صفحات الشعر

الســجن غرفــة فارغــة بــلا نــور ولا حــبّ

null
كيـف تكتـب شـاعرة مـن الهنـود الحمـر قصيـدة عـن فلسـطين
جاكلين سلام
الشاعرة ليّ مراكل
الشاعرة لي مراكل من مواليد فانكوفر 1950. تحمل تراث قبيلة ميتس & ساليش. شاعرة وروائية وكاتبة مقالات ومحررة عدد من الأنطولوجيات. صدر كتابها الأول عام 1988. تقول مراكل: أردت أن أكتب الانكليزية بالطريقة التي أحسها حيال القصص التي أسمعها بلفتنا. أريد أن آخذ القصة القديمة وأغزل أساطير جديدة مبنية على ما فقدناه خلال 150 سنة من قصة التطور ومنذ أن جاء البيض…» وعن السياسة والكتابة ترى الشاعرة بأنه لا يمكنها أن تفصل قصيدتها عما يجري في عالمها القريب والأبعد. تقول مراكل: أكتب انطلاقاً من ظرفي. نحن نعيش زمناً سياساً، طاغياً، …كتابتي تعكس ذلك. أكتب من خلال الأوضاع التي تحيط بنا. أوضاع السكان الأصليين في كندا سياسة. إننا في مخاض عملية النضال من أجل اللا ـ كولونيالية.
لكن الشاعرة لا تتوقف عند حدود قريتها وتاريخ شعوبها، بل تأخذنا إلى شعاب وخيام الشعب الفلسطيني وتصور لنا أحوال نساء وأطفال وبؤس هؤلاء. تقيم مقارنة عارية بين هموم المرأة الفلسطينية والمرأة الكندية ـ الأميركية، وتختصر هذا الثنائي في إشارة ضمنية إلى (كندا ـ المتأمركة). لكن هذا الانغماس في الهم السياسي لم يحجب عن روحها سحر الكون وجماليات الأشياء الصغيرة الطفيفية، فتكتب قصيدتها كما لو أنها تصلي للعشب والصنوبر والماء والضوء. أما عن صراعها البريء مع تعلم اللغة فنقرأه في أول قصيدة كتبتها حين كان عمرها تسع سنوات، وهي تصارع أحرف الأبجدية وتحاول أن تصرعها. وهناك إشارة إلى أن أمها هي التي حفظت لها القصيدة التي كتبتها في ( 23 كانون الأول 1959) حين كانت في التاسعة من العمر، ثم عادت لتنقيحها فيما بعد. بينما قصيدتها عن نساء فلسطين ووقع الحرب عليهن، فكتبت عام 1979. ما بين الشاعرة وهموم قصيدتها وبين محمود درويش و«خطبة الهندي الأحمر» قاسم مشترك، تاريخ مشترك من التهجير والاقتلاع والعدوان. كلاهما يعاين تاريخ الآخر بألم، ويطالب «السيد الأبيض» أن يرحم الأرض وعشبها ونورها ونجومها، ويعيد الكرامة لأبنائها.
الشاعرة أم وجدّة، وحفيدة شاعر الهنود المعروف بالزعيم «دان جورج». هنا بعض قصائد الشاعرة على التوالي: نساء، صندوقي الخاص بالحروف، عرض، ليونارد، ضوء.

نساء
النساء الفلسطينيات يهززنّ أسرّة أطفالهن
على إيقاع القنابل الأميركية/الاسرائيلية
فيما الرياح الصحراوية تمزّق الخيام
والرمل يصفع وجوه الباحثين عن ماء.

في «كانـ ـ أميركا» الأمهات يستخدمن الرخام
وارتفاع أسعار «حفاضات الأطفال» أكثر مشاكلنا جدية.

تحت وابل الرصاص في الشوارع
والقرى المستوية مع الأرض
أمواج المقاومة
تضرب قصور العاصمة.

الشوارع في «كانـ ـ أميركا»
غارقة بالمتسوقين
تهرول كي
تشتري…تشتري…تشتري…

في ورشات عمل تحت الأرض
شيّدتها أياد متواضعة
نساء يعملن طوال الليل
على ابتكار أسلحة من أجل فلسطين.

الأيدي الأنثوية في كانـ ـ أميركا
بنهم تلتهم برتقال اسرائيل
أطفال فلسطين لم تقع عينهم عليه.
دافئات، الأرض تحتضن نساء
ناعمات، طراوة الخطوة بالتأكيد
طُبعت في واحات الصراع
سقتها بالماء مقاومات نسويات.

ورياح التغير الحارة
تتنفس نقاء نكهة النصر
لحدّ شواطئ بيتي المتداعي.
(1979)
[
صندوقي الخاص بالحروف
كنتُ في السادسة فقط حين أجبروني على أخذ
صندوق الحروف الشيطانية

لم نكن أصدقاء منذ البداية
كنا نمتعض من بعضنا البعض.

كانت تتقلّب فوق بعضها البعض
بطريقة مجنونة مثيرة للسخرية وبدون حساسية

كانت تقفز حولي بفوضى مطلقة
وتشويش.

أوقعتني في مشكلة، تلك الحروف
الوغدة المتهكمة.

كانت تكرهني، قالت لأنني
لم أكن أفهمها.

قفزت داخل الصندوق، قبضتُ عليها
وصرعتها أرضاً.

هذا لم يُجدِ، حاربتني بقوة
كان هناك 26 منها وكنت أنا وحدي.
(عام 1991 بعد التفكير في هذا الشأن، قصيدتي الأولى أنقذتها أمي)

بإصرار وكدّ شديد
صادقتها
تملقتها، حايلتها لسنوات
لكي تحسن التصرف.
(1959ـ1991)
[
عرض
يجب أن أحوز على الأوسكار
من أجل كلّ الأكاذيب التي قلتها
كلّ الأقنعة التي لبستها…
لكنهم لن يعطوا الأوسكار
لنساء هنديات
كي يلبسن مثل «مجلة فوغ»
وتقطر منهنّ
انكليزية كالعسل

تذكّر «تا ـ اها»
بأنني أتكلم انكليزية مكسورة
الآن
أنا
خرساء…
[
ليونارد
في أي مكان آخر يستطيع الواحد أن يسمع
قعقعة المعدن على المعدن

في أي مكان آخر تتمطى الأيام
إلى أيام بلا نهاية

حيث الوقت مؤشّر عليه
إلحاحاً باللاشيء

حيث من الصباح وحتى الليل
لا راحة، فقط ضحكات وقحة
فوق عذاب
رفاقك
الذين، مثلك
حُجِزوا
في شباك الوقت
«ماما، حياتي توقفت منذ 11 سنة ونصف»
«الأخ مالكولم» قال «كل فرد غير حرّ فهو في السجن»
ليس الأمر كذلك
السجن
غرفة فارغة
بدون نور
ولا حبّ
إنه الحياة
دون عيش
تعذيب دون صراع

لكم هؤلاء الذين لستم أحراراً
ولكن ما زلتم تتحركون دون توقف
هناك على الأقل بهجة
التمرد
(1980)
[
ضوء
ضوء
ضوء أرجواني يتراقص
يتشابك مع الأخضر
يشكل دوائر
يعبر أحدهما الآخر
يتمايل فوق قمم شتلات العشب
يتأرجح
على أجنجة الريح
يضيء نصفياً
ظلالاً أرجوانية/فضية
يلفّ الحشد المتراقص
ادعس بلطف،
ياه، بلطف شديد
على جلد الصخرة الناعم
ارقص، دون بداية
دون نهاية
ارقص
تمتم سلاماً
ارقص شغفاً
بحذر،
ياه، بكل حذر
لمسة الألوان الرائقة
تتلاشى وسط الدخان الأحمر الساطع
بين دعامات الصنوبر
جوانب الهضاب الكاكية
المرقطة بنـــبات المريــمية الأخضر
سهرة جليلة
قبل نوم الصيف
في برودة الخريف
الهواء الهادئ.
الضوء الساطع
يستحيل
إلى أرومة من صنوبر ومريمية
يقبّل أرضاً ـ
يجيش ثديها
بتنهيدة راضية.

(شاعرة سورية تعيش في كندا)
ملحق السفير الثقافي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى