صفحات الناسغسان المفلح

تحرر المرأة ثقافة الرجل

null
غسان المفلح
هل المرأة في الغرب المتقدم حضاريا علينا، قد تحررت؟
قانونيا نعم، ولكن سلوكيا وعمليا، ما الذي يحدث؟ القانون يحمي حرية المرأة، يصون جسدها من عنف الرجل، ولكن لا يستطيع القانون الإحاطة بكل أشكال التمييز، فالصناعة الجنسية في الغرب، كفعل ذكوري لا يعاقب عليها القانون، والصناعة الإعلانية التي تستخدم جسد المرأة، نتيجة لحاجتها للعمل والمال والشهرة- ضمن جاهزيات ثقافة الصورة، وما أفرزته من طموحات وأحلام لدى قطاع الشباب والشابات” وفي الغرب ربما الحاجة للشهرة، وحالة الاستلاب المتفشية تجاه حلم الصورة، ربما يوازي حاجة المرأة للعمل من أجل المال، بينما في الشرق نفس الصناعة ربما تكون الحاجة للعمل من أجل المال أكثر حضورا- وهذه كلها فعل ذكوري أو أن الذكور يتحكمون بها، حتى غالبية القيادات النقابية التي يمكن أن تدافع عن حقوق المراة العاملة هم رجال. لكن هذا التحكم الذكوري وإن كانت المرأة تتحسسه، لكنه بات جزءا عضويا من ثقافة تعتبر المرأة فيها مساوية للرجل، والمساواة لازالت في نطاقها العملي هي” منحة ذكورية” لأن” للثقافة العملية” دورا في تكريس هذه الصورة.
إن التفاعلات التي يمكن أن تتوج بوصول إمرأة إلى قيادة تجمع سياسي، أو تبوأ موقع حكومي مهم، تجد عمقها في عوامل كثيرة، في جلها اختيارات ذكورية، ولكن هنالك عامل ينسى في كثير من الأحيان، وهو دور ثقافة الصورة- الموديل والموضة- في وصول إمرأة إلى هذا الموقع. أي أن مراكز صنع القيادة لكي تنتخب، عليها أن تأخذ بعين الاعتبار، ما تقتضيه ثقافة الصورة ومعاييرها، والسؤال من يسيطر على ثقافة الصورة، وصناعة هذه الثقافة؟
غالبية النساء وتنظيمات المجتمع المدني تشكو، من التمييز في الأجور والوظائف في الغرب، حتى في عضوية البرلمان، لماذا دوما الرجال أكثر من النساء، رغم التقارب في التعداد السكاني بين الجنسين؟ والطريف في ظل هذا التمييز” أنه حتى في ثقافة الظاهرة المثلية، يحتفى بالمثلية الذكورية أكثر مما يحتفى بالمثلية النسوية، رغم أن الإحصاءات تشير إلى أنها ظاهرة عند النساء أكثر منها عند الرجال!
ثمة إشكالية أخرى تعاني منها النساء في الغرب، وهي التي تتعلق بالعلاقات الجسدية التي يقيمها الرجال المتزوجين أو حتى المرتبطين دون زواج مع نساء صغيرات السن! بينما لا يتم الحديث عن إشكالية معاكسة، نساء مرتبطات مع شباب أصغر سنا لماذا، اللهم تعثر الأجانب بنساء أكبر سنا بكثير وذلك من أجل أوراق الإقامة؟
العلاقة خارج مؤسسة الأثنين بالتعبير الفلسفي، والانفصال النسبي بين ما تواضعت عليه البشر وأسمته حبا، وبين ممارسة العلاقة الجسدية مع شريك يقبل! أصبحت عادة منتشرة وتؤدي في غالبية الحالات إلى انهيار هذه المؤسسة، سواء كان الارتباط زواج أو خلاف ذلك، والعلاقة هذه تحتاج إلى بحثها أيضا في حقل” الثقافة اللذية والمتعة الجسدية اللامشبعة وهي تواجه جسدا في الصورة لا تطاله، وتواشجها مع ثقافة التلفاز والإعلان، وبالتالي ما مدى تأثر المرأة سلبا في هذا الحقل؟ هل تتأثر به أكثر من الرجل في الغرب؟
*****
حاولنا أن نطرح مجموعة من الظواهر والأسئلة، لأننا لا نملك إجابات دقيقة عنها، لكننا نحاول ان نستقصي، من خلالها، هل لازالت الذكورية هي سيدة الموقف في ثقافة تحرر المرأة؟
سورياً لازال الأمر ذكوريا بامتياز، فمن يناقش ويقرر في وضع المرأة في سورية، هم ذكور، وبثقافة ذكورية، والمرأة عموما ما نالته من حقوق، يعود إلى مرحلة الاستقلال، ربما زادوا الكوتا النسوية في مجلس الشعب، الذي هو أصلا لا يقرر في البلد شيئا. كما أنه للبعث فضيلة ككل النظم الشبيهة، أنه دعم التعليم المجاني منذ عام 1963…وهذه قضية استفادت منها المرأة في سورية وخاصة في الريف، دون أن نجد دراسات وبحوث ميدانية تعكس نتائج هذا الأمر على الثقافة الاجتماعية، من زاوية تحرر المرأة، رغم ان المؤشرات تشير على أن المرأة في الأوساط التقليدية والمحافظة التي استفادت أيضا من تعميم التعليم المجاني وإلزاميته، واستطاعت الظروف الاجتماعية أن تخرج هذه المرأة من منزل ثقافتها التقليدية إلى أمكنة العمل، واختارت لها الطرق التي تقدم بها نفسها المتناسبة نسبيا مع هذه الثقافة- الحجاب، فكان من شأن هذه الظاهرة التطورية، أن تقود كثر من الكتاب إلى اعتبارها ردة دينية، أو صحوة إسلامية، بينما الموضوع في الواقع، كان بخلاف ذلك في نسبته العظمى، وأعطي مثالا” المرأة في دمشق في العائلات المحافظة والتقليدية والمتدنية الدخل، كانت الطفلة المحظوظة تذهب للكتاب، كما كان يسمى، لكي تفك الحرف فقط كما يقال، وتعود فتاة حبيسة المنزل، حتى يأتيها الزواج، وكانت عندما تخرج مع أهلها، كانت تضع غطاء أسودا شفافا على وجهها ترى الناس والناس لا يرون وجهها، أما بعد التعليم الإلزامي والمجاني” فقد أصبحت تلك الفتاة تذهب إلى المدرسة بحجاب يغطي رأسها فقط، ورمي هذا الغطاء الذي كان يغطي الوجه بالسواد. ولم تكن في السابق، تشكل حتى مؤشر ما على درجة انغلاق المجتمع أو انفتاحه، لأنها كانت غير موجودة بالنسبة للمراقب في الشارع السوري، ولا في أمكنة العمل والدراسة آنذاك..أما بعد الستينيات، فأصبحت تظهر في أماكن العمل والدراسة والشارع، ولكنها بدأت تظهر محجبة، أي” خرجت من المنزل، لم تعد حبيسته تنتظر نصيبها” والآن…هل هنالك من عائلة سورية تقليدية أو محافظة أو غير ذلك في المدن السورية تمنع ابنتها من الذهاب للتعليم؟ لا أعتقد..إلا حالات ربما سببها الأساس هو الفقر.
الخروج إلى التعليم من أهم أسباب انتشار ظاهرة الحجاب، خلال العقود الثلاثة الماضية. فهل يمكن اعتبار ذلك نتاج الصحوة الدينية؟ أم هو نتاج تطور ثقافة المجتمع من أجل تعليم المرأة؟ أم يمكننا الحديث عن تزاوج ما، بين ما يعرف باسم الصحوة الدينية، وبين خروج المرأة التقليدية إلى العمل، بثقافتها التي هي أساسا مبنية في المدن السورية ليس على تغطية الرأس وحسب بل والوجه أيضا، وهذا تقليد عثماني في هذه المدن، أما في الريف السوري عموما، فكان أن قلدت الفتاة الريفية الذاهبة إلى التعليم، ما ترتديه أبنة المدينة، بجلبابها وحجابها، ولم يعرف الريف السوري مطلقا ظاهرة النقاب لا قديما ولاحديثا، كان هنالك غطاء تقليديا للرأس فقط، ويتناسب مع لباس كل منطقة في هذا الريف. فهل تخلي الفتاة الحوارنية عن- الشرش والشنبر والعصبة و الإشارب أوالمنديل لكي تلبس” المانطو” الطويل والحجاب، تماما كأي فتاة من عائلة تقليدية أو محافظة في المدينة، هل يعني هذا هو نتاج صحوة إسلامية كما يطيب للإسلاميين تسميتها أو ردة دينية كما يطيب للعلمانويين تسميتها، أم هي نتاج تطور اجتماعي ما تحدثنا عن واحد من أسبابه وهو انتشار التعليم الإلزامي.
بالطبع التوجه الديني واضح، ولكن انتشار التعليم السلفي خارج المدارس الحكومية، من يتحمل مسؤوليته؟ وكيف تتم مواجهته؟ في النهاية إنها ثقافة الرجل المهيمن والمسيطر المدعومة بثقافة السلطة الهجينة، وهذا ما سنتعرض له في مقال خاص.
في الواقع الموضوع يحتاج منا إلى دراسات ميدانية غير متوفرة وخاصة أن” الذكر الأول” في سورية، وهو السلطة هنا” لا يريد أو لا يسمح ربما بإجراء أو قيام مراكز بحوث متخصصة على هذا الصعيد؟ يبقى أن نقول، أن النقاب المنتشر قليلا الآن، لا علاقة له بما تحدثنا عنه، هذا النقاب يمكن لنا اعتباره، تأثرا بالإفغان العرب، ويمكن اعتباره نتاج الردة الدينية، أو صحوتها.
وما طرحناه هنا مجرد أفكار تحتاج إلى مزيد من التدقيق والحوار، والمعلومات المتخصصة.
ووردة لكل إمرأة بمناسبة عيدها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى