الجولان على طاولة البحث
سليم نصار
بين المراسلين الاجانب الذين غطوا أخبار الحرب اللبنانية (1975 – 1989) اشتهر ديفيد هيرست وروبرت فيسك، كصحافيين يتمتعان بفهم سياسي عميق لتاريخ البلد الذي تابعا تطور احداثه واحداث المنطقة لفترة تزيد على الثلاثين سنة.
آخر كتاب اصدره ديفيد هيرست تحت عنوان مثير للجدل هو: “حذار الدول الصغرى”. وأعطى الحرب التي خاضها “حزب الله” صيف 2006 كمثل على عجز الدول الكبرى عن منع حروب الدول الصغرى، بخلاف ما كانت تفرضه صيغة الاحتواء طوال مرحلة الحرب الباردة.
في مواجهة صيغة الادوار المتغيرة التي عرضها هيرست في كتابه، طرح زميله روبرت فيسك نظرية الارباك الاستراتيجي الذي تعانيه الولايات المتحدة من جراء سياسة الارتجال والتخبط في تعاملها مع الازمات المتنامية من فلسطين حتى افغانستان.
وقال فيسك خلال المحاضرة التي دعت اليها “جمعية الصداقة اللبنانية – البريطانية” في لندن، ان اسرائيل شنّت ست حروب ضد لبنان خسرتها كلها. وهذا ما اضطرها في كل مرة للانسحاب مع الفشل في تحقيق اي من اهدافها السياسية والامنية.
ولكنه في الوقت ذاته، اعرب عن تخوفه من نشوب حرب مفاجئة سنة 2011 باعتبارها تشكل موعد الاستحقاقات للعديد من الازمات المتفجرة على جبهات المنطقة كلها: فمن ازمة المفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطينية واسرائيل بشأن القدس واللاجئين والحدود… الى معالجة البرنامج النووي الايراني قبل الانسحاب الاميركي من العراق وافغانستان… ومن تزايد احتمالات مشاريع الانفصال في السودان واليمن والصومال… الى البحث عن قائد باكستاني يقود الانقلاب العسكري المطلوب لامتصاص النقمة الشعبية العارمة.
مع دخول السنة المقبلة بعد ثلاثة اشهر يبدو من الصعب بلورة اتفاق فلسطيني – اسرائيلي في ضوء المعلومات التي تشير الى مخطط لبناء 1362 وحدة سكنية في القدس الشرقية وحدها. وبما ان حركة “حماس” و”كتائب القسام” و”حركة الجهاد الاسلامي” و”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” قد تعهدوا بمواصلة الجهاد من قطاع غزة المحرر، فان المفاوضات المباشرة ستضعف احتمالات التسوية.
منذ 1967 والاستيطان الاسرائيلي في الضفة الغربية يحول دون تحقيق فكرة دولتين لشعبين. وهذا ما يفرض على كل رئيس وزراء اسرائيلي تجنب الكأس المرة منذ اغتيل اسحق رابين بسبب تحدّي المستوطنين.
وبالرغم من هذه المحاذير فان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون اخبرت العاهل الاردني عبدالله الثاني، انها طلبت من نتنياهو تمديد قرار تجميد الاستيطان لمدة عشرة اشهر اخرى. وفي تصورها ان العقوبات المفروضة على ايران قد تجبرها على تعديل مواقفها المتشددة بحيث تشجع مصالحة “حماس” مع السلطة الفلسطينية.
ويرى المراقبون في عمان ان مسألة تحقيق مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة يحظى بدعم الأردن، لأن فشله يحيي مشروع شارون “الأردن هو فلسطين”. والملاحظ في هذا السياق ان عددا من السياسيين الاسرائيليين بدأ بنشر ذكرياته عن احداث “ايلول الاسود” سنة 1970. واعترفت الغالبية منهم بالخطأ الذي ارتكبته اسرائيل لأنها ساعدت عسكريا المملكة الاردنية الهاشمية ومنعت عنها انتصار منظمة التحرير بقيادة ياسر عرفات ومساندة الدبابات السورية.
وهي تتوخى من حكومة نتنياهو الا تكرر خطأ 1970 في حال اصطدمت المعارضة الاردنية مع النظام!
في مؤتمره الصحافي الاخير، قال الرئيس باراك اوباما “ان تجميد الاستيطان سيساعدنا على التصدي لايران”. وكان بهذا الربط يشير الى ضرورة فصل العلاقة الوثيقة بين طموحات ايران النووية وانشاء دولة فلسطين. وللتوصل الى هذه النتيجة ترى الادارة الاميركية، انه لا بد من انتظار نتائج العقوبات الاقتصادية المفروضة على ايران. وقد اعلن غاري سيمور، مستشار اوباما لشؤون الحد من الانتشار النووي، في صحيفة “نيويورك تايمز” ان طهران تحتاج الى سنة واحدة لاستكمال صناعة قنبلة ذرية. لهذا قال نتنياهو ان لديه الوقت الكافي لحسم رأيه بشأن استهداف محطة “بو شهر” النووية، او مواقع اخرى اكثر ارتباطا بالبرنامج النووي الايراني.
