الخيارات الإسرائيلية للتفاوض على إعادة الجولان
علي بدوان
رافقت الحديث عن المفاوضات غير المباشرة بين سورية واسرائيل برعاية تركية، موجة كبيرة من التحليلات السياسية المتباينة، والمتناقضة أحياناً، وبلغ بعضها حداً من التفاؤل، بينما اتجهت غالبية التحليلات والتقديرات الى القول أن ما يجري لا يعدو أن يكون أكثر من مشاغلة للوقت، فأين الحقيقة من ذلك؟
ترجح المصادر الإسرائيلية وجود مبررات قوية تدفع صناع القرار للتوجه إلى إعادة إحياء العملية التفاوضية على المسار السوري الإسرائيلي، وفي اعتقاد المحللين والمتابعين أن هناك قبولاً إسرائيلياً لدفع ثمن اتفاق مع سورية قوامه إعادة الجولان المحتل، وأن هناك استعداداً في الرأي العام الإسرائيلي للقبول بذلك مقابل سلام مع سورية. ويشار هنا إلى حقيقة أن قسماً كبيراً من المستوطنين الإسرائيليين في الجولان السوري لا يحملون آيديولوجيا استيطانية توراتية ولا يمانعون في الانتقال الى مستعمرات بعيدة عن الجوف الداخلي في الضفة الغربية والقدس. وفيما مضى أعلنت نسبة عالية منهم في استطلاعات للرأي استعدادها لدفع الثمن – من ناحيتها – مقابل سلام مع سورية بالانتقال إلى داخل فلسطين المحتلة عام 1948، وبمعنى ما، ستكون إعادة الجولان الى أصحابه أسهل من فكرة إعادة الضفة الغربية والقدس الى السلطة الوطنية الفلسطينية، الأمر الذي يقودنا إلى استنتاج أن الاستحقاق السوري بالنسبة الى الإسرائيليين أقل وطأَة على الجبهة الداخلية من جملة الاستحقاقات المطلوبة فلسطينياً.
هذا في حين تراهن بعض مواقع القرار في إسرائيل على أن الخيار السوري قد تستتبعه تطورات أخرى تتعلّق بالوضع الجيوسياسي في الشرق الأوسط عموماً، كالمراهنة على إبعاد سورية عن المحور الإيراني، وإضعاف علاقاتها مع حركتي «حماس» و «الجهاد الإسلامي».
كما يعتبر بعض الأكاديميين الإسرائيليين المختصين بالشؤون الإستراتيجية، أن العودة الى «الخيار السوري» تحمل قِيماً ومكاسب إضافية لإسرائيل، تتعدى الاتفاق الثنائي بينها وبين سورية، مثل إضعاف المفاوض الفلسطيني بإبقائه وحيداً في الميدان، أو إضعاف قوى المقاومة الفلسطينية بشكل عام، عبر تحييد حليفها الإقليمي أو بتر الصلة معه، فأي اتفاق سلام مع سورية من وجهة نظر اسرائيل سيؤثر بطريقة غير مباشرة على مواجهتها مع الفلسطينيين عبر المزيد من إضعافهم واستنزافهم في مفاوضات سقيمة، وفصل دمشق عن طهران و «حزب الله».
من جانب آخر، فالعودة الى نغمة إحياء المسار التفاوضي مع سورية لا تخلو من الأهداف الاستثمارية الداخلية في اسرائيل، وذلك في سياق ما يجري من صراعات حزبية داخل الائتلاف الحكومي (كاديما والعمل) من جانب، وفي مواجهة زعيم «الليكود» بنيامين نتنياهو الرابض في مواجهة كل من ايهود أولمرت وايهود باراك ثانياً. فقد بدا أن محاولة التلويح باختراق مؤثر على الجبهة التفاوضية مع سورية وكسر الجمود المسيطر عليها، تشكل عاملاً لتثبيت مكانة ايهود أولمرت المهتزة، ومعه باراك، ليبدو كل منهما وكأنه يكرس كل اهتمامه لتحقيق قفزات ذات بعد استراتيجي في مواجهة نتنياهو الذي بات يحظى بأرقام تأييد عالية في إسرائيل وفق ما أشارت إليه نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة التي أظهرت رجحان كفة «الليكود» على حزبي «كاديما» والعمل في آن واحد.
في هذا السياق فإن شريك أولمرت الرئيسي في الائتلاف الحكومي، زعيم حزب العمل الجنرال ايهود باراك، الذي يحظى بتأييد حازم من هيئة الأركان العامة للجيش، وبمساعدة «الشاباك»، صرح مراراً في الآونة الأخيرة بأنه يعتقد «أن الجهد السياسي يجب أن يركز على القناة السورية تحديداً، بينما تتعين إدارة الجهد على القناة الفلسطينية بحذر وعلى نار حامية»، وتساند المؤسسة الامنية باراك في وجهة نظره وتقديراته، فهي تقرر أنه «توجد الآن فرصة جيدة وضرورة حقيقية للتوصل إلى اتفاق سلام ملزم مع سورية، وهو اتفاق يكون قادراً على توفير البضاعة، في مقابل الحصول على تنازلات جغرافية». فبعض الإسرائيليين من مختلف التيارات، خصوصاً من أطراف اليمين بشقيه التوراتي والعقائدي، يعتقد أن الثمن الذي ستحتاج إسرائيل لدفعه مقابل السلام مع الفلسطينيين، سيدفع الحالة الإسرائيلية الداخلية إلى شقاق وتمزق سياسي/ عقائدي عميق. أما مع سورية، فإن الأمر يتطلب اتفاق سلام فقط، مع إخلاء هضبة الجولان وإقناع مستوطنيها وحل مشكلتهم وترحيلهم عنها. فبعرف الإسرائيليين المشار إليهم لا يشبه المعنى العقائدي للانسحاب من هضبة الجولان «التنازل» للفلسطينيين.
كاتب فلسطيني
خاص – صفحات سورية –