دمشق عاصمة للحرية أولاً
شوقي بغدادي
أن تستحق دمشق تسميتها عاصمة للثقافة العربية معناه أنها يجب ان تكون عاصمة للحرية أولا، ذلك لأن الحامل الأوحد والأكبر للثقافة بمعناها الحقيقي هو مناخ الحرية، ففي هذا المناخ وحده يمكن للعقول ان تبدع وتبتكر وتضيف دونما خوف من عطالة او ممانعة قهرية تسد عليها الطريق.
صحيح ان الحفلات الغنائية والخطابية واصدارات الكتب «المسموح بها» والندوات والمهرجانات والاستعراضات الضخمة وغيرها من أنشطة مماثلة، قادرة على خلق جو صاخب حافل يوحي بأن الثقافة بألف خير، لكنه إيحاء غير دقيق اذا لم نقل انه مخادع او مراوغ، ذلك أنه من الممكن جدا أن تكون كل هذه الأنشطة مجرد عروض اعلانية او مستوردة او موقتة، لكن من دون مضمون مقنع بحق بأنها هي العناصر الحية النابعة من إبداعنا الخاص بنا والتي تصنع منها عادة حضارات الشعوب وثقافاتها الكبرى. وإن لا.. فلماذا لم ينطلق مثلا أدونيس ونزار قباني وفهد بلان وأصالة وميادة ونجاة الصغيرة وآخرون سوريون موهوبون ويبلغوا نضجهم الأكمل وشهرتهم الأوسع إلا خارج بلادهم؟!…
ليس لهذا من معنى سوى أن هؤلاء لم يجدوا في بلادهم ما يكفي من فُسحات لتطوير قدراتهم الابداعية، وأنهم وجدوها في مصر ولبنان مثلا فذهبوا اليها، وعندئذ يبدو أنه لا بد من طرح هذا السؤال والجواب عنه بكل صراحة: ما هي حصتنا حقا من هذا المناخ الطلق الذي ينضج المواهب ويطلقها الى أقصى استحقاقاتها؟ وعندما يتضمن الجواب الصريح على هذا السؤال المغزى الأعمق لهجرة هذه المواهب يمكن لدمشق ان تفتخر بأنها كانت وما زالت عاصمة للثقافة العربية بحق.
فكّرت طويلا في هذه الظاهرة وأنا أطالع اسم المرحلة التي تخوضها دمشق هذا العام الى ان توقفت أمام جملة هامة وردت في خطاب الرئيس بشار الأسد في حفل الافتتاح الذي أعلن منه انطلاق الاحتفالية العظمى حين ذكر في خطابه «ان الثقافة مقترنة بالحرية وأن لا إبداع من دون حرية!».
شجعتني هذه العبارة كثيرا على الكتابة في هذا الموضوع شعورا مني بأن هــذا العام (2008) سيكون عاما متميزا لائقا حقا بتسميته وانتسابه لبلدي كعام مفتوح الذراعين لاحتضان الثقافة العربية بأرقى وأنبل معانيها، ألا وهي الحرية.
لقد تدفقت المدائح بدمشق وتاريخها في الخطب التي أُلقيت، لكن العبارة التي استخدمها رئيس البلاد في خطابه لم يستخدمها أحد سواه. ولهذا فأنا متفائل بأن دمشق التي مُدحت كثيرا في خطب الافتتاح ليست هي دمشق التاريخ الماضي فحسب، بل هي دمشق لهذا العام وللعام المقبل.. وإلى الأبد…
السفير