47 عاما على إعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية في سورية
لجنة التنسيق من أجل التغيير الديمقراطي في سورية
حالة الطوارئ غير شرعية وكل ما بني على باطل فهو باطل
حصاد نصف قرن من حالة الطوارئ
• المزيدٍ من التخلُّف السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعسكري،
• عشرات الألوف من المعتقلين السياسيين والمفقودين وعشرات المجازر الجماعية،
• ضياع الجولان، والحيلولة دون تشكُّل أية مقاومة ضد الاحتلال، الأمر الذي يوفِّر الحماية لأمن إسرائيل وأمن النظام معا، ويشجِّع العدو الإسرائيلي على اختراق أجوائنا وقصف مواقعنا والقيام بعمليات إنزال في عمق أراضينا، في ما النظام مستمر في جريه وراء استئناف المفاوضات مع العدو…
في 8 آذار/مارس 1963 أُعلنت حالة الطوارئ في سورية بموجب الأمر العسكري رقم (2)، ولم يصادِق أي مجلس تشريعي على قرار إعلانها حتى تاريخه، كما ينص على ذلك قانون الطوارئ الصادر خلال عهد الانفصال الأسود بتاريخ 22/12/1962 والذي كان ينص على مصادقة السلطة التشريعية عليه، مما يجعل حالة الطوارئ المستمرة منذ 47 عاما حالة غير دستورية، وتَكُون بالتالي كل الإجراءات التي تمت بموجبها غير شرعية، وذلك بموجب المبدأ الحقوقي المعروف والقائل ب/”أن ما بني على باطل فهو باطل”.
إن حصاد ما يقارب من نصف قرن من إعلان حالة الطوارئ في سورية تَمَثَّل بقيام دولة أمنية شمولية أَلغَت الحريات العامة والتعدُّدية السياسية والنقابية، وفَرَضَت نظام الحزب الواحد والقائد للدولة والمجتمع بموجب المادة الثامنة من دستور حافظ أسد الصادر في عام 1973، هذه المادة التي لم تصادِر الديمقراطية ومبدأ تداول السلطة بحكم الدستور فقط، وإنما جرَّدَت أيضا المواطنين من مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات أمام القانون، حتى أن الشكل الدستوري لسورية تحوَّل من النظام الجمهوري المزعوم إلى النظام الوراثي قيِّد الممارسة في الواقع.
وشهدت أيضا البلاد بعد انقلاب 17 تشرين الثاني/نوفمبر 1970 الذي قاده وزير الدفاع الجنرال حافظ أسد مرحلة من القمع المنهَّج الذي طال عشرات الألوف من أصحاب الرأي والأحزاب الوطنية والمعارضة، بما في ذلك مجموعات من حزب البعث العربي الاشتراكي، والذين اعتُقِلُوا لسنوات طويلة تجاوز بعضها عشرين عاما بدون محاكمة، وبوجه خاص خلال الفترة الممتدة ما بين 1975 و1991، وما تلاها من مرحلة طويلة وشاقة كان المعتقلون السياسيون يُقَّدَمون خلالها لمحكمة أمن الدولة العليا التي لا تَقبَل أحكامُها الاستئناف، حيث أُنزِلَت بهم أحكاما تتجاوز المدة التي قضوها في المعتقلات.
لقد مارس النظام السوري أساليب القمع وانتهاكات حقوق الإنسان على نطاق واسع، ولم يكتفِ بالسجن لمدد طويلة، وإنما اعتَمَدَ أيضا على ممارسة التعذيب في السجون، والذي أودى في كثير من الأحيان بحياة المناضلين. ولا يزال أكثر من 15 ألف معتقل سياسي يُعتَبَرون في عداد المفقودين حتى تاريخه، ممن أُُعدِموا خارج نطاق القضاء. ناهيكم والمجازر الجماعية التي كانت تُنظَّم لإبادة الأهالي والمناضلين على حد سواء، ومنها مجزرة سجن تدمر الصحراوي بتاريخ 27/6/1980، ومجاز إدلب، سرمدا، جسر الشغور، حلب، بستان السعادة في حماة، وصولا إلى المجزرة الكبرى في حماة في شهر شباط/فبراير 1982 التي قَدَّرَت منظمة العفو الدولية عدد ضحاياها ب/25 ألف من المواطنين، في حين أن سكانها يقدِّرونها ب/ 45 ألف مواطن. كما أن النظام السوري لم يتوان عن اعتقال رهائن من عائلات المطلوبين وممارسة الاغتيالات السياسية في الداخل والخارج، كما حَدَث للأستاذ صلاح الدين البيطار أحد مؤسسي حزب البعث العربي الاشتراكي ورئيس الوزراء السوري السابق الذي اغتيل أمام باب صحيفة “الإحياء العربي” في باريس بتاريخ 21 تموز/يوليو 1980، فضلا عن عشرات الاغتيالات التي نالت قادة عسكريين وسياسيين، ومنها على سبيل المثال اغتيال اللواء محمد عمران.
ولا تزال حملات الاعتقالات السياسية مستمرة حتى اليوم، ولكنها تُموَّه بلبوس “قانونية” يقدَّم فيها المعتَقَل إلى محاكم أمن الدولة العليا أو إلى محاكم عسكرية، حيث تَصْدُرُ بحقه أحكاما جائرة من جراء محاكمات لا تتوفَّر فيها الشروط الدنيا للمحاكمة العادلة المتعارف عليها دوليا.
ويقدِّر اليوم الناشطون في مجال حقوق الإنسان في سورية عدد المعتقلين السياسيين في السجون السورية بما يناهز 2500 معتقلٍ معظمهم معتقلي رأي، نَذكُر منهم الدكتورة فداء حوراني مع مجموعة من قيادات إعلان دمشق الذين اعتُقِلُوا في شهر كانون الأول/ديسمبر 2007 وكانون الثاني/يناير 2008، والسادة عباس عباس، حسن زهرة، توفيق عمران، غسان حسن، أحمد النيحاوي، المتُّهمون بالانتماء إلى حزب العمل الشيوعي ، والذين اعتُقِلوا بتاريخ 21 أيار/مايو 2009، والأستاذ هيثم المالح الرئيس السابق للجمعية السورية للدفاع عن حقوق الإنسان الذي اعتُقِل بتاريخ 14 تشرين الأول/أكتوبر/200 إثر تصريحات صحفية أدلى بها إلى “قناة بردى”، والشيخ عبد الرحمن الكوكي الذي اعتُقِل بتاريخ 22 تشرين الأول/أكتوبر 2009 إثر مشاركته في برنامج “الاتجاه المعاكس” لقناة “الجزيرة”، بتاريخ 20 منه، والسيدة تهامة معروف، والكاتبة رغداء حسن، المعتقلتين سابقا، واللتين اعتقلنا قبل فترة وجيزة، الأولى بتهمة الإفراج عنها قبل انتهاء مدة حكمها في القرن الماضي بتهمة الانتماء إلى حزب العمل الشيوعي، والثانية وهي في طريقها إلى العاصمة اللبنانية بيروت، حيث تعتزم إصدار رواية سياسية تجري حوادثها في سورية. وتوفي خلال الفترة الوجيزة الماضية تحت التعذيب أو من جرائه كلا من محمد مصطو رشيد والمعتصم بالله شافع ذيبان الحريري.
هذا حصاد سريع ومختصر عن انتهاكات حقوق الإنسان والحريات العامة والجرائم ضد الإنسانية التي تشهدها سورية في ظل إعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية وسط لا مبالاة المجتمع الدولي. والجدير بالإشارة أن حصاد حالة الطوارئ خلال نصف قرن لا يقتصر فقط على هذا الصعيد وإنما يشمل علاوة على ذلك السياسة والاقتصاد والثقافة والمجتمع وصولا إلى المسألة الوطنية والصراع مع العدو الإسرائيلي.
لقد تمكَّن النظام السوري في ظل حالة الطوارئ والأحكام العرفية من الاستمرار في الحكم وفرض نظام سياسي ذي طابع فئوي قوامه العصبية ما نال من متانة الوحدة الوطنية للشعب السوري، وحوَّل الجيش إلى قوة أمنية انضمت بدورها إلى الأخطبوط الأمني المتحكِّم بالبلاد لحماية النظام بدلا عن أداء مهمته الأساسية، ألا وهي الدفاع عن حياض الوطن، حتى أن العدو الإسرائيلي بات يخترق أجواءنا، ويقصف مواقعنا الإستراتيجية، ويقوم بإنزال قواته فوق أراضينا دون أن يلاقي أي تصدٍ يردعه عن تكرار الاعتداءات. ناهيكم وأن إشغال القوات المسلحة 29 عاما في قمع الحركة الوطنية والديمقراطية الفلسطينية واللبنانية في لبنان، ومشاركتها مع التحالف الدولي بقيادة الإمبريالية الأمريكية بالحرب في العراق عام 1991، وسكوتها أمام احتلال العراق في العام 2003، يتنافى مع التقاليد التاريخية، القومية والسياسية، لسورية العربية والتحررية.
وتَشَكَّل في هذه الأثناء أخطبوط للفساد متداخل مع أخطبوط الأجهزة الأمنية وقيادات النظام والحزب الحاكم وكبار الضباط وموظفي الدولة والقطاع العام. حتى أن الاقتصاد الوطني تحوَّل إلى سوق مفتوحة تعمل لحساب الطبقة الحاكمة الجديدة، في ما يُنهَب قوت وعمل أصحاب الأجر المحدود في وضح النهار.
إن هذه الحالة من الفساد العام قد شوَّهت البنية الاجتماعية لبلادنا، حيث يُجْهَزُ على الطبقة الوسطى وتنحدر شرائح واسعة منها إلى أوساط الطبقات الشعبية والفقيرة التي تعاني من الجوع والحاجة والمزيد من الفقر، في ما أصبح المواطنون بصورة عامة يعانون من الفقر والبطالة من جراء معدَّلات التضخم والغلاء وتدني أجور ذوي الدخل المحدود.
إن نصف قرن من القمع والمعاناة من الظلم والفقر والتعذيب في ظل حالة الطوارئ والأحكام العرفية في سورية يكشف تحت أنظارنا عن مدى تخلُّف ورجعية الطبقة الحاكمة في سورية، ويبيِّن ما ورثته عن الانحطاط والعهد العثماني والاستعمار من نمط إنتاج شرقي يربط ما بين الجاه والسلطة، وما يرافقه من استبداد شرقي، يقف حائلا أمام التطور والتقدم والتحرر، ويحمل معه أبعادا اجتماعية، نفسيه واقتصادية وسياسية وثقافية. وهو الأمر الذي يجعل القوى الوطنية والديمقراطية في سورية أشد إصرارا في رفضها للخطاب الشمولي، أيا كانت الشعارات التي يتستر وراءها.
إن لجنة التنسيق من أجل التغيير الديمقراطي في سورية تطالب المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان، العربية والدولية، وقوى الحرية والديمقراطية في العالم، أن تتضامن مع الشعب السوري من أجل:
1)- رفع حالة الطوارئ والأحكام العرفية في سورية.
2)- إلغاء المحاكم والقوانين الاستثنائية.
3)- إلغاء القانون رقم 9 الصادر في العام 1980 .
4)- الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين في السجون السورية، وطي ملف الاعتقال السياسي، ونشر قوائم بأسماء المعتقلين في السجون السورية.
5)- وقف التعذيب والمعاملة التي تحط من الكرامة الإنسانية في السجون السورية.
6)- عودة المهجَّرين والمبعدين والمنفيين طوعا أم قسرا إلى البلاد مع ضمان حقهم في حرية التنقل.
تحية لجميع المعتقلين السياسيين في سورية، والذين يَرفعون بصمودهم أروع المثل العليا وأعظم أنموذج للنضال البطولي من أجل الوطن والديمقراطية والتحرر والتقدم، ويَقتلعون بفؤوسهم شجرة القمع التي تَحجب شمس الحرية عن سنابلنا وعيون أطفالنا وأفكارنا وثقافتنا القومية والتحررية والرأي الآخر… عهدٌ علينا أن تحقٌَّ التغيير الوطني الديمقراطي في سورية.
لجنة التنسيق من أجل التغيير الديمقراطي في سورية
باريس، الاثنين 8 آذار/مارس 2010
tansiqsyr@orange.fr