الانتخابات العراقية والدرس الإقليمي المستدام!
غسان المفلح
إن التجربة العراقية لازالت بحاجة على درس وتمحيص، كما أنها بحاجة أكثر إلى تعلم بالتجربة العملية، علاقة نظرياتنا بالواقع المتحرك. لقد قام العراقيون ولأول مرة بالانتخاب كمواطنين بالمعنى النسبي للعبارة، وهذه قضية على غاية من الأهمية، ولو أن الدستور العراقي، يعيد صلاحية مبدأ المواطنة منقوصا، لأنه جزأ وحدته السيادية، فالمواطن في كوردستان، لا ينتخب من أجل برنامج عراقي، تماما كالمواطن في الجنوب وفي الوسط، فالبرامج السياسية الانتخابية المطروحة، وإن كان فيها تصورا لعراق الغد، ولكنها برامج وضعتها، كتل سياسية ساهمت إلى حد كبير في تعثر التجربة العراقية، ودفع مزيد من الدم العراقي. لا يوجد بين الكتل الرئيسية جديد، سوى ملمح لحركة التغيير الكوردستانية بزعامة أنوسيروان المنشقة عن حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني بزعامة الرئيس العراقي جلال الطالباني. أما ما تبقى من الكتل فهي ذات الكتل التي وافقت على دستور ينهي أي دور للدولة العراقية، ويعطي كل الوزن للتعبيرات السياسية عن دسترة الجهويات العمودية الكبرى في المجتمع العراقي، شيعة وسنة وكورد، وباقي الأقليات جاءت ملحقة بهذه الجهويات الكبرى وكجهويات صغرى، المسيحيون بطوائفهم الصائبة الفيلية اليزيدية..الخ
لقد ساد العراق لأكثر من ثلاثة عقود نظام ديكتاتوري وتسلطي ولم يكن يعترف بأي حضور اجتماعي خارجه، فمابالك سياسي؟ وهذا ما راكم قهرا مزمنا لذوات دينية وأثنية وطائفية، كان يحتاج لمن يرفع الغطاء عنه، فجاء الغزو الأميركي ورفع الغطاء بطريقة ارتجالية واجتثاثية. فظهرت العصبيات دون روادع وطنية، سواء عند التنظيمات الشيعية وخاصة الموالية لإيران لكي تستولي على السلطة أو غيرها، وواجهتها العصبية السنية، التي ساهمت بإدخال القاعدة والتنظيمات الجهادية المدعومة من إيران ونظام الحكم في سورية، ومن يقف بصفهما في المنظومة الإقليمية المتبعثرة أصلا. وأصبحت العصبيات الدينية والطائفية مسيطرة بوجود القوة الأمريكية، إلى جانب كل هذا خاض التحالف الكوردستاني نضالا مريرا، من أجل التعامل مع باقي العراقيين ككتل دينية، ورفع الصفة العربية عنها، وهذا ما تكرس دستوريا، وساهم إيرانيا أيضا، باستمرار القتال بضرواة من أجل بقاء العراق ثلاث كتل رئيسية” سنة وشيعة وكورد، كان من الصعب على التحالف الكوردستاني أن يقبل بكتلة أكثرية عربية أي بمواجهة كتل سياسية ما فوق دينية وطائفية، أي كتلة سياسية قومية- كعرب- ويصبح الأمر أقرب لتكريس دولة- أمة ذات سيادة مركزية موحدة. وهنا كي توضع الأمور في نصابها” الموضوع ليس مؤامرت، بل فوى تتقاتل وتتنازع على الأرض، دون ازدواجية، فالتحالف الكوردي رفض رفضا قاطعا، التعامل مع بقية العراقيين كعرب، لأن قسم من كتلهم السياسية رفض ولازال يرفض ذلك أيضا، وبالتالي رفض اعتبار العراق دولة عربية بحكم الأكثرية العربية. كان التحالف واضحا جدا في صراعه من أجل هذه النقطة، والذي لم يكن واضحا هم الطرف المقابل، من شيعة وسنة. ولنلاحظ أن هنالك دعاية مزيفة يمارسها بعض اتباع السلطات العربية” ان هنالك فسم كبير من الشيعة هم قادمون من إيران” وهذا وإن كان صحيحا إلا أنه لا يلغي الأكثرية العربية في العراق. وقبل أن انتقل لنقطة أخرى أقول أن الدرس الإقليمي العربي – الإيراني درس واضح” لا أمل لنا كشعوب في أن نعيش ديمقراطية طبيعية كبقية شعوب العالم، داءنا ودواؤنا هو الاستبداد المزمن” هذا درس أول. والدرس الأعمق هو أن الديكتاتوريات المزمنة في العالم العربي نتيجتها إن لم تتحول سلميا نحو الديمقراطية، هي” انقسامات جهوية في مجتمعاتها، فالصومال لم يكن منقسم دينيا أو أثنيا، وشمال السودان أيضا كذلك، ونزاع الصحراء الغربية، واليمن بين شماله وجنوبه….” وهذا درس لا تكرسه ثقافة، ولا طبيعة شعوب، وفق نظرة استشراقية أو خلاف ذلك، بل تكرسه جملة من المصالح بات لديها قوى مخيفة لتأبيد الاستبداد في الشرق الأوسط.
بقي ملاحظة هنا” أن ما أوردناه بشأن التحالف الكوردستاني هو من حقه كقوى تريد البقاء في العراق، أن تعمل من أجل أن يكون لها أكبر حصة في السلطة والسيادة والثروة، فهذه ليست شتيمة، بل توصيف واقع” بتنا نخاف من الأشقاء والأصدقاء الأكراد، لأنه كلما ذكرت كلمة عربي، يتحسسون. أما تستطيع أن تقول كوردي وكوردستاني، وكأن النظام السياسي في سورية والعراق من قبل كان نظاما تمثيليا للأكثريات العربية! وهي انتخبته على برنامج يقضي باضطهاد الكورد! فهل الأكثرية العربية في العراق هي من انتخبت الرئيس الراحل صدام حسين، أو الأكثرية العربية في سورية هي من انتخبت الرئيس الراحل حافظ الأسد؟
وبالعودة إلى الانتخابات العراقية الأخيرة، هنالك درس بدا واضحا ومهما كانت التوصيفات الأديولوجية المعادية للحرية، أن الشعوب لا تتعلم الديمقراطية ولا تعي ذاتها كمجموعة مواطنيين إلا في ظل الحرية العامة والفردية. هذا درس تخافه نظم المنطقة وتحاول وستحاول إجهاضه كلما استطاعت إلى ذلك سبيلا، سواء بالقوة أو عبر منابرها الثقافية والإعلامية، ولكن الشعب العراقي بكل أطيافه، فد أعطى درسا حتى ولو كان صغيرا وغير كاف ” أن شعوبنا تستطيع تعلم الحرية والعيش فيها في ظل دولة قانون ومؤسسات وحقوق إنسان” غيركاف لأن المخاطر الإقليمية والدولية، لازالت محيقة ومحيطة بهذه التجربة الواعدة ديمقراطيا.
ثم نقطة أخرى حدثت في هذه الانتخابات” أن الشيعة والسنة تبعثروا في كتل سياسية رئيسية ثلاث، كتلة دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي والقائمة العراقية بزعامة إياد علاوي وكتلة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بزعامة عمار الحكيم، ولم يكن في هذه الانتخابات كتلة سنية ذات وزن، وهذا أمر ربما يكون ذو بداية إيجابية، على المستوى الديمقراطي”
ولكن لفت انتباهي تصريح للسيد هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي، هذا اليوم13.03.2010 لقناة العربية، حيث قال” أن الكتل الخمس الأساسية التي خاضت ثلاثة انتخابات في العراق هى التي ستكون وتشكل الحكومة المقبلة. وقال زيباري: “هذا لا يعني إهمال الآخرين أو عدم الاعتراف بالاستحقاق الانتخابي لأي جهة وممكن مشاركة القوائم الأخرى أيضاً مثل جبهة “التوافق” أي السنة العرب لأن تمثلهم في الدولة وفي الحكومة ضروري والقائمة العراقية “بزعامة إياد علاوي”
هذا التصريح يستدعي سؤالا على المنوال اللبناني”إذا كانت كل الكتل ستمثل في الحكومة العتيدة المقبلة، فلماذا جرت الانتخابات إذا؟ هنا تبدو معضلة الدولة العراقية التي يسعد بها النظام الإقليمي وقسم من الكتل السياسية العراقية، لأنه وضع قابل للتفجير في أية لحظة، وقابل للنقض الكتلوي السياسوي العراقي أيضا في أي ظرف سياسي، وهذا ما يجعل مكتسبات المواطن العراقي من هذه الحرية صغيرة، وغير ثابتة ولا حتى قابلة لتراكم الحرية في وعيه وممارسته لحقوقه.
يتبع…..
ايلاف