صفحات ثقافية

ماذا يفعلون في «الفايس بوك»: كتّاب من مصر وسوريا ولبنان والمهجر يبسطون تجاربهم

null
وطن وفضاء حر ويوتوبيا صداقة أم مضيعة وقت وإدمان ومجرد ثرثرة؟
عناية جابر
لم يفكر تلميذ هارفرد مارك زوكربرغ، الطالب في الجامعة الذائعة الصيت، قبل ستة أعوام، أن يبني ناديه الاجتماعي الافتراضي الفيس بوك «كتاب الوجوه» ليجتاح حياتنا الالكترونية الكومبيوترية، إذ ظن أن الفكرة لن تتجاوز أسوار جامعته المرموقة، لا بل ان حيازة بريد الكتروني موسوم باسم الجامعة المتشاوفة، وضع كشرط نهائي وغير قابل للمساومة لدخول هذا المحفل الالكتروني. سوى أن لكل حدث مهم، قبل وبعد: قبل الكهرباء، قبل الطائرات والهواتف الثابتة والمنقولة والنقالة، قبل جراحات القلب واستنساخ كائنات! لم يفكر تلميذ هارفرد، جامعة النخب الفكرية والمالية الأميركية، أن مشروعه الذي بدا متواضعاً، آيل للتحول إلى ظاهرة عالمية وسلاح تستعمله الأنظمة وأجهزة المخابرات والمعارضون وشركات الإعلان على حد سواء. ما هو الفيس بوك؟ ما هو كتاب الوجوه؟ وكيف تحول بنقرة زر إلى بابل تتداخل فيه اللغات وتتشابك العلاقات حد أن بعض البلاد تحاول منعه ومراقبته؟
يقول مؤرخو الانترنت ان فيس بوك الذي انطلق عام 2004 والذي بات اليوم يضم 300 مليون وجه ووجه ـ والرقم في تزايد كل دقيقة ـ ويزن مادياً 800 مليار دولار أميركي، قد استفاد من تجارب بداياته، وراقب بدقة منافسيه الكثر ـ فمارك زوكربرغ لم يدع الريادة يوماً ـ إذ ان الفكرة موجودة قبل أن يقتحم بيل غيتس بحواسيبه وبرامجه حيواتنا. فلكل جامعة أميركية ناد فعال ونشط لخريجيها، وما الفيس وغيره من السوبر مواقع التفاعلية إلا تتمة معاصرة ومعدلة لهذا النوع من التجمعات. مع نجاح الفيس واستحالته الأول بين منافسيه، غادر مارك زوكربرغ جامعته لتطوير أعماله بتشعباته القانونية والتقنية والمالية، وصار للشاب المتسرب من هارفرد اسم رنان يزن بالمليارات جوار العمالقة الذين فكروا وطوروا غوغل وأبل وميكروسوفت.
الناظرون إلى الفيس بوك بريبة وأسئلة كثيرة وأحكام أحياناً، لا يعرفون ماهية فوائده الجمة وضوابطه التي تزداد تعقيداً يوما بعد يوم. من المحال إقناعهم بخوض التجربة، سوى أن سيرورات الحياة العصرية سوف توصلهم إلى الفيس، تماماً كما وصلوا بعد ريبة وأسئلة وتلكؤ، إلى الهاتف المنقول وإلى البريد الإلكتروني، هذا وقد يصبحون من أشرس المدافعين عن تلك الفكرة الالكترونية التي تُمتّع وتؤنس وتفيد وتُقلق، خاصة أنها تتيح لأي كان الإقامة فيها لممارسة ما يشاء، خصوصاً من يعنيهم الإبداع قراءة وكتابة، فلهم ان يعبروا عن أفكارهم ويصوغونها وللقراء تقييم قوة بناها وأسسها. ثم هل هي ملاذ من يعاني الوحدة، فيدخل مباركاً إلى سطوة حضورها لتنتشر حوله حلقات الأصدقاء. سيادة، شئنا أم أبينا، سواء لناحية نشر النتاجات، إلى حلقات الدردشة والنميمة وتبادل المعارف والأسرار الشخصية، والتعامل الاقتصادي وحتى اقتراض الأموال في لحظة تجل الكتروني نادرة.
يمكننا تحليل هذا النظام من خلال مرتاديه، أو المدمنين عليه، أو حتى زائريه في أوقات متقطعة، علّهم ينقلون لنا خبراتهم، وتجاربهم، وعلاقتهم بالفيس بوك، مع رشا الأمير، ومنذ المصري، وابراهيم فرغلي، وعماد خشان، وسمر يزبك، ومحمد صلاح العزب، ولنا عبد الرحمن، ومحمد خير، كان هذا التحقيق للوقوف على المزيد من المعرفة عن علاقة معاصرينا بهذا الفوروم السجالي العملاق: ما الفيس بوك بالنسبة لك؟ أيفيدك؟ يُمتعك أو يقلقك؟

رشا الأمير: أفراح العالم وأتراحه
الروائية والناشرة رشا الأمير ذات الباع الكومبيوتري المتقّدم تقول في إجابتها:
قبل أربعة أعوام وصلتني بالبريد الالكتروني دعوة من صديقة يستحيل أن أردّ لها طلباً للانضمام إلى عصبتها، قيد التأسيس أيّامها، الكائنة على كتاب الوجوه الذي حظي، ولا يزال، بموجة عارمة من الترويج الإعلامي. عن غير اقتناع راسخ وافقت. ثم تشاغلت إذ بدا لي الفيس، عن جهلي بشعابه، بدعة وموضة ووهماً (بروبغندياً) من أوهام تلك القرية الكونية التي روّج لها توماس فريدمان ملك ملوك المواطَنة الحرّة والعولمة السعيدة!
ذات يوم سجّلت اسمي وتجاهلت الموضوع، بيد أن التكنولوجيا صاحبة الذاكرة اللجوجة ظلّت ساهرة عليّ، وأخذت الدعوات إلى إضافة قريب أو زميل تطلّ عليّ بين الحيـن والآخر داخل صنـدوق بريـدي. ثمّ، وأنا أقرأ في أحوال بلدين عزيزين هما مصر وإيران، أيقنت أنّ شيئاً ما خطيراً يحدث على هذا الفوروم العملاق، فقررت أن أتنشّط كي لا يفوتني الرّكب. فشمّرت وقرّرت أن أفهم ديناميكيّة وأبجديّة التفاعل على صفحات هذا الوجه الجبّار الحامل هموم وآمال آلاف الوجوه والمفضي لا محالة إلى واقع حلو ومرّ ومؤلم وسعيد، قد لا نتمكّن فيه من اجتراح ما نصبو إليه من معجزات وصداقات، بيد أننا، بالينا أم لم نبال، شركاء فيه.
مع اشتداد سواعدي الفيس بوكيّة، وبعد أن لممت ما تيسّر من أشتات قبائلي وعُصبي ـ بعضها ما زال عاصياً لليوم ولم يقتنع بجدوى هذا اللقاء الساحر والمفيد ـ صرت أطلّ كلّما اتّسع وقتي ومزاجي على ربعي المترامي الذي يبدأ من البيت حيث رفيق دربي وأنجاله، ويصل بي إلى نشاطات متحف إدوارد مونش في أوسلو، مروراً بصفحة رينير ماريّا ريلكه الشاعر وبأخبار كوكبة من الزملاء والأتراب، جلّهم على دروب الكتابة والموسيقى والسينما والقضايا بكلّ صنوفها. يغلط من يظنّ أن الفيس ساحة للتسكّع والدردشة والترويج ليس إلا. إنها كذلك أحياناً: راحة حلقوم من استرقّهم الحاسوب لساعات طويلة، كذلك وأكثر. فمن شاهق هذا المنبر اللاهي المُدني بنقرة زملاء وأحبابا، يخاطب واحدنا، إن شاء، وكيفما شاء، بضجيج أو صمت، بجهر مرضيّ أو تحفّظ، من أجل الترويج أو التجييش لقضيّة أو احتفال، يخاطب عشيره، فرادى أو جماعات، متخيّراً ما يحلو له من مقالات ومواضيع، مكحّلاً أنشطته بصور وأفلام وأغان. بين لهو وجدّ، يتشارك أهل الفيس أفراح العالم وأتراحه. بلى، نتقابس ونتحابّ ونتصادق ـ بعضنا يتشاتم ـ على صفحات وجوهنا؛ وبلا أوهام ورديّة حول مآلات العالم، أتمسّك بلحظتي هذه وبهاتف لذيذ موصول بالشبكة ـ وبكتاب الوجوه الحبيبة تالياً ـ يبهجني وجوده ويطمئنني.
عماد خشان: طابع أنثوي
عماد خشان، كاتب فلسطيني يعيش في نيويورك، وله وجهة نظر معرفية بهذه الوسيلة التكنولوجية، على الرغم من تسجيله حذره منها، ودخوله المحسوب الى رحابها وفضائها:
معرفتي بالفايس بوك قليلة وجديدة ويشوبها الحذر.
الفايس بوك كأداة تواصل او اعادة اتصال هو موقع ممتاز ويستحق لقب موقع «لم شمل» لاني عن طريقه اعدت الاتصال مع زملاء دراسة واصدقاء واساتذة فقدت الاتصال بهم من ربع قرن. واستطعنا ان نعود باتصالاتنا وصداقتنا الى قديم عهدها وخارج نطاق موقع فايس بوك وفي العالم الحقيقي لا الافتراضي. وبذلك فإن هذا الموقع فيه جانب اقرب الى الخيال من حيث اننا كثيرا منا ما كنا نتساءل ان كان من طريقة لاعادة التواصل مع اعزاء فقدنا الاتصال بهم فاذا به قد صار ذلك ممكنا بشرط ان يكون الشخص المطلوب من اعضاء الفايس بوك ايضا. فايس بوك والانترنت لا يحدهما الزمان ولا المكان. ليس لدي معلومات دقيقة عن مدى تأثر عدد الحضور بالاعلان على فايس بوك الا اني اعرف ان الاعلان على فايس بوك ساعد بالوصول الى عدد اكبر من الافراد وساهم في لفت نظرهم الى تلك القضية. وكما هو معلوم فإن الرئيس الاميركي الحالي باراك اوباما استعمل التكنولوجيا الحديثة بما فيها فايس بوك بشكل ممتاز واستطاع ان يصل الى عدد اكبر من الناخبين خاصة من الشباب وذلك بكلفة اقل بكثير من الوسائل التقليدية مثل الاعلانات التلفزيونية والاذاعية. وقد ادرك منافسو اوباما من الحزبين ذلك بعد خسارتهم وسيكون لوسائل الاتصالات هذه دور اساسي في الحملات المستقبلية من حيث الوصول الى شريحة اوسع من الناس بشكل اسرع وكلفة اقل. ولموقع فايس بوك طابع انثوي من حيث انه يبني مجتمعات شبيهة بالمجتمعات البشرية الحقيقية، ولهذا لاحظت انه من بين الكثير من تطبيقات الانترنت فان الفايس بوك هو الاكثر شعبية عند الفتيات والنساء من حيث انه يبقيهن على تواصل دائم مع الاهل والاصدقاء او انه يعطي الشعور بذلك التواصل والتلاقي حتى وان لم يكن في كل ساعات النهار على الانترنت وبذلك هو اقرب الى التفكير العملي للسيدات والسلوك الاجتماعي اي غير الانطوائي. وبذلك فان فايس بوك هو مجتمع افتراضي مواز للمجتمع الانساني وقد ينوب احيانا عنه في حال تعذر التواصل البشري المباشر كما في حال المغتربين او كما حصل اثناء الاضطرابات التي جرت في ايران حين منعت الحكومة هناك الصحافيين من التغطية. هي ثورة التكنولوجيا تساهم في الحراك الاجتماعي وفي الصراعات السياسية سواء كانت عن طريق الانتخابات او الاشتباكات. ولعل مقدار نجاح كل اختراع جديد هو بمقدار مساهمته في تسهيل الحياة اليومية للبشر بكل اشكالها. ومنذ ظهوره حتى الآن فان فايس بوك يبدو عاملا فعالا في كل نواحي الحياة بغض النظر عن بعض مساوئه ان كان من ناحية الادمان او ناحية فقدان الخصوصية او استجلاب نظر من ليس مأنوسا. وقديما قيل «خير الامور الوسط» وهو قول ما زال سليما وسيبقى مهما تغيرت التكنولوجيا واشكال الحياة لان الثابت الوحيد الذي لا يتغير في كل المعادلات هو الانسان.
سمر يزبك: عالم متلصص ومخيف
سمر يزبك، الروائية السورية والناشطة في حقوق الإنسان، تعتبر أن تسمية «افتراضي» الذي أطلقناه على الفايس بوك هي تسمية مغلوطة، والأحرى البحث عن تسمية أكثر دقّة، من كون هذه الظاهرة غدت أكثر من واقعية:
لا يمكن الحديث عن الفايس بوك بوصفه ظاهرة حداثية بالمعنى الحقيقي، فالعالم الافتراضي نابع من نفس المنطقة التي كانت موجودة في داخل النفس البشري، او بالأحرى وجوده قائم عليها، في ان الانسان كائن تواصلي بطبعه واجتماعي يميل للعيش ضمن تجمعات، فكيف اذا كانت هذه التجمعات الافتراضية تتيح له فرصة للتعبير اوسع بكثير مما تتيحه التجمعات الواقعية، وكلمة افتراضية اعتقد أنها غير دقيقة ويجب استبدالها بكلمة اكثر دقة. الفايس بوك لم يعدى افتراضيا وشبكة العلاقات القائمة عبره هي تأسيس لظاهرة اكثر واقعية مما قد نتخيل. دخلت الفايس بوك قريبا، وهو لم يشكل لي غواية بالمعنى الحقيقي سوى من جانب واحد قائم على الاكتشاف والبحث، وربما سرعة وسهولة تواصل الآخرين معي. اجده في احيان ممتعاً ومسلياً وفي احيان اخرى يكرس ثقافة اقل عمقا مما يجب، في دخول الى المجموعات التي تتحدث مثلا عن كتاب ومبدعين اجدها بالكاد تلامس حقيقتهم. أو الحوارات التي اتابعها بين الأصدقاء وفي الوقت نفسه لا يمكن القول ان الفايس بوك نفسه لا يشبه الحياة، فهناك مجموعات مختلفة تتحاور وتنشأ من حواراتها سجالات عميقة. انه عالم متلصص ومخيف، لكنه شهي وجذاب ومهم. علاقتي بالفايس بوك تشبه علاقتي بالحياة. تفرضها مزاجيتي انا. قد ادخل الفايس بوك في اليوم الواحد مرات ومرات، وقد امتنع عنه اياما. لكن لذته تكمن في اللعب مع الأصدقاء والبعيدين واستحضارهم في حالة الغياب. يغريني فيه أيضا اني استطعت التواصل مع كتاب وكاتبات شباب، كان من الصعب التواصل معهم، ولعل الأهم اكتشاف العديد من المواهب والطاقات الابداعية في سوريا. بالنسبة لي يشكل هذا هماً كبيرا لا غنى لي عنه. لكن الغواية الكبرى التي يشكلها هذا العالم التواصلي هي عدم اللمس. اعطاء فرصة للفرد في تحويل علاقته بالحياة الى جزء من الخيال، فالتواصل البعيد يتيح المجال، على عكس ما يقال، في اذكاء الخيال والتصورات واللعب على ما يمكن ان يكون، فالآخر دائما في حكم التصور وصورته قائمة على التخييل حتى لو كان صديقا في أرض الواقع، لذة التواصل عبر الفضاء تجعله أشهى.
محمد خير: صداقة بلا خسارة
محمد خير، الشاعر المصري الشاب يرى في الفايس بوك كما لو انه منقذ جاء ليحل أبرز إشكالية في العصر الحديث، كما أن العلاقات الافتراضية التي تنشأ من خلاله، خالية من حسابت الربح والخسارة:
كنا نظن أن الانترنت يضيّع الوقت حتى ظهر الفايس بوك فاكتشفنا أن الماضي كان مزحة، إذ لا مقارنة بين الوقت الذي كان يضيع في فحص الإيميل أو الإبحار عبر غوغل، وبين الساعات اللانهائية التي يمكن إنفاقها في تلبية إشعارات الفايس بوك عن نشاطات الأصدقاء، إضافة الصور والتعليقات والجدل والشات… إلخ. يقول مختصو التسويق إن لكل شخص دائرة من 200 شخص يمكنه التأثير فيهم، يمكن ضرب هذا الرقم في عدد أنواع النشاطات التي يمكن أن يمارسها كل شخص على الفايس بوك ويتابعها الآخرون، لنكتشف أنه يمكن لتصفح الفايس بوك أن يستمر للأبد، لكن ذلك هو بالطبع مجرد وجه من وجوه «كتاب الوجوه»، فبما أنه لا شيء يحدث بالصدفة، فإن نجاح الفايس بوك وشعبيته الهائلة يكمنان في أنه جاء ليحل أبرز إشكالية يعانيها الانسان الحديث، ألا وهي تشتته بين غريزته الاجتماعية من جهة، وحماية عزلته الخاصة من ناحية أخرى، الفايس بوك عالج ذلك بتكريس التلصص، فيمكن الشخص أن يطلع على صور الآخرين، كتاباتهم، خواطرهم، معلوماتهم وأحلامهم، بدون أن يهدر كبرياءه بالتواصل المباشر مع كل أولئك، ليس غريبا إذاً أن غالبية المستخدمين يضيفون إلى قوائمهم أصدقاء أكثر بكثير من أصدقائهم في الحياة، إذ ان الصداقة الافتراضية أقل تكلفة بكثير في الكسب وفي الخسارة.
لنا عبد الرحمن: «ضياع الوقت»
لنا عبد الرحمن، روائية لبنانية تعيش في مصر، وعلى الرغم من كونها عضوا في نادي الفايس، ما زالت تتوّجس منه، وتميل الى الاعتقاد أنه مضيعة للوقت، الأمر الذي يجعل زياراتها له نادرة، كما تعجب من أمر المدمنين عليه:
دائما ما أتساءل إذا كان الفايس بوك فعلا يحقق تواصلا معرفيا أو اجتماعيا بالنسبة للكاتب! لقد ساعدني على التواصل مع كثير من الأصدقاء، وساهم في إعادة التواصل مع أصدقاء قدامى من أيام الدراسة، لكني ما زلت أرى أن علاقتي مع الفايس بوك مضطربة قليلا، ليس بسبب ضيق الوقت فقط، بل لإحساسي بأن الفايس بوك يسبب ضياعا للوقت، ومع أني أتواجد فيه، أحس نحوه بنوع من التوجس بسبب كثرة التفاصيل المكشوفة التي تسبب التشتت وتقودك من صفحة إلى أخرى فتنقضي ساعات قد لا تخرج منها بفائدة تُذكر سوى قراءة تعليق من هنا، أو أن تساهم في التعليق هناك. لذا أحيانا تمر أيام وربما أسابيع أنسى فيها الدخول إلى الفايس بوك، وأنسى تجديد صفحتي، في المقابل لا يمكنني إلا أن أتفقد بريدي الالكتروني مرة أو مرتين يوميا، أما الفايس بوك فأدخله تبعاً للوقت والظروف التي تسمح لي بتتبع أخبار الأصدقاء الذين أهتم بهم، وفي بعض الأحيان لتتبع خبر أو نص أرسله لي أحد لأقرأه، لكني ما زلت أندهش حين يقول لي بعض الأصدقاء ان الفايس بوك صار جزءا لا ينفصل عن حياتهم اليومية، ويحسون بافتقاد شيء ما حين يكونون بعيدين عنه. لم تنتبني حمى الفايس بوك إلى هذا الحد، وما زلت أحس بالارتباك أمام من يعبرون عن أنفسهم على صفحات الفايس بوك بعبارات أشبه بنشرة نفسية، في النتيجة أرى أنه فضاء مفتوح جدا تغيب منه الخصوصية، إنه مساحة حرة كي يراك الآخرون، وكي تراهم أيضاً.
غالية قباني: «لمجرد الثرثرة»
غالية قباني، كاتبة سورية تعيش في لندن تقرأ في ردّها هنا بعض سلبيات الفايس بوك، كما ترى فيه تهديداً للثقافة الجدّية:
تصورت أنه مكان لطرح بعض القضايا المشتركة. ثم تبين أن الغالبية تستخدمه للترويج الشخصي. مع الأيام يحصل الفرد على مؤيد، بالمعنى السياسي، أكثر ما يحصل على متلق بالمعنى الإبداعي، عندما يكتفي كثيرون بالفضاء الافتراضي لمشاهدة لوحة وقراءة ما يكتب عن نص، هذا إذا قرأه كله او بعضه. ربما سبب ذلك غياب الجهات المروجة للمبدعين، كما هو في الغرب الذي لا يترك أي مبدع في موقف محرج يلفت الانتباه الى أعماله بنفسه.
الفايس بوك يأخذ من وقتي عندما أجد نفسي «أسوح» في مناطقه لمجرد الثرثرة لا لتبادل الآراء والأفكار. الانشغال فيه يكون على حساب أن أٌقرأ نصا أو أشتغل على نص في يدي. قللت دخولي إليه في الفترة الأخيرة لهذا السبب. هذا لا يمنع أني عند «الزهق» أسلي النفس من خلاله قليلا. وأنني بشكل عام أحتفظ بتواصل مع قلة أشعر بأنها تفهم عليّ وأفهم عليها.
لديّ إحساس أن الجيل الجديد قد ينسى الثقافة الجدية إن استمر في استهلاك وقته في الشات والفايس بوك وغيرهما من المواقع المفترضة. لست متشائمة، هذا ما أراه في شباب العائلة والمعارف.
إبراهيم فرغلي: «قاتل الوقت المتوحش»
الروائي والكاتب المصري إبراهيم فرغلي تتعرّ ض علاقته بنوع التواصل هذا، للاهتزاز يومياً وتتراوح بين الجذب والملل، ايضاً يشوبها القلق والتوّجس مع ما تُرخيه من متعة وفائدة، يُسميّه فرغلي «قاتل الوقت المتوحش»:
بالتأكيد هو ذلك كله بالنسبة لي: مفيد، ممتع، ومقلق.
مقلق إلى حد انني أقرر يوميا خمسة قرارات بالتوقف عن استخدامه، وعلى سبيل التوازن فإنني اقرر في اليوم ذاته خمسة قرارات أخرى بتعليق إغلاق حسابي على الفايس بوك إلى أجل غير مسمى.
هو مصباح علاء الدين السحري الحديث، بامتياز، غير أن ذاك، العتيق الخارج من رحم الأساطير، كان تقليديا لا ينبثق منه، مباغتا، سوى مارد عملاق ينفذ الأوامر. اما الأخير، فهو صاحب المفاجآت الذي قد يجلب صديقا حالت بيني وبينه جدران الجغرافيا والمسافات والبعد والزمن، أو يجمعني بكاتب آنس بكتابته بين يوم وليلة، أو فنان أو فنانة أكن له أو لها إعجابا بينما أجلس أمام النافذة السحرية التي تضيء بصفحة شخصية تحمل اسمي، وأيضا قد يفاجئني بمن يبحث عني ليعبر عن إعجابه أو انتقاده، والأهم أنه نافذة جيدة لاكتشاف وفرز الأصدقاء.
نموذج مثالي لكسر حواجز الزمن، ففي دقائق يمكن أن تعرف المزاج العام لجمع من أصدقاء قد تحتاج إلى سنوات لتتعرف الى أمزجتهم معا في وقت واحد، أو أن تتلقى آراء متدفقة عن فقرة أو جملة كتبتها تعبر بها عن رأي في موضوع أو قضية، إضافة لما يتيحه من إنتاج الأصدقاء وما يستهويهم.
كم كان علي قبلا أن أنتظر لأبحث في موضوع يحتاج لأن أسال عددا من الأشخاص والاحظ وأدقق لأتلصص على موضوع يستهويني أن أكتب عنه. اليوم يمكن عبر غروب معينة اكتشاف حالات أو نماذج وسؤالها وتلقي إجاباتها معا في اقل من يومين.
سحر؟ ربما، لكنه أيضا، قاتل الوقت المتوحش، المثير لنوازع الإدمان وتزجية الوقت الذي يحتاج لإرادة جبارة لإعادته أحيانا إلى موضعه في سلة مهملات المكتفي بنفسه وبذاته لمنعزل وفردي كنته بامتياز خلال سنوات لم يكن لدي وقت لأتنفس بسبب عملي في اكثر من مكان داخل مؤسسة الأهرام. هذا مكمن القلق، خاصة أنني ألاحظ نوبات الإدمان التي تنتابني كثيرا هذه الأيام وانا ابحث عن الكلمة السحرية لكتابتها على الموقع بشغف المدمنين «فايس بوك».
محمد صلاح العزب: البلدوزر
مع محمد صلاح العزب، الروائي المصري يتقدّم الفايس بوك كبولدوزر ينزع عن الكاتب فكرة القداسة، ويعرّف القرّاء بأحدث الإصدارات والأنشطة الثقافية، كما هو فراغ مُغر مفتوح على كل حالات الإبداع:
الفايس بوك هو «البلدوزر» الذي حطم البرج العاجي الذي كان المبدعون يحبون الإقامة فيه قديما، فجاء الفايس بوك ليقوضه من أساسه لينزل المبدع إلى متلقيه يناقشونه في أفكاره وكتاباته ويخالفونه فيها، ويحولونه بدورهم إلى قارئ ومتلق لهم، وهذا في رأيي جيد لأنه يقضي على فكرة الكاتب المقدس أو النبي.
من جانب آخر يلعب الفايس بوك دورا شديد الأهمية في تعريف القراء والمهتمين بأحدث الأنشطة الثقافية والإصدارات، ويتخذه الكتاب ودور النشر وسيلة للترويج للكتب وحفلات التوقيع، وتسبب في حدوث طفرة قرائية ملموسة.
كما أنني أرى أن شريط الحالة الذي لا يسع تقريبا أكثر من خمسين كلمة هو فضاء مغر لكتابة نص قصير جدا، يتفاعل معه القراء والأصدقاء بتعليقاتهم، وأنا شخصيا أحاول استغلال هذه المساحة إبداعيا، وكتابة نص جديد فيها يوميا.
كما أن الفايس بوك كان وسيلتي للتعرف الى عدد كبير من المبدعين العرب على مستوى العالم ونشأت بيننا صداقات قوية جدا، ومراسلات وقراءات متبادلة.
حيا الله الفايس بوك، لولاه لكان العالم أسوأ كثيرا.
منذر المصري: وطني وشعبي
الفايس بوك وطن الشاعر منذر المصري.
وطن بدون أرض وسماء وحدود وحكومات.. لكن، لحسن الحظ، فإن المخبرين متوفرون؟؟ أنت لا تستطيع أن تكتب على الفايس بوك كل ما تشاء أن تكتب.. انتبه، الفايس بوك ممنوع بسوريا ولا أدري في الدول العربية الأخرى، مسموح في بلاد عربية كثيرة، لكنه بكل الحالات مراقب.. هناك ممن أضفته كصديق يراقبك، باسمه الحقيقي أو باسم وصورة مزيفين!؟
.. ومع ذلك عدد السوريين الفايسبوكيين كما ذكر لي أحدهم 75 ألف سوري وسورية. وهناك من يقدر عددهم بـ 300 ألف داخل سوريا وخارجها!؟؟ أو 500 ألف سوري، أو أكثر.. خذ باعتبارك أن نسبة كبيرة من الشباب السوريين خارج سوريا وربما جميعهم، هناك احتمال كبير أنهم فايسبوكيون. ناشطون جداً بحيث يقضون فيه ساعات طويلة كل يوم، أو يدخلونه في الأسبوع مرتين وثلاثا، لدقائق أو ساعة وساعتين. لأن الانتشار الفظيع للفايس بوك ما كان ليحصل لولا أنه يؤمن تواصلا يوميا ثابتا وشبه حي، للجميع.
الفايس بوك وطن افتراضي.. وربما شعب افتراضي. قلت ربما لأنه لا يمكن للوطن الافتراضي إلا أن يكون شعبه افتراضياً.. مع أني أشعر بميل لأقول إنه شعبي أقرب للحقيقي من أي شعب آخر.. إنه شعب مؤلف من أفراد لهم ذواتهم ويعبرون عن آرائهم، ولهم قضايا يتشاركون فيها!؟ يتعارفون ويتصادقون ويتحابون ويتعادون.. أيضاً.. ماذا أريد أكثر من هكذا شعب.
رغم معرفتي هذه، فأنا فايسبوكي مفتوح للجميع.. لا أكتب في صفحتي ما أريد إخفاءه.. طبعاً ما عدا الرسائل الخاصة المتبادلة بيني وبين من يراسلني.. وذلك لأني أشعر بأن الفايس بوك في جوهره يؤمن تلك الرغبة بالتواصل والانكشاف على الجميع.. لا يوجد معنى للفايس بوك، إذا كنت تخشى المزيد من الأصدقاء، إذا كنت لا تريد من الجميع أن يقرأوا ما كتبت على حائطك، أو ما أنزلت على صفحة محفوظاتك..
الفايس بوك وطن.. والفايسبوكيون شعب.. لكن في النهاية، بالنسبة لي، وأظن بالنسبة للجميع.. لا وطن لنا إلاّ أوطاننا التي نحيا فيها ذاتها.. غير هذا نكون حقاً ما يراد لنا أن نكونه: أناساً مجانين.
عامر مطر: «تفريغ كبت»
هذه علاقتي بالفايس بوك:
إدمان جميل، أنتج الكثير من المشاريع والأحلام الافتراضية والواقعية. بدأت بحلم تخليص سكان الجزيرة السورية من الظلم والإهمال، وتوقفت عند مطالبة الجمهور السوري، برمي البندورة على العرض الرديء.
وجدت في الفايس بوك، مثل الكثير من السوريين، ساحة حوار مستحيلة الوجود في الواقع، ومنبرا فيه الكــثير من القـــراء، والحرية.
أستطيع من خلاله تفريغ كبت كبير، أنتجه غياب قاس للحريات في الواقع السوري، هذا التفريغ يصب في المطالبة بحرية سجناء رأي، وصحافيين… حتى أنني أنشأت حملة فيه، للدفاع عن حقوق الصحافيين في سوريا.
اعتبر نفسي مدمناً حقيقياً للفايس بوك، وعضواً شرهاً للنقاش والتعبير في الكثير من حملات المطالبة السورية بالحقوق. فهو لا ينفصل عن الواقع، حتى أصدقائي فيه، حقيقيين وواقعيين، ألتقيهم فيه، وفي الشارع، والمقهى…
وأحياناً يخدمني كصحافي؛ أجد فيه أخباراً تهمني، ومعلومات أكثر عن أشخاص أنوي الكتابة عنهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى