قضية فساد
نبيل الملحم
وكأن الفساد بات قضية حياة، بل ربما الحياة ذاتها.. دواء فاسد يأخذ طريقه الى الصيادلة والصيدليات ويتحول الى المشافي، وينال من المرضى.
فساد في الغذاء فتتحول (اللبنة)، الى (سبيداج)، ويتناولها الناس محتفلين بمذاقها (كامل الأوصاف).
فساد في التعليم، يسمح لأستاذ جامعي بابتزاز طلبته، مرة بالمال وثانية بأجسادهم، وتتعمم الحال بحيث يصبح الفساد – الاستثناء هو القاعدة.
فساد في أروقة الموظف الحكومي الذي فتح درجه متفاخرا وكأنه فاتح الاندلس.
فساد في العلاقة مابين الدجاجة والدجاجة ، بما يسمح لدجاجة متوحشة أن تلتهم دجاجة (مواطنة).
وكل عملية فساد تخفي وراءها عقولا مبتكرة جبارة، بحيث يتحول الفساد بذاته الى ابتكار وحيد في غياب ماتبقى من احتمالات الابتكار ، من الابتكار العلمي الى الابتكار الأدبي والمعرفي، فما بالكم بكل الابتكارات التي تغرق أسواقنا بالمخدرات، وتذهب بالبلد الى (التسطيل)….
شئ فظيع أن تكون مساحة ابتكارات الفساد على هذه السعة، وعلى هذه العبقرية وقد بات وراء كل عملية فساد ابتكارات بالوسع تصنيفها على أنها :
– عبقرية.
لنتصور القصة التالية:
لبنة تخلط بالسبيداج وتباع في الأسواق ليتذوقها الناس ويرحبون بمذاقها.
بالتأكيد، ابتكار علمي فريد من نوعه، لو ذهب وقت اعداده لأي حقل علمي لوصل الى نتائج عالية الجودة، ومرتفعة القيمة، تضاهي اكتشاف البارود.
الفساد وحده، يقول لنا أننا في بلد العبقريات، فوراء كل فساد ابتكار ووسائل تلخبط الدماغ، وحين يكون الابتكار خارج نطاق الفساد يغرق بالوحول، ويتجاهله السادة المسؤولون، ويضيع في زحمة الاهمال، وتصوروا معنا كم مبتكر سوري، مات بصمته دون التفاتة له مادام ابتكاره لايدخل في دائرة الفساد:
مائة ابتكار لرجل سوري اسمه معن كعدان .. غرق الابتكار وغرق صاحبه
مائة ابتكار في مجال الصيدلة لرجل اسمه نذير فلوح، غرق في النسيان وذهب صاحبه الى المنسيين والمهمشين.
عشرات الابتكارات العلمية مرمية على رفوف جمعية المبتكرين السورية، أخذت شكل الرفوف.
وحده الابتكار الفاسد يدخل في شؤون البلاد، ويأخذ مساحاته من البلاد، ويصير القاعدة بعد أن كان الاستثناء.
الله على أيام المسرحي الالماني برتولد بريشت، وقد اخترع عنوانه الشهير :
القاعدة والاستثناء.
شوكوماكو