الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّوريةصفحات العالم

‘لعبة الشطرنج مستمرة بين الشطارة السورية والبازار الإيراني

هدى الحسيني
عندما تطول قائمة جدول الأعمال والأهداف يقع الارتباك. أهداف إيران إبعاد شبح الضربة العسكرية عنها والتأكد من أن المقاطعة لن تنجح (الصين)، وإبقاء سورية على ارتباط بها، وبعيدة عن الإصغاء للطرف التركي، أو التطلع إلى الطرف الأميركي من أجل استئناف المفاوضات مع إسرائيل وما سيليها من التزامات وفك ارتباطات.
أهداف سورية استعراض قوتها ونفوذها في لبنان وعلى إيران. إبراز الأوراق التي في حوزتها من ورقة حزب الله إلى ورقة حماس إلى الورقة الإيرانية في تطلعاتها العربية و«مواجهتها» عن بعد لإسرائيل. وكذلك من أهداف سورية أن تفعل مبادراتها و«قممها» فعلها بإقلاق الساحة العربية والدولية، فلا يكون هناك موقف من قبل الجامعة العربية يعطي الضوء الأخضر للسلطة الفلسطينية للدخول في مرحلة المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، ولا تكون هناك تلبية للدعوة إلى طاولة حوار في لبنان، أظهرت خلاله أطراف لبنانية أنها لم تتأثر باحتضان إيران وسورية لسلاح حزب الله، بل مصرة وتطالب بأن يكون هذا السلاح البند الوحيد على الطاولة.
وسط كل هذه الأهداف التي لم تنفذ إلى العمق لدى الأطراف المتلقية، تنتظر سورية مصير الرسائل إلى إسرائيل، وتدفع كي تكون تركيا الوسيط لأنها تعرف أن إسرائيل لا تريد تركيا، وسورية نفسها تريد أميركا كوسيط. ثم إن إيران لا ترتاح إلى تركيا كونها تمثل نوعا آخر من الإسلام في المنطقة، وهي أكثر ديمقراطية وتريد شرق أوسط مستقرا، وأنها مع عملية السلام وتحاول التأثير على سورية في المفاوضات مع إسرائيل وحتى لا تعطي السلاح الكثير لحزب الله. وفي الوقت نفسه لتركيا أهدافها في التحركات، إنها لا تريد المزيد من الحصار على إيران، فذلك يجعلها في موقف صعب. فهي إذا وقفت مع إيران ضد الحصار، يعني أنها ضد الغرب، في حين تريد أن تبقى مع الغرب، وإذا وقفت مع الحصار فإنها ستخسر إيران الجارة والشريك التجاري.
الإطلالة التركية المتكررة على الساحة السورية تزيد من شكوك طهران تجاه دمشق، فتحاول تقوية الارتباطات السورية الاستراتيجية بها. وقد تبين أن الصور التي نقلتها وسائل الإعلام عن زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى دمشق والمؤتمر الصحافي الذي عقده مع الرئيس السوري بشار الأسد، والتلميح إلى أن «جبهة المواجهة» أتمت استعداداتها للحرب، غطت على أهداف حقيقية. وكان صدر عن الرئيس السوري في المؤتمر الصحافي أن الغرب يريد بمنعه إيران من الحصول على القوة النووية، منع النووي الإسلامي، متناسيا باكستان وقنبلتها النووية، وكذلك علمانية سورية، كما قال لي سياسي عربي.
تعرف دمشق جيدا أن زيارات المسؤولين الإيرانيين لها تعكس خوف طهران من احتمال أن ينجح الغرب في محاولاته الفصل بينهما. وتريد دمشق في الوقت نفسه، من خلال ترحيبها بالمسؤولين الإيرانيين أن تبدو كأنها لا يعنيها الطلب الأميركي بوقف نقل الأسلحة إلى حزب الله، لذلك وافقت على طلب طهران استقبال الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله علنا، الأمر الذي لم يحدث منذ سنوات. أراد الإيرانيون من جهتهم أن يوضحوا أن هناك ثلاثة أطراف رئيسية في محور المقاومة وأرادوا أن يكون السيد نصر الله جزءا من الصورة، كرد على كل الدعوات المتفرقة من حصار، إلى فصل العلاقات. وأرادت إيران تقوية التعاون العسكري بين الأطراف الثلاثة، باعتبارها أن أي هجوم على طرف سيرد عليه الثلاثة مجتمعين. لكن حسب مصدر مطلع، أبلغت دمشق طهران، بأنها ليست على استعداد للدخول في حرب إقليمية من أجلها، ثم إنها على علم بموقف حزب الله من الحرب فهو لا يريدها كي لا يفقد كل السمعة التي جناها بعد حرب 2006، وكان وفد حزب الله الذي التقى مؤخرا في السفارة الفرنسية في بيروت، رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرار لارشيه طلب منه أن يستعمل مساعي فرنسا الحميدة مع إسرائيل، بعدم شن حرب على الحزب، لأن الحزب لن يكون أول من يطلق النار في أي مواجهة جديدة.
لأن إيرن تعرف أن فخ الحرب لن تقع فيه سورية، كانت القمة الاستعراضية الأخيرة في دمشق، تغطية لأمر آخر. فقد ضم الوفد الرئاسي الإيراني، سرا، ثلاثة من كبار المسؤولين الإيرانيين عن الملف النووي، أجروا محادثات مع نظرائهم السوريين، تتمة لاجتماع عقدوه في نهاية شهر يناير (كانون الثاني) الماضي.
الإيرانيون الثلاثة، وصلوا أولا إلى دمشق في منتصف شهر يناير، وبعد جولة أولى من اللقاءات، عادوا إلى طهران للاستشارات، ثم عادوا إلى دمشق بعد أيام لمواصلة المباحثات. ثم سافروا ليعودوا سرا ضمن وفد أحمدي نجاد.
مصدر عربي مطلع قال: إن مشاركة هؤلاء في الوفد الرئاسي الإيراني، وإجراءهم مباحثات مع نظرائهم السوريين يعني قوة العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين واستعدادهما للتعاون المشترك في كل المجالات بما فيها المجال النووي.
ويضيف المصدر: بعد تدمير مفاعل «دير الزور» الذي كان يُعد لخدمة إيران تخلفت دمشق كثيرا عن التقدم الذي أحرزته إيران في المجال النووي، وقد ترغب في استعمال التقدم الإيراني مجددا.
وكانت إيران أعلنت في السابق عن استعدادها لمساعدة عدة دول لتطوير مشاريع نووية لأهداف سلمية، لكن، وحسب محدثي، فإن الإبقاء على سرية مشاركة مسؤولين إيرانيين عن الملف النووي، في زيارة أحمدي نجاد الأخيرة، يثير الشكوك بصحة الدعوات الإيرانية، ويستطرد: «على كل حال، إذا ساعدت إيران سورية على إنشاء مفاعل نووي مدني، أو أي تعاون نووي، فإن الاعتماد الاستراتيجي السوري على إيران سيزداد، ويخفف بالتالي من قلق إيران باحتمال أن تنفصل سورية عن (محور الممانعة والمواجهة)، إذا ما عرض عليها الغرب الكثير من الإغراءات».
إن التعاون النووي الإيراني – السوري ليس بالجديد، وكانت تقارير غربية كثيرة، إضافة إلى تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أشارت إلى هذا التعاون، وكان محسن فخري زاده مهابادي الذي يقال إنه المسؤول عن تجهيز الصواريخ الإيرانية برؤوس نووية، زار دمشق عام 2005، وإن الرئيس الإيراني وعد برصد مليار دولار مساعدة للإسراع في إقامة مفاعل دير الزور، على أن تكون مهمته دعم مفاعل المياه الثقيلة الذي يجري بناؤه في مدينة «اراك» الإيرانية لتوفير البلوتونيوم لبناء القنبلة، في حال لم تنجح إيران في بناء سلاح نووي من خلال استعمالها لليورانيوم المخصب.
وكانت مجلة «در شبيغل» الألمانية ذكرت في عددها 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أن إيران منعت سورية من الاعتراف بأن لديها مشروعا نوويا عسكريا. ونقلت «در شبيغل» عن مصادر في دمشق، أن القيادة السورية فكرت في أن تحذو حذو الرئيس الليبي معمر القذافي. فأبلغت كوريا الشمالية برغبتها في الكشف عن برنامجها النووي، من دون الإشارة إلى إيران أو كوريا الشمالية. إلا أن رد بيونغ يانغ كان عنيفا بأنها ستقطع كل تعاون عسكري مع دمشق بغض النظر إن كشفت عن التعاون أم لا، وكذلك كان رد فعل المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي، بأن هذه الخطة غير مقبولة وتهدد بقطع كل تعاون استراتيجي بين البلدين.
قد يكون أول من كشف عن التعاون الثلاثي بين كوريا الشمالية وإيران وسورية الجنرال رضا عسكري الذي اختفى منذ سنتين في اسطنبول، وعسكري الذي كان مسؤولا عن الحرس الثوري في لبنان في الثمانينات وصار في منتصف التسعينات نائبا لوزير الدفاع، أبلغ «السي آي إي» عن تمويل إيران للمشروع السوري.
هل تريد إيران، لتخفيف الضغوط عنها بسبب إصرارها على مواصلة برنامجها النووي، توريط سورية بمنعها من الانفتاح الكامل على الغرب، وعلى المفاوضات خصوصا مع قرب بدء المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين؟
على الرغم من التعاون الاقتصادي والاستراتيجي بين الدولتين، فإن عنصر الشك يغلب عليه، ولعبة الشطرنج مستمرة بين الشطارة السورية وتجار البازار الإيراني.
الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى