التفاوض السوري الإسرائيلي

ذهاب أولمرت لن يوقف المفاوضات مع سوريا

null

مرة أخرى يبدو مصير رئيس الحكومة الاسرائيلية ايهود أولمرت في مهب الريح بعد اتهامه بالحصول على مبالغ مالية ضخمة لم تخضع لأي رقابة حكومية طوال 15 عاماً، أي منذ كان رئيساً لبلدية القدس وحتى بعد توليه منصبه الحالي. في الأحوال العادية قد تكون فضيحة الفساد الأخيرة التي تطال أولمرت وجهاً من وجوه الصراع المزمن بين سلطان المال وسلطان السياسة ومشكلة الفساد في كل الأنظمة السياسية التي تخضع لرقابة المؤسسات وقانون المحاسبة والشفافية. ولإسرائيل تاريخ طويل مع قضايا الفساد والرشى التي طاولت أسماء كبيرة مثل رئيس الحكومة الراحل اسحق رابين الذي اضطر في السبعينات الى الإستقالة من الحكومة إثر الكشف عن حساب مصرفي تملكه زوجته بالعملة الأجنبية في احد المصارف مما يعد مخالفة للقانون.

ولكن تهمة الفساد التي تلاحق أولمرت حالياً تأخذ حجماً أكبر بكثير. وأكبر دليل على ذلك الضجة الكبيرة التي تثيرها داخل اسرائيل وسرقتها كل الأضواء. بحيث بات السؤال الأساس المطروح على جدول الأعمال اليوم سواء وجّهت الى أولمرت تهمة الفساد ام لم توجه هل يستطيع رئيس الحكومة الحالي الاستمرار في ممارسة صلاحياته أم ان وقت تنحيه قد حان ولا بد من الدعوة الى انتخابات مبكرة للكنيست؟

ليست هذه أزمة الثقة الأولى التي يتعرض لها أولمرت خلال فترة ولايته. فلقد سبق أن واجه أقسى منها بعد حرب تموز عام 2006 وبصورة خاصة بعد النتائج التي توصلت اليها لجنة فينوغراد للتحقيق بالحرب والتي اعتبرته مسؤولاً عن اخفاقاتها. يومها أيضاً تراجعت شعبيته بصورة دراماتيكية وتعالت الأصوات داخل الكنيست وخارجها تطالبه بالإستقالة. ورغم كل ذلك استطاع الصمود في وجه الانتقادات ونجا من المجزرة التي كان يعدها له أخصامه السياسيون وتمسك بموقعه.

لكن المحنة التي يمر بها اولمرت اليوم تختلف عن سابقتها. فمن الأسباب المهمة التي دفعت شركاءه الى التمسك ببقائه لاسيما حزب العمل، الرغبة في عدم تقديم دليل آخر للأعداء، وبصورة خاصة لـ”حزب الله” الذي استطاع ان يحقق فوزاً مهماً على الجيش الاسرائيلي في مواجهات حرب تموز، على هشاشة الطاقم الحاكم الحالي في اسرائيل، لا سيما في ظل ردود الفعل التي أثارتها استقالة رئيس الأركان واستبدال وزير الدفاع. أما اليوم فيختلف وضع أولمرت عن السابق داخل حزبه وائتلافه الحكومي. وثمة دلائل واضحة تشير الى رغبة الأحزاب الاسرائيلية من اليمين واليسار بتنحيه والمضي نحو انتخابات مبكرة. هذا هو مثلاً موقف الشريك الأساسي في حكومة اولمرت حزب العمل الذي من المرجح ان يطالب بواحد من أمرين اما تنحي اولمرت او الدعوة الى انتخابات مبكرة.

التضخيم الكبير الذي حظيت به قضية الفساد الأخيرة مردها ليس فقط ضخامة الأموال التي تقاضاها أولمرت، وانما اقتناع متزايد وسط السياسيين وقادة الأحزاب بأن اسرائيل بحاجة في هذه المرحلة المصيرية من تاريخها الى شخصية أخرى أكثر حزماً وخبرة لا سيما ان اسرائيل على أبواب معاودة المفاوضات مع سوريا وتسوية تاريخية تتطلب تنازلات “مؤلمة” حسب التعبير الاسرائيلي، ناهيك بمشكلة كيفية حسم الوضع في قطاع غزة لمصلحة اسرائيل وتحجيم حركة “حماس” ومواجهة الخطر الأكبر من زاوية اسرائيل أي الخطر الإيراني.

خروج أولمرت اليوم من الحياة السياسية في اسرائيل قد يحدث ارتياحاً وسط الرأي العام الاسرائيلي الذي يطالب منذ وقت بذهابه، وسيشكل بداية مرحلة مختلفة لا سيما في حال الدعوة الى انتخابات مبكرة في اسرائيل، وفي ظل الشكوك الكبيرة التي تحوط بمستقبل حزب “كاديما” واحتمالات تبدل الخريطة الحزبية في اسرائيل. ولكن هذا لن يغير بصورة جذرية التوجه الجديد لإسرائيل للتفاوض مع سوريا الذي يبدو قراراً استراتيجياً بعيد المدى وليس مجرد موقف مرحلي يخدم مصالح حزبية ضيقة.

رنده حيدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى