ليلة سورية جمعت الشرق والغرب.. بصوت الكمان الموسيقار اشرف كاتب يبيع الموسيقى بحارة الملحنين
أنور القاسم
|لندن – ‘القدس العربي’ اذا كانت الموسيقى هي لغة العالم الواحد فان احرفها نطقت بكل اللغات عبر ‘الكونسيرتو’ الذي احتضنته مساء أمس قاعة الملكة اليزابيث في المسرح الوطني البريطاني، ونظمته السفارة السورية في بريطانيا بالتعاون مع جمعية امريكا اللاتينية والكاريبي الثقافية.
فقد عزف الموسيقار السوري الالماني اشرف كاتب على اوتار كمانه شروق الحضارات، في رحلة اسماها ‘من سورية الى اوروبا وامريكا اللاتينية’.. صال وجال واطرب وامتاح من أساليب وقواعد وذرى الموسيقى الكلاسيكية العالمية.
ويمكن القول إنه على الرغم من أن المرء سيجزم في أول الأمر بالاتجاه الغربي للموسيقى الكلاسيكية، كما بدا ذلك من كلمة السفير السوري في لندن الدكتور سامي الخيمي، الذي ذكر العازف السوري بانه سافر للغرب كي ‘يبيع الماء بحارة السقايين’ ونجح، فإنه مع ذلك استطاع الموسيقي ‘كاتب’ ان يُعّرِب الكلاسيكيات من خلال نغمات ذات حس عربي، وأن يجعلنا نتخيل أيضا بعضا من الكلاسيكيات المستمدة من البيئة المشرقية عبر معزوفات ‘شهرزاد’ للروسي رمسكي كورساكوف و’سلطان دمشق’ لزيد جبري و ‘اندالوسيا’ مصطفى الرحماني المغربية، وتترات المصري جمال عبد الرحيم، وحركة الرمال في معزوفة البحريني عصام الجودر. مع بعض الخوالد من المعزوفات الغربية المنتقاة.
كيف لا، ونحن نتذكر اعاجيب الموسيقى العربية، حينما روي عن الفارابي مخترع آلة القانون، انه حينما دخل على سيف الدولة الحمداني وعزف امامه مرة أضحك بها جميع من في المجلس، ثم عزف أخرى فأبكى بها كل من في المجلس، ثم عزف ثالثة فأنام جميع من في المجلس حتى البواب فتركهم نياما ً وخرج.
فيما اصر مواطنه الحلبي على ابقائنا صاحين متيقضين، ضمن حلم ألف بين قلوب جمع غفير غصت به مدرجات المسرح، بدءا بسفراء سورية وتركيا وايران والسويد والكويت وفلسطين وامريكا اللاتينية، وليس انتهاء بالدبلوماسيين واهل الفن والاكاديميين والاعلاميين والذواقة من كل حدب وصوب، والذين أدفأتهم معزوفات كاتب، رغما عن انف برد لندن القارس.
الفنان الحاصل على الدكتوراه في العزف على الكمان، والذي اختارته الأمم المتحدة عازفا في الأوركسترا السيمفوني الذي يحمل اسمها، لامس بأوتاره مع العازفة اللثوانية المبدعة رامونة نيريس على البيانو شغاف القلوب، ونسج لجمهور لندن خطوط ‘النوتات’ و’السوناتات’ الموسيقية الانسانية شديدة التنوع، في تداخل ألوانها وتفاعل أشكالها، تساندها في لحظات معينة انامل عازفة البيانو، وكأنها محاولة منهما لتجسيد لوحات كونية تتعدد فيها الأشكال الهندسية وآلاعيب السحر الموسيقي، وتتكاثف فيها الخطوط والألوان لتصنع انغاما سابحة،’وتشكل ما لا نهاية من الزخارف والأشكال المفتوحة على كل الحضارات.
العازف الفذ الذي يقيم حفلاته الموسيقية في كل أنحاء العالم مع موسيقيين عرب واجانب تحدث عن مسيرته الفنية باقتضاب وحياء قائلا، انه يقود مشروعا طموحا بعنوان ‘الموسيقى العربية والعالم’ من حيث جمع مؤلفات الموسيقيين العرب ونشرها وعزفها لتعريف العالم أجمع بنتاج المبدعين الموسيقيين العرب، وكانت اسطوانته الأولى (ايماء) مع عازف البيانو السوري الألماني أيضا (غزوان زركلي) هي سبق على المستوى العالمي.
واذا كانت سورية منحت الكون أقدم تدوين موسيقي في العالم اكتُشف في مدينة أوغاريت (رأس شمرا) محفورا على لوحات مسمارية تعود للقرن الرابع قبل الميلاد وأعطت العالم التنويط الموسيقي الأوغاريتي، فان المأمول بابن الشهباء وغيره من عازفي سورية الذين يملأون قارات العالم الفني ان ينجزوا اليوم اول مشروع موسيقي عربي شامل للعالم يحفر نغماته على السيمفونية الكلاسيكية الكونية.