الرئيس احمدي نجاد قال في اكثر من مناسبة، ان رهان اميركا على نتائج المقاطعة الاقتصادية لن يضعف طموحاتنا النووية. والدليل ان العقوبات خلال السنوات الاربع الماضية، لم تعرقل عملية تخصيب الاورانيوم وعلى العكس من كل التوقعات، فقد ارتفعت صادرات ايران 12 في المئة، كما وقّعت الصين اتفاقا بمبلغ مئة مليار دولار لمدة 25 سنة.
ويستبعد الرئيس نجاد ان تكون المقاطعة الاقتصادية مدخلا لاستخدام الخيار العسكري كما حدث مع العراق. وقد هدد باقفال مضيق هرمز الذي يؤمّن اربعين في المئة من الصادرات النفطية للسوق العالمية. كما هدد باستخدام سلاح النفط بحيث يربك الاسواق ويرفع الاسعار بشكل جنوني لا يحتمله الوضع الاقتصادي المهترىء في الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي.
كل هذه التهديدات لن تجبر اسرائيل على التراجع عن القرار الذي اتخذته حكومة مناحيم بيغن في العاشر من ايار سنة 1980 بضرورة نسف كل مفاعل نووي يقام في المنطقة.
وفي ضوء هذا القرار تمت عملية قصف المفاعل النووي العراقي (7 حزيران 1981). كذلك دمرت طائرات من طراز “اف-15” مفاعلاً نووياً سورياً ادّعى جهاز الاستخبارات الاسرائيلية (أمان) بأنه شيّد قرب الحدود التركية بتمويل ايراني وبمساعدة خبراء من كوريا الشمالية. ولكن دمشق شجبت الرواية الاسرائيلية وقالت ان المبنى هو لمنشأة عسكرية.
يرصد الخبراء العسكريون بيّنات واضحة على الاستعدادات الاسرائيلية لهجوم محتمل على ايران. والدليل على ذلك انها اشترت القنابل الخاصة بتدمير المخابئ المحصنة المسماة “القنابل الذكية” من نوع “جي بي يو 39”. كما باشر رئيس الاركان الجديد يؤاف غالانت عمليات تدريب جنود الاحتياط على مواجهة الرد الايراني المحتمل إثر قصف منشآت الجمهورية الاسلامية النووية.
في سياق هذه الاستعدادات، قام نتنياهو الشهر الماضي بزيارة مفاجئة لأثينا استمرت يومين. ومع ان رئيس وزراء اليونان جورج باباندريو كان قد زار اسرائيل عقب توتر علاقاتها مع انقرة، الا ان نتنياهو استغل المناسبة لاقناع الحكومة اليونانية بالموافقة على مرور الطائرات الحربية المتجهة نحو ايران.
وكانت تركيا التي اقامت علاقات عسكرية واستخبارية وثيقة مع اسرائيل، قد ألغت مناورات مشتركة إثر الهجوم الاسرائيلي الدامي على الاسطول التركي المتجه نحو شاطئ غزة. كما اعلنت عن رفضها مرور الطائرات الاسرائيلية في اجوائها، كما كان يحدث سابقاً.
هل يعني كل ذلك ان الاستعداد للحرب سيفرض نشوبها حتى لو أدى ضرب ايران الى اشعال كل الجبهات المتعاطفة معها؟!
من المؤكد ان جبهة الجنوب اللبناني ستكون الأكثر اشتعالاً والأكثر استهدافاً لأن اسرائيل في هذه المرة، ستنتقم لحروبها الست التي خسرتها في لبنان منذ اعتداء 1978. كما ستنتقم من “حزب الله” الذي نزع منها عنفوان انتصاراتها في حربي 1967 و1973.
الادارة الاميركية تبحث عن خيارات اخرى في حال فشل مشروع السلام الفلسطيني – الاسرائيلي، أو تأخرت ايران في امتلاك قنبلة نووية. وهي ترى ان التفاوض بشأن استرداد مرتفعات الجولان أسهل ألف مرة من التفاوض على ملكية الضفة الغربية، حيث تتداخل الاديان والعقائد في صنع التاريخ والجغرافيا. لهذا طالبت اللجنة القانونية في الكنيست بضرورة اجراء استفتاء شعبي بعد حصول الحكومة على موافقة 61 نائباً.
بخلاف المفاوضات المشروطة مع الفلسطينيين، فإن سوريا تطرح شرطاً اساسياً وضعه الرئيس الراحل حافظ الاسد قبل مفاوضات جنيف: “السلام الكامل مقابل الانسحاب الكامل من الجولان”.
ويبدو ان اسرائيل رحبت بهذا الخيار الذي يعفيها من تهمة الاحتلال، ويصورها من جديد دولة مهتمة بالسلام مع العرب. وترى واشنطن ان مثل هذه التسوية – اذا تمت – تغيّر وجه المنطقة، وتحل المشكلة مع ايران من دون حرب.
موقف فرنسا في هذا السياق لا يختلف عن موقف ادارة اوباما. وقد نقل المبعوث الرئاسي الفرنسي لعملية السلام كوسران رسالة من الرئيس نيكولا ساركوزي الى الرئيس بشار الاسد يشير فيها الى أهمية تحريك المسار السلمي السوري – الاسرائيلي. وترى دمشق في الدور الفرنسي صورة مختصرة عن دور دول الاتحاد الاوروبي. في حين دعا الرئيس الاسد الى اهمية التنسيق مع تركيا في هذا الشأن من أجل البناء على ما تم التوصل اليه في المفاوضات غير المباشرة عبر الوسيط التركي.
وتتطلع وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون الى مهمة السفيرة الجديدة في بيروت مورا كونيلي التي عملت كقائم بالاعمال في سفارة الولايات المتحدة في دمشق، لذلك عينتها مساعدة لها في دائرة الشرق الأوسط، واستفادت من تجربتها السابقة.
وقد اختصرت كونيلي مهمتها بالقول امام الرئيس ميشال سليمان ووزير الخارجية علي الشامي والمدير العام بالوكالة وليم حبيب: انه لشرف عظيم لي اخدم بلدي في لبنان، الوطن الذي التزمنا الحفاظ عليه مستقلاً ذا سيادة مع مؤسسات الدولة القوية والفعالة.
وكانت السفيرة بالتأكيد قد اطلعت على البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية والذي ينتقد فيه رئيس الجمهورية، المشككين بالمؤسسات الدستورية والشرعية والقضائية. كما تحدث البيان عن أهمية الحفاظ عليها واحترامها وعدم تجاوزها لأنها الملاذ والضامن للجميع.
وكان بهذا البيان يعبر عن قلقه من استفحال الأزمة السياسية التي ساعدت تصاريح رئيس الحكومة سعد الحريري في تأجيجها. وبسبب الفلتان العشائري والاستهانة بسلطة القانون اظهرت المواجهات التلفزيونية ان لبنان يعاني من انحلال اخلاقي وثقافي يقوض تدريحياً منعة التكافل الاجتماعي وحصانة الهدف الوطني المشترك.
في أول لقاء تم بين الرئيس بشار الاسد ورئيس الحكومة سعد الحريري، استمهله الاسد برهة ليسأله قبل ان يجلسا ويباشرا الحديث: ارجوك ان تجيب بصراحة، هل لديك ذرّة من الشك في ان سوريا لم تغتل والدك؟ ونفى الحريري أي اتهام لسوريا. ولكنه لم ينكر انه يبحث عن الحقيقة في عملية اغتيال والده. وكان بالتأكيد يتوقع من سوريا مساعدته على كشف الحقيقة، لأنها كانت مولجة بحماية الأمن والسلامة العامة بواسطة رئيس جمهورية وأجهزة قادرة على رصد تحركات كل المواطنين!
وهي اليوم تسعى الى استرداد نفوذها بعد غياب خمس سنوات، بحيث تكون قادرة على ضبط الايقاع السياسي المحلي بواسطة “وكلاء حصريين”، في وقت تضطرها احداث المنطقة الى نقل نشاطها الى داخل العراق!
(كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن)
النهار
بمحض الصدفة السياسية أو قل الانقلابية، التقى عام1967 في سجن المزة بدمشق الأمويين سجينان لقائد خالد أحدهما كان في عهد الأتاسي وزيرا للداخلية و عضوا في مجلس قيادة الثورة الحاكم و الآخر كان المسؤول الأول للاخوان المسلمين في مدينةالأول أي أنهما كانا من مدينة واحدة. و بالمناسبة كان الأول ، وزيرالداخلية البعثي عضوا في الاخوان المسلمين أيام الدراسة بالمرحلة الثانوية في الوقت الذي كان فيه القائد الخالد أيضا .طالبا بالمرحلة الثانوية و في المدرسة نفسها غير أنه كان بعثي , التقى الاثنان و هما أبناءحي واحد عرفا بعضهما البعض أيام الحي و الدراسة. ٌقال الاسلامي للبعثي العتيق ” يا أبا فلان أتمنى عليك أن لاتنسى أولادي عند خروجك من قصر المزة العامر. ” فرد عليه البعثي العتيق : بل أنا أوصيك بأولادي لأنك ستخرج من السجن بينما أنا لن أخرج ” فوجئ الاسلامي بهذا الرد و قال : غريب، أنت البعثي و أنا الاسلامي أخرج و أنت تبقى؟” فقال له البعثي ” أنا لن أخرج لأني و زملائي في مجلس قيادة الثورة ذلك اليوم شهود على عمالة المعلم عندما كان وزيرا للدفاع يوم أن طردنا الوفد اليهودي الأمريكي الذي عرض علينا استمراننا في الحكم إن ضمنا لهم سلامة الكيان الصهيوني. غير أن الخالد لحق بالوفد ليلا إلى بيروت و أبرم الاتفاق الذي ترى نتائجه الآن.
و طبعا بعد أكثر من أربعة عقود نرى نحن و العالم هذه النتائج ا.