صفحات العالم

انتخابات العراق: أجمل ما فيها ان نتائجها مجهولة

كامران قره داغي
بعد اسبوع من الآن، الأحد المقبل، سيتوجه العراقيون، داخل البلاد وخارجها (نحو 15 مليوناً يحق لهم التصويت) الى صناديق الاقتراع في ثاني انتخابات برلمانية حرة خلال خمس سنوات. وقد يمر اسبوعان آخران قبل اعلان النتائج النهائية للانتخابات (عراقيو الخارج سيصوتون قبل ذلك بيومين). حتى ذلك الحين يبقى العراقيون والمعنيون من أهل المنطقة والعالم يتساءلون: اي كتلة ستحصل على أعلى نسبة من الأصوات، وبالتالي من سيشكل الحكومة المقبلة وممن ستتألف وكيف ستكون تركيبتها السياسية الاثنية والطائفية، والأهم: كم من الوقت بعد المصادقة على النتائج النهائية سيستغرق تشكيلها؟ أسئلة تستحق ان يعلن أحدهم جائزة مقدارها مليون دولار لمن يستطيع التكهن بأجوبة صحيحة ويكون واثقاً من انه لن يضطر الى دفع سنت واحد منها.
هنا يكمن جمال العملية السياسية في هذا العراق الجديد على رغم كل القبح الذي صاحب، وما يزال يصاحب، تحريره قبل سبع سنوات من الديكتاتورية. ولنا ان نتخيل هذا حين يكتمل هذا الانجاز، ولو بعد سنوات أخرى، عندما يخرج البلد نهائياً من دوامة حروبه الداخلية، سياسياً واثنياً وطائفياً، ويستقر وضعه الأمني وتترسخ عمليته السياسية الديموقراطية ونظامه المدني ويكون حسم المشاكل والنزاعات والصراعات فيه، اياً كانت، بالاحتكام الى المؤسسات الدستورية ويصبح تداول السلطة سلماً فقط عبر صناديق الاقتراع.
ما سلف يبدو حالياً في اطار التمنيات بمستقبل لا يزال خارج متناول اليد مع انه ليس مستحيلا. لكن لننزل من سماء الاحلام الى ارض الواقع.
إذا كانت الأجوبة صعبة عن الأسئلة السالفة فإنه صعب ايضاً الجزم بصحة هذا السيناريو او ذاك من السيناريوات التي يُناقش بعضها علناً عبر وسائل الاعلام المختلفة وبعضها الآخر، ربما الأكثر تشويقاً واثارة، وراء الكواليس السياسية ليس داخل العراق فحسب، بل ايضاً في عواصم اقليمية، عربية وغير عربية، تُضاف اليها عواصم غربية معنية بالشأن العراقي، خصوصاً واشنطن كون الولايات المتحدة اللاعب الاجنبي الأهم في العراق، وكذلك الامم المتحدة. سفارات هذه الدول وقنصلياتها في بغداد ومدن اخرى اعلنت حال طوارئ وحشدت ديبلوماسييها للقاء زعماء وسياسيين يمثلون مختلف الكتل.
لنبق مع الاجنبي. مفهوم طبعاً ان السفارة الاميركية هي الأنشط وصاحبة الكلمة المسموعة أكثر، ولديها فريق كبير من الديبلوماسيين والعسكريين على الارض ممن لديهم علاقات واسعة مع الاطراف العراقية كلها من مختلف الانتماءات السياسية والاتنية والدينية والطائفية. الوجود الاميركي يسهّله الاتفاق السياس ي – الامني بين البلدين، وهو وجود قد يستمر الى ما بعد المدة التي حددها الرئيس باراك اوباما في حال استدعت التطورات اللاحقة ذلك، بحسب تصريحات اميركية حديثة.
لعله ليس غريباً ان يزور العراق في هذا الوقت السفير الاميركي السابق زلماي خليلزاد للتواصل مع اصدقائه ومعارفه الكثيرين في الوسط السياسي العراقي. لا أحد يضاهي خليلزاد في الدور الذي لعبه في الشأن العراقي، مع المعارضة قبل اطاحة نظام صدام حسين وبعدها مباشرة، قبل ان يعود الى العراق سفيراً لبلاده بين 2005 و2007، وهي فترة شهدت وضع الدستور والاستفاء عليه واول انتخابات برلمانية بعد المصادقة عليه.
اما غريم أميركا الاكبر، اي ايران، فإنها تلعب دوراً لا يقل نفوذاً وتأثيراً عن الدور الاميركي من دون حاجة الى اتفاق مماثل للاتفاق العراقي – الاميركي، علماً ان الايرانيين أكثر خبرة ومعرفة وفهماً للمجتمع العراقي وجماعاته السياسية.
طبعاً لا يقتصر الاهتمام الخارجي بانتخابات العراق على أميركا وايران. تركيا ودول عربية، خصوصاً مصر والسعودية وسورية، بين أبرز هؤلاء المهتمين. الحملة الانتخابية سبقتها زيارات لمسؤولين وسياسيين أجانب الى العراق وبالعكس، وكلها يرتبط بالانتخابات على رغم نفي ذلك من قبل الزائرين. أبرز هذه الزيارات قام بها الاسبوع الماضي رئيس الوزراء السابق اياد علاوي الى السعودية ومصر والكويت، وهو اعلن انه ينوي ايضاً زيارة ايران وتركيا، وكان لهذه الزيارات اصداؤها داخل العراق، سلباً وايجاباً.
نعود الى السيناريوات بالاشارة الى ابرزها الذي يلاحظ ان تحركات علاوي باتت لافتة الى حد ان احد السيناريوات مفاده انه سيكون رئيس الوزراء المقبل في ضوء تحالف مفترض بين قائمته الانتخابية (العراقية) وقائمتي «التحالف الكردستاني» و «الائتلاف الوطني» الذي يقوده المجلس الاسلامي الاعلى. الى ذلك فعلاوي توصل الى صلح مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وهو جزء من «الائتلاف» ايضاً، خصوصاً بعدما نجحت اطراف ثالثة في اجراء صلح آخر بين علاوي وطهران. لكن هذا التوجه، بحسب السيناريو ذاته، يواجهه اعتراض رئيس وزراء سابق آخر، ابراهيم الجعفري، الذي يتزعم تياراً سياسياً منضماً الى «الائتلاف الوطني».
سيناريو مضاد يشير الى ان التحالف المفترض بين القوائم الثـــــلاث قد لا يُعقد في حال حصل تيار «التغيير» المعارض في كردستان على عدد ملموس مـــــن المقاعد يؤدي الى اضعاف «التحالف الكردستاني»، وبالتالـــي تعزيز فرص رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي الذي يقود قائمة «دولة القانون» ويسعى الى عقد تحالف ممكــــن مـــع تيار «التغيير». لكن ما هو موقف اللاعبين الخارجيين، الأميركي والايراني والتركـــي والعربي وغيرهم، من هذين الاحتمالين؟ وفي اي حال هل يستطيع هــــؤلاء ان يؤثروا بالفعل في ارادة الناخب الذي بات يدرك اهمية صوته في التغيير؟.
قصارى الكلام أن لا أحد يستطيع ان يتكهن مسبقاً بنتائج الانتخابات وستبقى مجهولة حتى الانتهاء من فرز الاصوات. ولا يعرف احد قبل اعلان النتائج النهائية شكل التحالفات التي ستنبثق بين الكتل السياسية، وبالتالي من سيرأس الحكومة المقبلة. هذه هي الحقيقة الوحيدة المعروفة التي يمكن الزعم بأنها معروفة مسبقاً، وكل ما عدا ذلك يبقى في باب التكهنات والتمنيات والتوقعات، ولا يسع اللاعبين السياسيين، عراقيين وغير عراقيين، سوى الانتظار.
لهذا كله ينبغي ان نبتهج بانتخابات أجمل ما فيها ان نتائجها مجهولة!
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى