صفحات الشعر

الشعرُ شاهدُك الذي يـُقيمُ وزْنـًا لحركة اليد في الهواء!!

null
نصر جميل شعث

خمسَةُ شَواهِد

(١)

افتَحِ الشُّبَّاكَ،
أعْطِ ساعةَ الغُرفَةِ ظَهْرَكَ،
وقُلْ لسائلِكَ عنِ الوقتِ:
ليس لي عينان، في الخلفِ، يا أعمى!

(٢)

افتحِ المُوسيقى،
أعْطِها ظهْرَكَ،
وقلْ للمرآةِ:
لي خلفيّةٌ مُوسيقية!

(٣)

ما اللمْبةُ إلا:
وَرَمُ الضوء في عينيكَ،
يا أيها الشاعر!

(٤)

الشعرُ لا تزنُه يدٌ؛
الشعرُ شاهدُك الذي يـُقيمُ وزْنـًا
لحركةِ اليَدِ في الهَواء!

(٥)

افتَحِ الخَزانةَ،
وَرّطِ الحَيرةَ في ألوانِ قُمصانِكَ.
أغْلقِ الخَزانةَ،
واخْرُجْ عارِيًا إلى النسيان!

مسافة

مَسافةٌ ليدٍ تَقضم الهواءَ،
وخُطىً بين البيوت التي خفَّفَتْ مِن إناراتها فرحةً بالقمر.
مَسافةٌ لصغارٍ:
بدلاً من الدُّمَى، يُداعبونَ ظلالَهم.
بدلاً من النهود، يَنفخون البالوناتِ بماءِ الصنابير…
ويَهربون من جُرعةِ الدواءِ،
إلى انفجار القمر!

لاءات

لا تَضحكْ أمامَ المِرآة.
لا تَصرخْ، ولسانُـك داخلَ فمِكَ، في ليلةٍ بلا شمعة أو أمّك.
لا تَرشقِ الماءَ، مِن دَلوِكَ الأسودِ، على هُدوء الريح تحتَ شَجَرة.
لا تَتّخذْ باطنَ كفِّكَ سَماءً لفوّهة.
لا تَدعسْ بحذائِكَ المَدَنِيّ، على علبةٍ فارغة.
لا تَقطعْ من رأسِك شعرةً، وتَعْقدها مَرّتين.
لا تَشترِ الشّموعَ مِنَ العُميان.

حَمْلٌ ثابت

كلُّ شيءٍ في مكانِه:
زُجاجةٌ على فَمِها،
رسالةٌ على منحنى السلحفاء،
جَرَسُ الساعةِ في جدار الصباح،
طابةٌ تَصْعدُ السُّلَّمَ،
فَراغٌ في الجردل،
انقطاعُ الوحْي والكهرباء،
وحَصْوةٌ في النعلِ،
تَجْرَحُ السِيراميك.

غبارُ الجنرال

عندما يَمرّ العالَمُ مِن بينِ يديكَ
لا تقبضْ عليه،
لا تكتبْ رِوايةً،
ولا تقل الفلاسفةُ مَرّوا مِن بين يديّ.
إنَّهُ غبارُ الجنرالِ العابر؛
طاحنًا القمحَ في عينيكَ لِتعمى،
ولِيَجُوعَ صوتـُك للهواء وللرؤى.
……………………………
……………………………
وعندما يَمرّ العالَمُ من بين قدميْكَ
لا تنظرْ إليه،
إنَّهُ في مَرمَى البول!

يَرفعُ للأفُق تُرابَه

شَخصٌ بلا مرْكز،
بين شَراسةِ الأمل وقداسة السكينِ
أعلنَ الحربَ على نفسِه،
وفي الطريق إلى السِّلاحِ اعْترَضَهُ نهرٌ
بلا مَجرى وذاكرةٍ؛
فاستأذنَ الشَّجَرةَ ليصنعَ
من بنْتِها قاربًا للضفة الأخرى.
ماتَ الشيءُ الكبيرُ على قلبه؛
قالوا على القلب ضَريحٌ،
وقالوا على البابِ غابةٌ.
وحدَه الشخصُ قال:
شاعرٌ يَرفعُ للأفُقِ تُرابَه!

عن الجثث

1
لو يسمحِ الله للميتِ بالبكاء على نفسهِ؛
لتحوّلَ جُثمانُهُ إلى قاربٍ!

2
البكاءُ على الميّت لا يُحرّكُ ساكنـًا.

3
أنجع الحُلولِ لإخْصابِ الصحراء
دفنُ الموتى فيها.

4
الميتُ يُباشرُ بكاءَه تحت الأرضِ،
هذا ما يُفسّرُ نماءَ الأعشابِ في المقابر.

5
قال مُزارعٌ:
أخصبُ الترابِ
ما آلت إليه الجثثْ.

6
لأنّ للترابِ احتمالاتِ الطهارة والنجاسة؛
يَلْقَفُ كلَّ الجثث.

7
لأنّ البحرَ طاهرٌ بذاتِه،
يلفظُ موتاه.

8
مِن حكمةِ البحر:
أنّ لجثثِ الغرقى دليلاً واضحًا.

9
النهرُ أقلّ حكمة منَ البحر،
في التعامل مع موتاهُ .

10
كانَ غرابُ اللهِ صاحبَ حكمةٍ،
بهذا الشأن.

11
كانَ يَمشي،
بمحْضِ الصُّدفةِ صارَ جـُثّةً؛
الصُّدفةُ خَرْقٌ فاضحٌ
لِطوْقِ النجاة!

12
المستنقعاتُ جاهلِةٌ جدّا،
وأخطرُ الصمتِ
صَمتُ المستنقعات.

13
لولا انفعالُ البحرِ ومِلْحُهُ…
لضاعتِ الحكمةُ .

14
لكنّ البحرَ عدوٌّ غامضٌ،
بالذات، وهُو هادئ،
وانْفعالُهُ يَكشِفُ عنهُ.

15
البحرُ عَدوٌّ قَوِيٌّ وخَلُوقٌ وجميلٌ
يَحرِصُ على تسليمِ الجثثْ.

16
البحرُ و اللسانُ:
يتماثلان في وظيفةِ اللفظِ،
يختلفان في النيّةِ واللغة.

17
ثمّةَ فرقٌ أيضًا:
البحرُ يَلفظُ عن حكمةٍ؛
اللسانُ ليس، دائمًا، صاحبَ حكمةٍ.

18
العينُ بحر …
يتطّهر من تلقاءِ حِكْمتِه.

19
القلوبُ في الأرض،
داخل رُمّانةٍ؛
جَرّافةٌ عَلى الترابِ،
وأرئيل شارون في الطائرة!

20
لهُ التجلّي في الفراغ،
لي الهبوطُ إلى فراغ القبو،
للبياضِ مَحْبَرَةُ النِيّة.

21
يَرتدِي قميصًا ناصعًا
بيد أنَّ أمَّهُ تَخافُ عليهِ
مِن بُقَعِ التفاحةِ!

يوم بلا ضغط

يَومٌ بلا ضَغطٍ يَمرّ…
أُحِسّ رأسيْ شـُرْفةً.
صُحُفٌ بمَنسُوبِ الفراغ، هُنا، أُطالِعُها
وأسْمعُ أغنياتٍ لا تجيءُ لكلّ مُصْغٍ.
حالتي هذا النهار بَسيطةٌ،
مِن حالِ مِنشارٍ يُنـَفِّذُ وعْدَهُ للنارِ،
لا عُقـَدٌ بِساقِ البُرتقالِ؛
سَعادتي في كأس شاي أحتسِيْها بعدَ إتمام العمَلْ.
يَومٌ بلا إرثٍ مِنَ الأوهامِ،
أو إثمٍ كبيرٍ أو عَمَى…
في هكذا يومٍ أحَبُّذ أنْ أعيشَ الليلَ
خارجَ مَنزلي،
مَع أمْنياتي السَّبْعِ، أوَّلـُهَا:
الفكاكُ مِنَ الحِذاءْ!

حدس

إنّي شَقِيٌّ بامتثال الحدْسِ لي
اليومَ في ذكرى يَدٍ بَيضاءَ قدْ صارتْ إشارةَ قفْ
على الأطلال؛ أعطاني أبِي سِرًّا
وقال: إذا قرأْتَ عبارتي للماءِ
صارَ الشِّعرُ فيكَ سليقةً
وإذا تَؤولُ كرامَتِي للقوسِ أو لهواءِ هذا القوسِ
أو لظلامِ دائِرةٍ تُحاصِرُ عائِلة؛
بالرمحِ مِنْ عَظْمِ الأبوّة، قدْ تَرى
أعْمى يُفكّكُ، في المَحطّةِ، قنبلهْ!

ملاحظة:

القصائد كتبت على إيقاع الحرب في غزة وهي مترجمة إلى الفرنسية والعبرية حيث ألقيتها في فعاليات مهرجان “لوديف”جنوب فرنسا (أصوات من المتوسط) صيف 2009. ونشرتها على فترات متباعدة في السفير البيروتية، القدس العربي، الزمان، وبعض الصحف العربية الأخرى. فضلا عن أنها منشورة في ديوان “سماء على ظهر حصان” ، وفي ديوان “لأن قبعة التراب دخان”. القصائد : “غبار الجنرال” و “يرفع للافق ترابه” ترجمت ونشرت إبان الحرب على غزة في مجموعة شعر مشتركة أصدرها شعراء من دولة الاحتلال يساريون معارضون لسياسة وهمجية الخيار العسكري ، وأدرجت القصيدتان في ذروة الحرب.. مع قصائد لتوفيق زياد، أيمن غبارية، وسلمان مصالحة. وكان عنوان المجموعة المشتركة: “انسحبوا” وذهب ريعها إلى أطفال غزة. والقصائد أيضاً على الرابط التالي ترجمت ونشرت في “مجلة “ميتاعم”(طعوم أو أذواق) العبرية التي يرأس تحريرها الشاعر التقدمي يتساحق لاؤور، غداة وعشية الحرب على غزة في العددين 17 و18، وقد وصلتني على البريد العادي من تل أبيب حيث سلمني الطرد مدير بريد خان يونس في حكومة حماس قبل سفري بشهرين من القطاع.
وكتب أحد طلاب الجامعة الاسلامية المتعصبين لجهة حماس في كلية الآداب بغزة مقالة بعنوان !!!يوم الفرقان!!! ارتكز فيها على ديوان “انسحبوا ليعزز فكرة النصر حسب الرطانة الحزبية!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى