لبنان: مَنْ أفشَلَ الديمقراطية التوافقية؟
سعد محيو
لماذا تعثّرت الديمقراطية التوافقية في لبنان، فتجمّدت في الزمن بدل أن تتطور إلى ديمقراطية ناضجة وكاملة، كما في الدول التعددية الأوروبية (هولندا، بلجيكا، سويسرا، النمسا)؟
من سوء حظ اللبنانيين أن قادة الطوائف اعتبروا التوافقية هدفاً نهائياً، وهذا برأي العديد من الباحثين أحد الأسباب الرئيسية لتعثرها في لبنان . فهؤلاء القادة أطلوا على التوافقية ليس بكونها استراتيجية لادارة الصراع تهدف إلى إعادة الاستقرار السياسي على المدى القصير، بل بكونها نظاماً يؤبّد الأمر الواقع الذي أبقاهم في السلطة .
ويعتقد الدكتور أسامة أبو مرشد(جامعة جورجتاون) أن التوافقية في لبنان تعثرت لأن التطور المؤسساتي كان غير ملائم بسبب ميل التوافقية إلى منح الأولوية للاستقرار على حساب ميزة الاستجابة للمتغيرات، والنسبية على حساب المساواة . وبهذا، تم تثبيت أفراد محددين في السلطة ما خلق نخبة سياسية لها مصلحة قوية في الحفاظ على الأمر الواقع . ميثاق 1943 عزّز هذه الظاهرة، لأنه ترك عملية التطور المؤسساتي في يد القادة الطائفيين الذين استندت سلطتهم إلى إحصاء العام 1932 .
علاوة على ذلك، يمكن تسجيل العجوزات التالية في التوافقية اللبنانية:
التجربة على مدار العقود السبعة الماضية دلّت على عجز (أو رفض) النخب الطائفية بلورة هوية وطنية جامعة لاتلغي الهويات الفرعية بل تضعها في إطارها الوطني الصحيح كجزء من كل . وهذا العجز كان مسؤولاً إلى حد غير قليل عن منع صياغة استراتيجية أمن وطني، كما عن تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية والدولية (وهو تحييد نجحت فيه كل الديمقراطيات التعددية في أوروبا)، عدا بالطبع الصراع العربي “الإسرائيلي” .
غياب البعد الاجتماعي الاقتصادي عن الميثاق الوطني للعام ،1943 ثم ميثاق الطائف العام ،1989 الأمر الذي كان يحوّل كل أزمة اقتصادية في البلاد إلى مشروع احتراب طائفي (والآن مذهبي) .
فشل الإصلاح الإداري بشطريه: وضع حد للفساد والمحسوبيات التي تحتمي بالأغطية الطائفية، وعدم تطبيق اللامركزية الموسعة التي كان يمكن أن تمنح الطوائف شعوراً إضافياً بالأمن وثقة متزايدة بدور الدولة المركزية .
وأخيراً، التردد في استكمال المؤسسات الدستورية (بخاصة مجلس الشيوخ) التي كان يمكن أن تحصّن الديمقراطية التوافقية من انقلاب موازين القوى الديمغرافية، وتسمح في الوقت نفسه بتطوير الديمقراطية ونقلها من مرحلة التوافق إلى مستوى النضج .
بالطبع، كل من هذه السلبيات كاف وحده لإثارة الشكوك بمدى جدوى الديمقراطية التوافقية في لبنان، خاصة أن النظام اللبناني (كما كان يقول هنري كيسينجر) مرشّح لانفجار كل عشر سنوات .
بيد أن هذه الشكوك ليست في محلها، ولايجب أن تكون . لماذا؟ لان البديل عن هذه الديمقراطية التوافقية هو الاستبداد الطائفي، أو نظام سلطوي استبدادي تكون حروبه الأهلية أكثر هولاً بما لايقاس من الحروب الاهلية الطائفية، لأنه يمكن أن ينسف أي إمكانية للعودة إلى طاولة المفاوضات والتسويات .
الحل في لبنان لأزمة الديمقراطية التوافقية هو بالمزيد من الديمقراطية لا بإنقاصها أو إدارة الظهر لها، جنباً إلى جنب مع الدفع في اتجاه تحديث مؤسسات الدولة وخلق الثقة فيها بدل أن تكون مؤسسات الطوائف (الاجتماعية والتعليمية والصحية وحتى الأمنية) أكثر قوة وتأثيراً منها .
ماذا الآن عن حظوظ العراق المحتملة مع الديمقراطية التوافقية؟
الخليج