاحاً و أقل جرأة و طرحه للمواضيع أكثر سطحية.. و أكثر محافظة!
صادفت أكثر من مرّة أشخاصاً ليسوا مدونين بل متابعين للتدوين السوري أخبروني أنهم لا يتابعون التدوين العربي بسبب “سطحيته”, أو بسبب توجهاته العامة الفكرية أو الإيديولوجية المعروفة سلفاً, و هذا مؤسف, خصوصاً أنني اكتشفت أنهم قد تأثروا بنظرة نمطية, و أنهم لا يعرفون الكثير من المدوّنين الممتازين باللغة العربية و لم يزوروا مدوناتهم قط. و بالمقابل على الأغلب نجد “قناعة مضادة” تجاه المدوّنين باللغة الإنكليزية, و مما يزيد جهلنا بهم عدم إتقان الكثير منا للغة الإنكليزية, فنجد أننا لا نعرف عن ماذا يكتبون لأننا لا نتابعهم, لكن لدينا نظرة و رأي تجاههم قد يكون, على الأغلب, ظالماً !
لا أعتقد أننا يجب أن نبحث عن تأكيد هذه الصور النمطية و البحث عن صدقها من عدمه.. بل يجب التعمق في البحث عن سبب وجود هذا الحاجز من أساسه. و ربما أكون مخطئاً.. لكنني أعتقد أن الجميع يخسر من وجود هذا الحاجز و هذا التفريق و هذه الصور النمطية. كما أن المدوّن باللغة العربية خاسر بشكل مزدوج لأنه يخسر التفاعل مع شريحة واسعة من المدوّنين, كما أنه مجبر على حمل صورة نمطية ظالمة له بسلبيتها, و هذه الصورة مؤثرة جداً برأيي عند الكثيرين.. و أحياناً (و هذا رأي شخصي بحت) يؤثر ضمن الباحثين و المهتمين بالتدوين و نقل مجرياته.

التدوين الأنثوي.. أنثوية التدوين؟
إن حالة المدوّنة الأنثى هي جزئية من مسألة مكان الأنثى داخل الأدب العربي جميعه, و أقصد بها قناعة و نظرة متغلغلة بعمق داخل الغالبية العظمى من الرجال و النساء العرب تقول ما يلي: الأنثى فقط تعرف التعبير عن أحاسيسها و مشاعرها الذاتية, و بالتالي يجب ألا تخرج عن كتابة الخواطر و الشعر و نصوص الهواجس و المخاوف..
أشعر بأنني أشاهد هذه القناعة لدى الكاتبة و لدى القارئ, و يعزز هذا الأمر رؤيتي لفقر تطرّق المدوّنات الإناث للمواضيع العامة بمجالاتها المختلفة, و اقتصار نشاطهن التدويني (أو معظمه) على النتاج الأدبي, و طبعاً هذا ليس بأي شكلٍ من الأشكال تقليلٌ من شكل هذه النصوص الأدبية الرائعة و التي نستمتع بقراءتها جميعاً, بل هي دعوة للدخول بعمق في مجالات أخرى للتدوين و ممارسة التعبير و الرأي حول مختلف المواضيع, ففيه غنى و فائدة للجميع.

http://www.syriangavroche.com/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى