عن اعتقال طل الملوحي
مازن كم الماز
لا شك أن أكبر محاولات تسخيف فكرة أو مفهوم حقوق الإنسان هو قصرها على مجموعة محدودة العدد ممن يسمون أنفسهم ناشطين ذوي صفات مختلفة , حقوقيين , سياسيين أو ما شئت , ليجري تكريس حقيقة عزل الكتلة الأكبر من البشر المهمشين عن هذا المفهوم , أي اختصار فكرة الإنسان في بعض الصور – النماذج التي تخدم غرضا أساسيا في نهاية الأمر هو تكريس هذا التهميش بل هذا التغييب حيث يتنافس الزعيم و رجل الدين و الضابط و المثقف على هذه الصورة – النموذج التي على بقية البشر تقليدها أو إتباعها . بعد هذه المقدمة قد يبدو من المستهجن العودة للحديث عن قمع يطال أحد هذه النماذج , كتهميش جديد يطال معاناة الأغلبية الساحقة من البشر لصالح معاناة أقلية نخبوية ما , لكن طل تستحق هذه الخيانة , هذه الفتاة التي عرفتها من أشعارها الغضة كسنوات عمرها التسعة عشر , و التي تابعت تفجر الثورة في روحها كتفتح أزهار الربيع , لسبب بسيط جدا هو أن وجودها اليوم في “مكان ما” دون أي شيء تدافع به عن نفسها أمام قوة باطشة مطلقة الحرية في تعريضها لأي نوع من أنواع “الأسئلة” يجعلني أشعر بالخوف و العري و العجز , و لأنني غير قادر على تصور سبب منطقي يضطر تلك الأجهزة لاستضافة طل و طوال هذه الفترة التي تقترب من ثلاثة أشهر , و لأنني عاجز عن أن أفتح باب زنزانتها , أو أن أهمس في أذنها أن تبقى قوية , ألا تجعل منها هذه التجربة عجوزا حكيمة , و أن تغمض عينيها و تفتحهما ليكون الكابوس قد اختفى , و لأنني لا أملك إلا الانتظار , تماما مثل طل , فإنني أشغل وقتي في قراءة ما يقوله الدردري عن استحالة الإبقاء على أسعار الكهرباء كما هي اليوم و ذلك في المؤتمر الوطني الأول للطاقة و لا أستطيع أن أمنع نفسي عن التساؤل : إذا كان يجب رفع سعر الكهرباء فهل يحتاج هذا إلى مؤتمرات أصبحت “الحلول” التي تعرضها معروفة جيدا , و هي زيادة العبء المفروض على الناس , و أشعر بالجوع و أنا أتخيل الموائد التي ترافق هذه المؤتمرات و أتساءل : ماذا تأكل طل اليوم ؟ و ما الذي يأكله الناس اليوم في عش الورور و الدويلعة , و ماذا سيكون طعامهم في الغد و هم يتناولون عشاءهم على أضواء الشموع في الغد…………
خاص – صفحات سورية –