غزل امريكي متسارع لسورية
تتبادل الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل سياسة تبادل الادوار مع سورية، بهدف ابعادها عن ايران بكل الطرق والوسائل، وبما يؤدي في نهاية المطاف الى عزل الاخيرة والتفرد بها حصارا او حربا.
اسرائيل تمارس ‘سياسة العصا’ مع سورية من خلال توجيه تهديدات مباشرة بالعدوان عليها، مثلما جاء على لسان افيغدور ليبرمان وزير الخارجية الاسرائيلي الذي لوح ‘بتغيير الرئيس بشار الاسد وعائلته’ في حال المشاركة في اي هجوم على اسرائيل.
اما الولايات المتحدة، فتفضل استخدام ‘سياسة الجزرة’ اي محاولة التقرب الى سورية من خلال بعض العروض المغرية، مثل استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع دمشق، وارسال سفير الى العاصمة السورية للمرة الاولى من سنوات، والتلويح باعادة فتح قناة مفاوضات حول هضبة الجولان المحتلة بين الطرفين السوري والاسرائيلي برعاية واشنطن.
السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية عبرت عن هذه السياسة الجديدة يوم امس عندما اعترفت اثناء ادلائها بشهادتها امام لجنة الموازنة بمجلس الشيوخ، بان ادارتها ترغب بان تبدأ دمشق في الابتعاد في علاقاتها عن ايران ‘التي تتسبب في اضطرابات للمنطقة والولايات المتحدة’ وان تتعاون بشكل افضل مع الولايات المتحدة في العراق، وفي لبنان من حيث وقف وصول شحنات الاسلحة الى حزب الله. علاوة على المساعدة في استئناف المفاوضات الفلسطينية ـ الاسرائيلية.
اما ما هو المقابل او التعويض الذي تعرضه السيدة كلينتون مقابل تلبية سورية لكل هذه المطالب والشروط، فان الجواب وباختصار شديد هو رعاية امريكية لمفاوضات اسرائيلية ـ سورية حول هضبة الجولان.
الحكومة السورية طالبت دائما باجراء المفاوضات تحت مظلة امريكية، ويبدو ان السيدة كلينتون مستعدة لتلبية هذا الطلب السوري اخيرا، وذلك عندما وعدت، اي السيدة كلينتون، بالنظر في اقتراح قدمه احد اعضاء مجلس الشيوخ الامريكي بتوجيه دعوة الى كل من الرئيس السوري بشار الاسد، ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لزيارة واشنطن تمهيدا لاعادة اطلاق المباحثات بين الطرفين حول هضبة الجولان السورية المحتلة.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو حول طبيعة الرد السوري على هذه ‘الجزرات’ الامريكية، ومدى استعدادها بالتالي للقبول بالشروط المرتبطة بها.
من الصعب اعطاء اجابة قاطعة في هذا الصدد، فالدبلوماسية السورية لا تكشف اوراقها بسهولة، وغالباً ما تظهر ما لا تبطن، وما يمكن قوله حتى الآن هو وجود حالة من التجاوب السوري مع الغزل الامريكي، واتباع سياسة مرنة في هذا الخصوص شجعت واشنطن على ارسال مبعوثين الى العاصمة السورية تكللت في نهاية المطاف بعودة السفير الامريكي الى دمشق بعد انقطاع دام سنوات.
وربما ليس من قبيل الصدفة، أن يقرر السيد محمود احمدي نجاد رئيس ايران زيارة سورية على وجه السرعة (يصل دمشق اليوم)، لاستطلاع مواقف القيادة السورية حول طبيعة هذه الهجمة الدبلوماسية الامريكية، وفرص نجاحها في تحقيق اهدافها بالتالي.
ايران استثمرت الكثير من السياسة والمال والسلاح في سورية على مدى السنوات الثلاثين الماضية، ومن العبث القول ان هذا الاستثمار الكبير كان مجانياً أو خالياً من الاهداف والطموحات الاستراتيجية. ولذلك فاننا الآن امام عملية ‘شد الحبل’ بين ايران وامريكا حيث يحاول كل طرف جذب سورية الى ملعبه.
سورية تقف امام خيارات صعبة، وهامش مناورتها يتقلص، لان مرحلة حسم البرنامج النووي الايراني حصاراً أو حرباً باتت وشيكة، ولم يبق امامها الكثير من الوقت لكي تقرر في أي معسكر ستقف، مع التذكير ان سياسة مسك العصا من الوسط قد لا تكون مسموحاً بها في الاسابيع او الاشهر المقبلة.
القدس العربي