الكتابة الأخرى
عباس بيضون
يعيد هشام قشطة إصدار «الكتابة الأخرى» بعد انقطاع دام سنوات. بودي أن أرحب ببادرته. تحتاج الكتابة إلى متطوعين كهشام. ففي الإصدار الأول لـ «الكتابة الأخرى» لم يخترع قشطة كتاباً بالتأكيد لكنه أوجد فضاء خاصاً للكتابة الشابة، وضع الكتاب الشبان قبالة بعضهم البعض. جعل النصوص تتواصل من تلقائها وتبني من حالها خيراً مشتركاً. لم يكن للكتابة الأخرى ولا لهشام قشطة بيان خاص ولا إنجيل نظري. مع ذلك صنعت «الكتابة الأخرى» في حينه منبراً للجديد. لم تكتشف كتاباً بقدر ما وضعتهم في مائهم الحقيقي. في مرحلة ثانية عمل قشطة على إعادة طبع مجلة طه حسين ومجلة السيرياليين المصريين، كان ثانية يوجد تاريخاً للطليعة الأدبية والفكرية.
لست على كل حال ساعياً إلى مديح هشام قشطة ولا أظن أن هذا يفيده على كل حال فالرجل بقي، باحتراف شديد، هاوياً لا يقايض صعلكته الثمينة والخصبة بأي تكريس. يهمني سؤال الكتابة الأخرى أو تجديد السؤال. في الإصدار الثاني وعدده الأول أدباء الكتابة الأخرى وقد غدوا مع الزمن كهولاً ومكرسين، لا يزالون بالطبع في الميدان وهذا يعني قدراً من العراك، لكنهم صاروا في الواجهة، إذا عدنا إلى مصطلح قشطة نقول انهم الآن في الكتابة الأولى، الأولى أو بتسكين الواو «الأوْلى». هناك قرابة 30كاتبا معظمهم بات له اسم ومحل ولم يعد شريداً ولا ضائعاً. الآن له صدر الصحف ودعوات السفر وأحيانا الجوائز فلسنا من هذه الناحية في صدد أدب ملعون ولا أدباء «صيّع» ولا كتابة مقموعة أو أخرى. هناك باب للشعر الجديد الشاب ويكفي ان يوجد لنفهم أن المجلة نفسها باتت بحبرين وكتابتين وان فيها معا الكتابة الأولى والكتابة الأخرى. ثم ان المسألة لا تناط بالسن دائماً، ولا تكفيها السن معياراً.
السؤال يتخطى بالطبع مجلة هشام قشطة. انه الكتابة الاخرى، هل بقي هناك امكان لكتابة أخرى وهل نجد حقا نماذج منها، هناك جواب محتمل هو أن الكتابة الأخرى ينبغي ان توجد، نظريا على الأقل، ما دام هناك دائماً جديد، الزمن يعمل في هذا الاتجاه، هذا جواب مفحم ومفحم إلى درجة اننا نعود معه فوراً إلى نقطة أولى. الأرجح أن تحول التجديد إلى مبدأ وربما إلى دوغما. ان شيوع الفضيحة لدرجة يمكن ان تغدو بها سائدة او شبه سائدة، أن تحول الابتكار إلى غرض لا إلى طاقة ومغامرة، كل ذلك يجعل، هنا وهناك، الكتابة الأخرى أصعب. لكن الجواب لا يزال مبدئيا. ستقول ان النموذج الأول للكتابة الأخرى كان متعثراً أو مدعياً إلى درجة تجعل معارضته تسقط في دائرته. وما ينشأ عنه، حتى ضدياً، محكوم بنموذجه، ثم إننا لا نعيش في زمن حقيقي. كل ما نسميه اختلافاً او تجديداً او أدباً آخر هو إلى حد ما زمن اصطناعي. انه نور نخترعه وليس ضروريا، أن يدوم وأن يتواصل ولا نعرف متى ينطفئ ونعود إلى الزمن الكرونولوجي. لعلنا، هنا وهناك، نفكر في لحظة صحو شقي إذا كنا بدأنا شيئاً. إذا كان شيء ما قد بدأ.
السفير