نجاح مفاوضات سوريا – اسرائيل… أو الحرب
سركيس نعوم
لم يفاجىء احدا اعلان كل من سوريا واسرائيل في صورة رسمية انخراطهما في مفاوضات وإن غير مباشرة تنهي الصراع القائم بينهما بل الحرب وحال العداء منذ قرابة ستين سنة وتعيد الجولان المحتل الى اصحابه السوريين وتوفر الامن، من الجانب السوري، للاسرائيليين ومعه السلام والتطبيع وما الى ذلك. ذلك ان اخبار المفاوضات غير الرسمية وغير المباشرة بين الدولتين العدوتين خلال السنوات الثلاث الماضية شغلت وسائل الاعلام على تنوعها. هذا فضلا عن اخبار اللقاءات السرية بين الطرفين التي اكدت غير جهة اعلامية خارجية حصولها في حين واجهتها سوريا دائما.
ويعزى عدم التفاجؤ الى اسباب عدة منها تأكيد سوريا اكثر من مرة وخصوصاً رئيسها الجديد – اذا كان اعتباره جديداً لا يزال ممكناً – استعدادها لسلام عادل ومشرف وشامل مع اسرائيل انطلاقاً من التزام صادق لعملية السلام التي بدأت في مدريد عام 1991 والتي حققت نجاحات مهمة وان غير كاملة على مسارات عدة وفشلت في تحقيق امر مماثل على المسار السوري.
لكن اعلان التفاوض المشار اليه اثار اسئلة كثيرة في اوساط الناس العاديين داخل سوريا وفي العالمين العربي والاسلامي وكذلك في الاوساط السياسية والديبلوماسية كان ابرزها: لماذا اليوم وليس قبله؟ وما هي التطورات التي حصلت وجعلت معاودة المفاوضات وإن غير مباشرة ممكنة؟ وما هي فرص نجاحها؟ وما هي المواقف الفعلية منها سواء على الصعيد العربي او الدولي؟ وما هي الدوافع التي ادت اليها؟ وهل ثمة جهات اقليمية اساسية ودولية مهمة جداً جاهزة لاعطاء ضمانات تؤدي الى نجاح المفاوضات ولاحقاً الى تنفيذ النتائج الايجابية التي ستسفر عنها؟ وماذا سيكون موقف الحلفاء “الاستراتيجيين” لسوريا وهم تحديدا الجمهورية الاسلامية الايرانية و”حزب الله” اللبناني المؤمن بأيديولوجيتها والاسلاميون الفلسطينيون مثل “حماس” و”الجهاد” وهم الذين اتخذوا من زمان مواقف متشددة وصلت الى حد رفض تسوية عادلة ومشرفة وشاملة مع اسرائيل والاصرار على محوها من على خريطة العالم؟ وما هو موقف اميركا عدوة هؤلاء الحلفاء الذين هم في نظرها ارهابيون والناظرة بحذر وشك حتى العداء الى سوريا بشار الاسد من معاودة المفاوضات بينها وبين اسرائيل وان في صورة غير مباشرة؟
طبعاً لا احد يملك اجوبة واضحة ووافية عن كل ذلك. الا ان غياب الاجوبة لا يحول دون محاولة الحصول على بعضها من مصادر ديبلوماسية غربية مطلعة بعضها اميركي مساهمة في محاولة فهم ما يجري وابعاده ودوافعه ونتائجه وكذلك فهم ما جرى ويجري وسيجري في لبنان “مولّد” الازمات في استمرار والساحة الوحيدة ربما لأزمات الخارج وحروبه.
ماذا في جعبة المصادر المذكورة؟
في هذه الجعبة اولا ما يشير الى ان الخوف من حرب اقليمية كبيرة جداً ومدمرة هو الذي دفع الى المفاوضات السورية – الاسرائيلية غير المباشرة وهو الذي يقودها. فحكومة اسرائيل وجيشها يدركان ان السلام اما ان يتحقق الآن مع سوريا او هو لن يتحقق ابداً وانهما اذا اخفقا في تحقيقه او التوصل اليه فان حرباً كبيرة ستقع وستكون مؤذية ومؤلمة بل موجعة جداً لكل اطرافها فضلاً عن الاطراف المعنيين بها مباشرة ومداورة.
وفي الجعبة نفسها ثانياً ما يشير الى ان سوريا وتحديداً رئيسها الدكتور بشار الاسد توصل الى التقويم نفسه الذي توصلت اليه حكومة اسرائيل ومؤسستها العسكرية في موضوعي السلام والحرب وموعد اي منهما. ذلك انه يعرف ان الحرب مع اسرائيل ستقع حتماً اذا فشلت المفاوضات الجارية وأن من شأن هذه الحرب تدمير بلاده والحاق ضرر كبير بنظامه او ربما تدميره ايضاً وذلك رغم الاقتناع التام بقدرة سوريا على الحاق اضرار كبيرة ومهمة وموجعة باسرائيل كلها وطبعاً بحكومتها وجيشها. وفي الجعبة نفسها ثالثاً واخيراً ان سوريا واسرائيل وقعتا ولا تزالان واقعتين تحت ضغط متزايد او متصاعد من تركيا وتحديداً من الحكومة الاسلامية فيها بزعامة اردوغان.
فتركيا هذه شعرت بالكثير من القلق والاهتمام وكذلك بالخطر من تزايد بل من تصاعد نفوذ ايران الاسلامية ذات الايديولوجية الاقليمية بل الدولية الشاملة وذات الطموحات الاقليمية المؤذية والثابتة داخل سوريا ولاسيما على رئيسها بشار الاسد. وهي لا تريد استمرار تصاعد هذا النوع من النفوذ على حدودها وداخل دولة جارة لها، ذلك ان آخر شيء تريده تركيا اسلامية كانت أو علمانية هو ان يكون هناك حضور ايراني كبير ومهم او ان يتكرس حضور كهذا في سوريا ولبنان. ويبدو ان القيادة التركية الحالية والحكومية طبعاً، قد ابلغت ذلك بكل وضوح وصراحة ومن دون “قفازات” كما يقال الى الرئيس بشار الاسد.
هل يعني ذلك ان سوريا بشار الاسد واسرائيل ايهود اولمرت اليوم، (وقد تصبح غداً اسرائيل باراك او ليفني او نتنياهو) صادقتان في سعيهما نحو سلام بين بلديهما؟ وما هو موقف دول اساسية في المنطقة وفي العالم من كل ذلك
النهار