ماذا لو لم تكن لدينا إسرائيل؟
حسام عيتاني
تذوق إسرائيل الآن ما خبرته الشعوب العربية منذ عقود: حكومة تختبئ وراء ذرائع التهديدات الخارجية لتبرير إمساكها بالسلطة وإهمال الضرورات الإصلاحية والتنموية.
التهرب من تحمل مسؤوليات تشمل مشكلات الموازنة وتوسيع قاعدة الحكم وإخفاق السياسة الخارجية وانعدام الرؤية المستقبلية، هي الأمراض التي شخَّصها عضوا الكنيست داليا اتزيك ورونين بار- أون في جلسة خصصت لمناقشة الوضع الحكومي لمناسبة مرور عام على تسنم «الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ اسرائيل» السلطة برئاسة بنيامين نتانياهو.
وبعد سيل الاتهامات التي كالها بار- أون لرئيس الوزراء بالضعف والتردد والاستسلام لمشاعر الذعر والسعي إلى «سرقة» نواب الأحزاب غير المشاركة في الائتلاف الحكومي، أوجزت اتزيك الحالة التي تعيشها إسرائيل بسؤال واحد: «ماذا كنا لنفعل لو لم تكن لدينا إيران؟». فهذه الأخيرة توفر، برئيسها الذي يدعو ليل نهار إلى محو الدولة العبرية عن خريطة العالم، وببرنامجها النووي الذي أقل ما يوصف فيه أنه غامض ومثير للريبة، وبتطفلها على شؤون غير دولة عربية، كل ما يشتهي نتانياهو من حجج للتهرب من العمل على علاج الأوضاع الداخلية وليس أقلها خطراً مشكلات تنامي التوترات بين المتشددين الدينيين والعلمانيين وبين الأكثرية اليهودية والأقلية العربية داخل الخط الأخضر، من ناحية، ورفض الاعتراف بالأثمان الباهظة التي تدفعها إسرائيل ثمناً لإصرارها على احتلال الضفة الغربية، من ناحية ثانية (قطاع غزة لا يزال قيد الاحتلال وفق منطق القانون الدولي الذي لا يعترف بانسحاب المحتل وتركه لفراغ في السيادة).
وإذا كان ليس لعربي تتعرض بلاده لتهديدات يومية بالتدمير ويعيش مع مواطنيه هواجس العدوان وما يحمله من قتل عميم وما قد يعقبه من تفاقم التناحر الأهلي، على ما تدل تجارب سابقة، إلى جانب التراكمات التي تعاني منها الشعوب العربية بسبب المأساة التي أنزلتها إسرائيل بالفلسطينيين، نقول انه إذا كان ليس للمواطن العربي هذا غير المقارنة بين ما يشكو منه البرلمانيون الاسرائيليون وبين ما يعيشه هو، فإنه لا مجال في المقام هذا غير الالتفات إلى تشابه ولو شكلياً وعابراً بين الشكوى الإسرائيلية والمعاناة العربية المستديمة.
وتشكل عبارة «ماذا كنا لنفعل لو لم تكن لدينا إسرائيل؟» عنواناً مناسباً لمساءلة الحكومات ومنظومة الوعي العربي السائد على السواء. ولا يتطلب استنتاج الحالة التي يعيشها المواطن العربي نظراً عميقاً في أرقام الإحصاءات المحلية والدولية عن البطالة والفقر والأمية مقابل رطانة المفاجآت الكبرى وتغيير وجه المنطقة، ليدرك كارثية المسار الموعود عربياً. نشرة أخبار واحدة تكفي.
فالسؤال الذي يتعين أن يجيب العرب عليه هو ذاك المتعلق بـ «طبيعة المنطقة» التي يريدون العيش فيها في ظل الاحتلال أو بعد التخلص منه. والسؤال هذا يصبح أشد إلحاحاً إذا صدقت وعود ونبوءات محو إسرائيل وإزالتها من الوجود واقتحام الجماهير العربية للقدس على متن الحافلات المدنية، على ما رأى قائد مقاوم أخيراً. أو بكلمات أخرى: كيف سيتعايش العرب مع بعضهم غداة التحرير المأمول؟
إذا كان الجواب يذهب إلى أن حالة التنمية والحقوق المدنية والحريات العامة، ستكون بعد التحرير هي هي ما كانت عليه قبله، يتعين التساؤل عن معنى كل الصراع العربي –الإسرائيلي بالنسبة إلى الملايين العربية التي ربطت مستقبلها بتسوية الصراع تسوية عادلة. أما اذا كان الجواب ينحو صوب التفاؤل بحتمية الإصلاحات العميقة بعد التخلص من إسرائيل، فمن البداهة عندها الاستفهام عن السبب الذي يحول دونها حالياً.
الحياة