صفحات من مدونات سورية

حول “التدوين الأنثوي” .. توضيح

ياسين السويحة
أود قبل كلّ شيء أن أشكر كلّ من شارك في مناقشة النقاط التي تمت إثارتها في التدوينات السابقة حول التدوين السوري (الجزء الأول, الجزء الثاني) و أريد أن أشير أيضاً إلى أنه, بغض النظر عن بعض الآراء السلبية حول هذه الدوامة التفكيرية المشتركة حول واقع التدوين السوري (و هي آراء محترمة بطبيعة الحال) فإن حجم النقاش الذي أثاره طرح هذه القضايا يدل على أنه كان هناك حاجة منتشرة للحديث عنها و إبداء الرأي بخصوصها.
في الحقيقة لم أكن أتوقع أن تثير النقطة الأخيرة حول “التدوين الأنثوي” كل هذا الجدل, كما لم أتوقع أن يساء فهمي إلى درجة كبيرة جداً لدى بعض الصديقات خصوصاً, حيث أنني تلقيت ردوداً و معاتبات سببها واحدٌ من اثنان: إما أنني لم أشرح قصدي جيّداً, و إما أن معاتبي لم يحاول فهمي بشكل صحيح, و لا دور لي و لا سلطة على الثانية, و لذلك سأحاول العمل على إصلاح الأولى (في حال كان هناك ما يجب إصلاحه).
قبل الدخول إلى صلب الموضوع هناك نقطة أساسية تسود فوق جميع الآراء التي أطرحها, و قد تلغيها أيضاً: كلّ شخص منّا يمتلك كامل الحرّية في أن يكتب و ينشر و يناقش ما يشاء حينما يشاء و كيفما يشاء, دون أن يحق لأحدٍ تقييمه أو “دعوته” إلى تغيير مشيئته هذه لأي سببٍ كان. هذه المسألة, كما قلت سابقاً, أهم من أي رأي يمكن أن يطرح, و لذلك ليس طرح رأي أو فكرة انتقاصاً من هذه الحرية أو رغبة في المساس بها.. أرجو بحرارة أن يكون هذا الأمر واضحاً.
ثانياً: أستغرب بشدّة أن يكون البعض قد فهم أنني ضد أن تكتب المدوّنات الإناث الخواطر و الأشعار في مدوناتهن.. هذا ليس صحيحاً ! من حقّ أي شخصٍ كان أن يكتب ما يشاء, و أن يقرأ له من يشاء.. و أنا أقرأ الكثير من الخواطر و الأشعار في المدونات (الأنثوية و غير الأنثوية).. أنا فقط ضد التأطير, و سأحاول توضيح هذه الفكرة:
هناك من يقول أن المرأة لا يجب أن تمارس نشاطاً عاماً و لا أن تعمل خارج المنزل, و يؤكد أنها غير صالحة للتعلّم و لا هي مؤهلة لتحمّل أي عمل من أي نوع.. لأنها ضعيفة و حسّاسة و عاطفية و فقط تجيد إنجاب الأطفال و تربيتهم. من المؤكد أننا جميعاً نعرف أناساً يفكرون بهذه الطريقة, و الكثير منا يرى في هذه الفكرة تخلّفاً, أليس كذلك؟
ما قلته أنني ضد “إسقاط” هذه الفكرة على التدوين (كجزئية من الأدب العربي).. لست ضد الميول الأدبية العاطفية إن كانت موجودة عند الذكر أو عند الأنثى, بل العكس تماماً !.. و أعتقد أنني لا أخطئ بحق أحد عندما أقول أنني أريد أن تسود فكرة أن هذه الكاتبة أو المدوّنة تكتب خواطر عاطفية لأنها تريد أن تكتبها و تستمتع بذلك, و ليس لأنها لا تجيد الكتابة في أمورٍ أخرى. ما كنت أريد إيصاله (و لم أفلح على ما يبدو) هو أنني ضد اعتبار الأنثى عاجزة عن الكتابة إلا عن عواطفها.. ضد اعتبارها مخلوقاً عاطفياً بحتاً و غير قادر على الممارسة الفكرية و المحاكمة المنطقية..
هناك عقلية منتشرة إلى حد كبير و قد لمستها في بعض الردود على مدوّنات, فنجد أحياناً ردوداً استخفافيّة بهنّ و بآرائهن من طراز (ابقي في الخواطر و العواطف فأنت لا تصلحين للحديث عن “قضايا الرجال”), و هذا المنطق في التفكير هو كنت أقصد الاعتراض عليه في كلامي, و كما ترون يخص الاعتراض القارئ (و القارئة) أكثر مما يخص الكاتبة.
ملاحظتي الوحيدة حول المدوّنات هي أنه لديّ انطباع (قد يكون خاطئاً أو لا) بأن الكثير من المدوّنات قد رضين بهذا “الحصار النفسي” و بقين في مجال الخواطر العاطفية بعيداً عن “ضجيج الرجال” .. و حتّى هنا لست ألوم أحداً, أنا أحترم و أقدّر و أثمّن أن تكتب أي زميلة مدوّنة ما تشاء, إن كان في مجال الخواطر أو غيره… فقط أدعو لأن تكتب ما تريد لأنها هي التي تريد, و ليس لأن هناك عقلية متخلفة قد قررت بأنها لا تعرف أن تكتب عن أي أمرٍ آخر.
أرجو أن تكون هذه السطور قد ساعدت على توضيح وجهة نظري و إنهاء الالتباس (بغض النظر عن سببه) الذي جعل بعض الزميلات (و الزملاء) يسيئون فهم ما أقصد و يرون في رأيي ما لم أفكره… بل فكرت نقيضه تماماً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى