عن النظام الطارئ وقانونه.
غسان المفلح
“قد غيّر الخوف من وجهته، وانتقل من طرف الشعب إلى طرف السلطة. أما من يحذّر من القلاقل والفوضى، ويهوّل بتفكك الدولة وتفسخ النسيج الوطني، ويجهد للمحافظة على هذا الاستقرار الاستبدادي الكاذب بأي ثمن، فإننا نذكّره بأن الشعب السوري منذ بداية تاريخه الحديث، استطاع أن يتجاوز، بوحدة أبنائه ونضالهم المشترك، الانقسامات المذهبية والدويلات المصطنعة التي فرضها عليه المستعمر الفرنسي”.
هذا ما قاله المناضل رياض الترك في مقالته في صحيفة القدس العربي وهي بعنوان” لقد ولى زمن السكوت، لن تبقى سورية مملكة الصمت” نشكر هذا المناضل الذي ضحى من أجل سورية بالغالي والرخيص، ولايزال رغم أنه سيغادر عقده الثمانيني، ومتمنين له الصحة ودوام النشاط، يكتب هذا المقال الصرخة التي نتمنى ألا تكون في واد هذا النظام الطارئ على سورية وشعبها بكافة انتماءاته، من لا يعرف الوضع السوري ربما يستغرب من أن الشعب السوري لم يتحرك حتى اللحظة من أجل ان تعود الأمور على طبيعتها، ونتخلص من هذه الحالة الطارئة والتي صار عمرها خمسين عاما، من الاستبداد والخوف والفساد وكل ما من شانه أن يجعل السوري في قوقعة يخاف فيها على نفسه وعلى أهله، إن ثلاثين عاما من عمر نظام حافظ الأسد الراحل تكللت كلها بالحديد والنار، لا شيء يمكن أن يكون محشورا في ذاكرة السوريين، غير مظاهر الخوف واستباحة حياتهم بالكامل، لهذا يركز” ابن العم” على ظاهرة الخوف والتي انتقلت للسلطة، علما أن السلطة الطارئة دوما خائفة، لهذا هي تعتمد قانون الطوارئ دوما، وإلا لو لم تكن خائفة وفاسدة لماذا تبقي على مثل هذا القانون؟
عن الثورات العربية التحررية والتي لازالت تملأ الشوارع العربية، بينت أن هنالك مجتمعات تغلي بتوقها نحو الحرية والكرامة ودولة القانون وعدم التمييز الديني والسياسي والطائفي والاثني..هكذا كان درس ثورات الشباب العربي في الواقع، فهل الشباب السوري مختلف؟ أعتقد ان الإجابة تكمن بلا ليس مختلفا، ولكن الوضع السوري نتيجة هذا النظام الطارئ على كل المستويات، وتكريس أنه نظام لديه الاستعداد لإبادة دمشق عن بكرة أبيها، لهذا كانت ولازالت قوات النظام المقربة والموثوقة والمدججة بأحدث الأسلحة تتمركز حول دمشق، وتتفرج أحيانا على الطائرات الإسرائيلية وهي تتمختر فوق سماء سورية، فهي لا تنتظر الطائرات الإسرائيلية وهذه ليست مهمتها بل مهتمها النظر إلى ما تحت سفح قاسيون، من سكان أغرقهم القمع بالخوف والفساد بالفقر والاستعداد الدائم للهجرة من أجل لقمة العيش، لقد أثارت مقالة ابن العم هذه شجونا ما كان يمكن لنا أن نكتب بغير هذه اللغة، النظام الطارئ هو الذي يأتي بشكل غير طبيعي، ولا يكتفي بذلك بل يبقى مصرا على لا طبيعيته، من خلال قانون الطوارئ لأنه يدرك انه طارئ، اتى بانقلاب عسكري، كحالة تعتبر كارثية وفعلا هي كذلك، وبدأ تشنيعا بنويات المجتمع المدني السوري، وأعاده إلى طوائفه وعشائره، وأسكن الخوف في مفاصله، هنالك ملاحظات لابد لنا من التوقف عندها، في سياق هذه الكلمة، وسياق الثورات التحررية العربية:
أولى الملاحظات أننا أوقعنا انفسنا في مأزق عندما كنا ولازلنا نصر على أن الأنظمة العربية كلها متشابهة، وهذا هو الذي يجعل الشباب السوري محط تساؤل لماذا لم يتحركوا طتالما أن الأوضاع واحدة والسلطات نفسها؟ أبدا هذا الكلام غير صحيح، ما شاهده الشهب السوري من قمع وتمييز واستعداد في كل لحظة لكي تنزل الدبابات إلى الشوارع، وينهمر الرصاص على الناس كما حدث سابقا في حماة وحلب واللاذقية 1980 وأيضا كما حدث في انتفاضة القامشلي 12 آذار 2004 وغيرها فيما بعد في الرقة ووادي المشاريع في دمشق..الأجيال تربت على أن قدر سورية متمحور حول استمرار هذا النظام الطارئ، هذا الفارق لم تشهده لا مصر ولا تونس ولا ليبيا حتى، حيث لكل بلد ظروفه ولكل نظام طارئ خصوصياته، لأن الأنظمة الطارئة ولكونها طارئة وليست طبيعية فهي لا تتشابه أبدا. وإن كان فيها تشابهات فهي لا تلغي التمايزات بينها، فالنظام المصري حاول ألا يكون نظاما طارئا، كذلك الحال النظام التونسي، لكن هذه المحاولة نخرها فساد آل الحكم..ولنلاحظ الفارق أيضا بين تعاطي النظام التونسي والمصري مع الثورة وبين تعاطي القذافي، الذي وجد سندا له وقت الأزمة الآن، في إرسال ابناءنا الطيارين السوريين لقصف الشعب الليبي الشقيق..هذه ملاحظة اولى لكي نبين أن سبب عدم تحرك الشباب السوري هو النظام الطارئ.
ملاحظة اخرى النظام لم يعمل في تاريخه وفق قانون الطوارئ هذا الذي نطالب بإلغاءه كمعارضة وكناشطين حقوقيين، ولم يطبق مواده، بل كان وجوده غطاء لممارسات لا تمت لأي قانون بصلة حتى قانون الطوارئ نفسه، والشعب السوري خبرها جيدا. فقانون الطوارئ الذي كان معمولا به في زمن الرئيس المصري السابق حسني مبارك غيره في سورية، سواء على صعيد مواده أم على صعيد تطبيقاته.
ملاحظة ثالثة تتعلق بظاهرة الخوف وهي أنه بعد أربعين عاما من تكريس هذه القدرية الطارئة، بحيث تتحول هي إلى قاعدة وما تبقى من دول العالم إلى استثناء، وهذا ما حاول النظام تكريسه طيلة هذه العقود وبكل الوسائل والسبل، مما جعل الشعب يخاف من نفسه وعلى نفسه، ونحن كمعارضة وخاصة اليسارية منها قد ساعدناه على تكريس مثل هذه الحالة، من خلال موقفنا السلبي من قضايا الليبرالية والديمقراطية، أيضا طيلة تلك العقود.
ملاحظة رابعة تتعلق بقضية اهتلاك ما يدعيه النظام الطارئ لرصيد الشعب السوري من الوحدة الوطنية، فقد اجهز تماما، وانفق هذا الرصيد التاريخي المعمد بالدم والعيش الحر من خلال التمييز بين مكونات الشعب وفئاته وعلى كافة المستويات مما جعل مفعوم الوحدة الوطنية مثار تندر للناس.
ملاحظة أخيرة الدول التي قامت فيها الثورات كان على الأقل اقتصادها ليبراليا وهنالك مراكز قوى تشكلت خارج الولاء للسلطة السياسية، مراكز قوى أقله على الصعيدين الاقتصادي والمدني، وهذا ما هو غير موجود في سورية، وعندما حاول النائب السابق رياض سيف أن يكون كذلك كلنا يعرف ماذا حصل له من اعتقال مرتين ولسنوات وقطع رزقه، رغم أن النائب رياض سيف لم يخالف حتى مواد قانون الطوارئ نفسه!
أليس من المخجل لنا كسوريين أن ترفع جماهير بنغازي وغيرها من المدن الليبية شعار: يا بشار …. وفر جنودك للجولان” تلك الجماهير التي يدكها طياري الجيش السوري بالقنابل!! هذا ما أكدته كل وسائل الإعلام العربية والعالمية بما فيها قناة الجزيرة القطرية عاشقة نظاما الطارئ في سورية..هل يوافق الشعب السوري فيما لو تم له الاختيار على إرسال أبناءه ليقتلوا أشقاءهم في ليبيا؟
مع كل هذا الشعوب لاتموت أبدا، كما نوه ابن العم في مقالته تلك..