فاسدون بلا أدب
عباس بيضون
في إيطاليا عهد بيرلسكوني ما عاد كتّاب الكوميديات والسيناريوهات بحاجة إلى أكثر من الجلوس إلى المحققين وتقنيي التنصت ليجدوا لغة كاملة في أيديهم. ليس عليهم إلا أن يقطفوا منها. لنقل ان الفساد كوّن مع الوقت لغة كاملة، إنها عبارات عادية أو غير عادية لكن إشاراتها لا تخفى. هذا هو فضل الفساد على الفن. يمكن أن نتخيل أن عندنا الفساد الكافي لتكوين أدب كامل، لتكوين كوميديات وسيناريوهات سينمائية ومسرحية. مع ذلك يبدو أننا فاسدون بدون أدب. يعني أننا نفضل الفساد «سادة». نريده خالصاً لوجه الفساد بالطبع ولا نحب أن نستثمره في غير مجاله، نريد ببساطة الفساد وحده، كما هو ولا نقبل على الإطلاق أن نخلطه بالأدب أو الفن أو سواهما، لا أعرف كاتباً يلجأ إلى تحقيقات البوليس أو إلى تقنيي التنصت. قد تكون كوميدياتنا لهذا السبب بلا ماء ولا روح، نحن فاسدون ولا نجد سبيلاً إلى الضحك من فسادنا. نحترمه ولا نريد أن نحوله إلى مهزلة. نحن بحق نجل الفساد والفاسدين، ونجد مع ذلك من يستمر في الكلام على القانون والدولة وأشياء من هذا القبيل، لو ضحكنا على الأقل على فسادنا، لو ابتعدنا عنه سنتيمترات كافية لنعيد رؤيته لنرى كم كون في لغتنا وفي حياتنا. لو ضحكن من أنفسنا الفاسدة، ربما أمكن أن نفكر بالقانون والدولة، نحن نستطيع ان نركب كوميديات على القانون وعلى الدولة، إذ قلما نحترم الاثنين نستطيع أن نضحك على القانون وواضعيه ومصدّقيه ومطبّقيه (إذا وجدوا)، فهؤلاء بالطبع هم المساكين الذين يستحقون حقاً سخريتنا.
ثم ان المشكلة في أننا رغم فسادنا الخصب لا نعرف كيف نضحك أو بالأحرى لا نعرف كيف نؤلف من فسادنا. هذا وحده ما يفرقنا عن الايطاليين والفرنسيين والمصريين أيضاً، وجميع هؤلاء فاسدون مثلنا لكن فسادهم، كما ينبغي ان يكون الفساد، ظريف ومسلٍّ. الفاسدون واللصوص والزعران هم في الغالب مضحكون. وحدنا نحن نمارس الفساد كما لو كان صلاة، نمارسه بكل احترام له ولأنفسنا. وحدنا الفاسدون الثقلاء الدم في العالم، وحدنا نريد أن نرتشي ونسرق ونكذب بكل تجلة واحترام. أن نغفل كل ذلك «بكرامة محفوظة» ومقام لا ننزل عنه.
هذا يعني أننا أمام فساد عضال. والحقيقة أننا أمام ثقل دم عضال. من فترة قرروا، خيراً فعلوا، بدلاً من كوميدياتهم السقيمة أن يحكوا نكتاً، لكن حتى هذه لا تنــفع. حين بدا أننــا لا يمكن ان نروي نكتاً بمزيد من التجــلة والاحترام أي ثقل الدم. كما حدث في برنامج لول، قامت القيامة، أرادوا نكتاً محترمة وقوره للعائلات وربما للمعابد. أرادوا نكتاً نظيفة وبلا أي بذاءة. الحقيقة أن جعلنا من ثقل الدم مبدأ، ربما نجد وسيلة لوضعه في علمنا.
السفير