مظاهرة صاخبة لأربع نساء
ليندا حسين
[أمْريكا
منذ ربع ساعة وهو ينتظر خارج الصيدلية. حين فرغت من الغرباء دخل. المرأة ذات الشعر الأحمر خلف طاولة البيع تبتسم له. هو نسي أن يبتسم لها، واكتفى بالنظر إليها كمن يحدق في شاشة تلفزيون. ثم تذكر:
ـ أريد ثلاث قطع بلاستر.
حين عادت بقطع البلاستر، كان الشاب قد اقترب من طاولة البيع وأسند كفيه على سطحها الزجاجي. سألها بصوت منخفض:
ـ أين حنان؟
ابتسمت دون أن ترفع رأسها إليه:
ـ حنان سافرت قبل خمس سنوات ولم نرها منذ ذلك الحين.
ـ إلى أين؟
ـ إلى أمريكا، حيث يعيش زوج أمها.
ـ أمريكا…
قالها كمن يحدث نفسه، واختفى تاركا على طاولة البيع ثلاث قطع بلاستر وبحيرة صغيرة من عرق بارد.
خارج الصيدلية علت أصوات باعة الموز. كان يعرف شيئا واحدا فقط: أن اسمه هاني، وأنه في شارع مليء بالموز. عليه الآن أن يتذكر أين هو بالضبط، وأن يقرر بناءً عليه في أية وجهة سيمضي.
[بخط اليد
على الجدار الزجاجي لمحطة الأونيكلينيك، ألصق أحدهم قصاصة ورق كُتب عليها:
“عزيزي توبياس
الحي الغربي ليس شارعا ولا حيا صغيرا! بحثت عنك طوال الأسبوع الماضي هنا ولم أجدك.. أين يجب أن أبحث عنك أيضا؟
إذا حدث وقرأتَ رسالتي هذه أرجوك اتصل بي.
ملاحظة: آسفة جدا لما حدث!
سابينا”
[مظاهرة صاخبة لأربع نساء
اسمها غادة. عمرها ثلاثة وعشرون عاما. طوال السنتين الماضيتين حرصت على تواجدها في كل الحفلات الموسيقية التي أقيمت في دمشق، ابتداء من دار الأوبرا حتى أصغر مسارح العاصمة. عند أبواب الصالات والمسارح وقفت غادة حاملة لافتة كتب عليها: “أوقفوا الكمنجات”. جموع غفيرة عبرتها، قرأوا لافتتها على عجل وهزوا رؤوسهم أسفا.
عُثر عليها ميتة الأسبوع الماضي في شقتها الصغيرة في المزة. توفيت على أثر احتشاء في عضلة القلب. الذين دخلوا شقتها سمعوا موسيقى لمؤلف إيطالي اسمه فيفالدي خارجة من كمبيوترها القديم.
بعد تلك الحادثة، وكي لا تتكرر مأساة غادة، توزعت أربع نسوة عند أبواب المسارح التي تقام فيها حفلات الموسيقى في دمشق، وكن يحملن لافتات كتب عليها: “أوقفوا الكمنجات”.