الوساطة التركية تبحث بدورها عن وسيط
هدى الحسيني
مع تسلم الولايات المتحدة الاميركية هذا الشهر رئاسة مجلس الأمن الدولي، اندفع البعض الى الاقتراح بأن واشنطن لن تتردد في استغلال موقعها الدولي هذا لشن حملة مكثفة ضد ايران وسوريا مع امكان ان يحصل خطأ ما يؤدي الى حرب.. سريعة.
في هذا الوقت بالذات عاد الحديث عن رغبة الادارة الاميركية بشن حرب وقائية في شهر آب (اغسطس) على ايران. ولأن هذا الامر يتكرر منذ بدء المشاكل الاميركية في العراق، يحرص النظام الايراني على عدم توفير اي حجة لواشنطن كي تشن اي هجوم، رغم ما يتكرر عن تصدير ايران السلاح للمجموعات الشيعية (مقتدى الصدر) في العراق. ثم ان «حزب الله» في لبنان ومع هجومه على بيروت الغربية والشوف، تراجع الى خطوطه بسرعة، وقد اعترفت اسرائيل ان «حزب الله» كان بامكانه السيطرة على كل لبنان «لو اراد»، وهو تصرف مع اسرائيل احسن مما تصرف مع اللبنانيين، ففي وقت سمى قتلاه في معارك بيروت والجبل بـ«الشهداء» وسمى القتلى اللبنانيين الآخرين بـ«الضحايا»، عمد الى ارجاع رفات ثلاثة اسرائيليين مقابل اطلاق سراح نسيم نسر.
ويقول لي المسؤول في وزارة الخارجية الهندية «ام كاي بدرا كومار»، الذي عمل سفيراً لبلاده في اوزبكستان وتركيا والمتخصص في شؤون الشرق الاوسط: «ان استراتيجية الخروج الاميركي المشرّف من العراق تعتمد على التعاون الايراني، لذلك فان اللغة الاميركية المتصاعدة تبقى في خانة الضغط لدفع ايران للتعاون حول العراق حيث يقف الرئيس وظهره على الحائط، وهناك يتعرض الحكم على رئاسته للخطر، ويعرف الاميركيون ان لايران علاقات ونفوذاً قويين في العراق. لذلك ترغب واشنطن في الضغط على ايران كي تتعاون بأقصى المستطاع هناك».
أما رسالة ايران لأميركا فهي انها لا تريد المواجهة مع الاميركيين في العراق، ولا تستغل نفوذها للتسبب بمواجهة، ويعتقد «بدرا كومار» ان هناك الكثير من الاتصالات السرية قائمة حالياً بين واشنطن وطهران كما ان هناك عوامل اخرى تجعل خيار الحرب مستحيلاً، منها: اسعار النفط، ووضع الاقتصاد الاميركي، وتأثير هذا على الانتخابات الاميركية، ثم ان القوات العسكرية الاميركية متمددة كثيراً.. «لذلك اذا راجعنا كل هذه العوامل فان المنطق يقول: لا خيار عسكرياً خصوصاً ان واشنطن لم تستطع تنشيط منشقين عن النظام داخل ايران، ثم اذا قررت شن هجوم عسكري فانها بعد ذلك عليها ان تتعاطى مع ايران!».
الأمر الوحيد الذي يمكن ان يعاكس كل هذه التحليلات هو عدم قدرة احد توقع ما قد يُقدم عليه الرئيس بوش، لكن حسب «بدرا كومار»، فان كافة وزراء الخارجية الاميركية منذ عهد الرئيس ريتشارد نيكسون حتى اليوم كلهم قالوا: ان اهم ما على الولايات المتحدة القيام به هو التحاور مع ايران. وفي السابع والعشرين من شهر آذار (مارس) الماضي، التقى كل وزراء الخارجية الاميركيين السابقين في اثينا واصدروا بياناً دعوا فيه واشنطن الى التفاوض مع ايران (اشرت اليه آنذاك). ويقول «بدرا كومار»: «حتى وزير الدفاع الاميركي روبرت غايتس يدعو الى الحوار مع ايران، انما ليس من موقع ضعف، وهو قال: اذا جلسنا علينا ان نستمع ايضاً الى طلبات الايرانيين. لذلك اذا كان الهدف التفاوض مع ايران، فانك لا تذهب وتشن حرباً عليها».
على كل حال، كأن المنطقة دخلت في حالة «الغسق»، واظهرت رحلة الرئيس بوش الأخيرة الى المنطقة ان هناك ميلاً الى التطلع الى ما بعد ولايته. وظهر هذا في اعلان سوريا عن اجرائها مفاوضات مع اسرائيل. ولا يشعر الدبلوماسي الهندي ان واشنطن وتل ابيب ستنجحان في شق التحالف الايراني ـ السوري. «فالسوريون يعرفون جيداً ان الاسرائيليين لن ينسحبوا من الجولان. ثم ان رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت ضعيف جداً وغير قادر على اتخاذ مثل هذا القرار الصعب. واذا كنا نحن نعرف ذلك، فمن المؤكد ان دمشق تعرف هذا ايضاً».
ويستبعد «بدرا كومار» ان تكون دمشق على وشك التحول الجذري في علاقاتها، لأن التفاهم المتبادل بين طهران ودمشق عميق جداً ولا يمكن ان يتآكل بسهولة. اما عن الدور التركي فان كل شيء يعتمد على نتيجة الصراع القائم حالياً داخل تركيا بين المجموعة الكمالية العلمانية والحكومة الإسلامية. ويؤكد «بدرا كومار» ان الاتراك يعملون عن كثب مع الايرانيين لأنه تجمعهما المشكلة الكردية، وهناك تعاون واسع بين الاجهزة الامنية في البلدين. ثم ان حكومة رجب طيب اردوغان تمثل حزباً اسلامياً، ولا يمكنها ان تتجاوز نقطة محددة في تعاملها مع الاميركيين والاسرائيليين اذا ما اقدم هؤلاء على ضرب ايران او سوريا، والاتراك يريدون لعب دور كبير في اي قضية مرتبطة بالدول المجاورة لتركيا، لأن هذا يظهر اهمية تركيا كجسر بين الغرب والشرق». ويضيف: «سياسياً هذا مهم جداً لأنه يساعد الاتراك في تسريع عضويتهم في المجموعة الاوروبية».
ويتحفظ «بدرا كومار» على الدور التركي والسياسة التركية بانتظار ان يرى نتيجة الصراع على الساحة التركية الداخلية، ما بين الجيش او المجموعة الكمالية العلمانية والحكومة. وهو يتوقع ان تتعرض حكومة اردوغان للاطاحة وان يصدر قرار عن المحكمة الدستورية بسحب رخصة حزب العدالة والتنمية الحاكم، «عندها ستتغير كل السياسة التركية». ولهذا لا يعتقد ان تُسفر الوساطة التركية بين سوريا واسرائيل عن شيء.
على ما يبدو، ان كل دولة لتهرب من مشاكلها وازماتها الداخلية تبحث عن دور ما في دولة اخرى. الحكومة التركية تريد الغوص في الوساطة السورية ـ الاسرائيلية، علّ ذلك يؤخر المواجهة الداخلية، وثلاثة ارباع الشعب الاسرائيلي يعارض اعادة الجولان الى سوريا. من هنا ليس من اساس لأي تسوية قريبة بين الدولتين. هما يريدان فقط مواصلة المفاوضات، حتى لو ظلت تتأجل. سوريا في حاجة الى تهدئة الجبهة بعد المناورات الاسرائيلية الضخمة على الجولان في شهر نيسان (ابريل) الماضي، ثم انها في حاجة الى التوصل الى سلام مع اسرائيل ليس من اجل السلام بل لأن عائداتها النفطية جفت، وسوء الادارة زاد من حدة الازمة الاقتصادية وهناك اكثر من مليون ونصف مليون موظف حكومي يستنزفون مع المتقاعدين نصف ميزانية الدولة، وبالتالي لا تستطيع الابقاء على جيش جرار في ظل مقاطعة اقتصادية اميركية وعزلة عربية ودولية. ولا تعود المزايدة تنفع اذا ما اقتصر الدعم الذي تتلقاه، على ايران واهدافها، لكن الجولان يبقى بعيداً وسيظل مكانه في دمشق الدعم لـ«حزب الله» و«حماس» و«الجهاد الاسلامي».
أما انقره فلا يبدو ان الوساطة بين دمشق وتل ابيب كانت فأل خير عليها، اذ عاد يبرز وبقوة على الساحة التركية الداخلية نفوذ وقوة حزب العمال الكردي ـ التركي، وعاد يهدد الاستقرار بقوة، والأسبوع الماضي وقعّت الف شخصية كردية، من نواب في البرلمان التركي ومتعاطفين مع حزب العمال الكردي بياناً طالبت فيه المجموعة الأوروبية والولايات المتحدة بتعيين وسيط دولي لحل المسألة الكردية في تركيا.
ان المقر الرئيسي لحزب العمال الكردي يقع في العراق وهذا يعني احتمال ان يتوسع الصراع التركي ـ الكردي إلى العراق. ثم هناك الفرع الإيراني للحزب «حزب الحياة الحرة في كردستان»، وهو يقاتل داخل ايران. واذا تطور القتال فقد يٌعمق اكثر واكثر التعاون الامني التركي ـ الايراني. في حين تريد واشنطن شق شرخ بين سوريا وايران وتريد ايضاً ابقاء تركيا على مسافة تساعد لعزل ايران اكثر.
في النهاية من الأفضل عدم رفع سقف الآمال عالياً. لا حرب على ايران. لا سلام قريباً بين سوريا واسرائيل، والوسيط التركي قد يغرق في مستنقعات داخلية: المحكمة الدستورية وحزب العمال الكردي! اما البيانات الاميركية، من دعم او تهديد فلن تؤدي الى قيام دولة فلسطينية مستقلة قبل نهاية هذا العام، ولن تردع هذا الطرف او تساهم في انتصار ذاك الطرف.
الشرق الأوسط