سلطات سجن دمشق المركزي في عدرا: مزيد من المضايقات بحق السجناء السياسيين في ظل صمت المجتمع الدولي
اكد عدد من سجناء الرأي والسجناء السياسيين في سجن دمشق المركزي في “عدرا” أن سلطات السجن صعدت وتيرة الضغوط والمضايقات الممارسة بحقهم، في إجراء تضيفه هذه السلطات الى لائحة انتهاكات طويلة تمارسها بحق المعتقلين لديها، تخالف المواثيق والأعراف الدولية بشكل صارخ.
وذكر مراسل “سكايز” في دمشق، الذي تمكن من التواصل مع عدد من المعتقلين الحاليين في “عدرا”، أن “القصة بدأت عندما رفض عدد من السجناء السياسيين الزيارات، احتجاجاً على ظروف الاعتقال السيئة، وانتهاج سلطات السجن سياسات تمييزية عقابية بحقهم”.
واحتجاجاً على فرض مدير السجن الأوامر بارتداء الملابس الخاصة بالموقوفين الجنائيين، رفض كل من المحامي مهند الحسني، رئيس المنظمة السورية لحقوق الإنسان “سواسية”، ورياض سيف وجبر الشوفي أعضاء الأمانة العامة لإعلان دمشق النزول إلى صالة الزيارات.
وقال محام سوري رفض الإفصاح عن اسمه أن “المعتقلين السياسيين طلبوا ارتداء ملابس مدنية عند زيارة ذويهم، كونهم معتقلو رأي، الأمر الذي رفضه مدير السجن وقال بأنهم سجناء جنائيون، وعليهم ارتداء ملابس السجن. فرد المعتقلون: طالما نحن جنائيون، لماذا تحرموننا من الكثير من الحقوق التي يتمتع بها غيرنا من السجناء الجنائيين؟”.
وأضاف المحامي أن المنع “وصل الى حد منع عدد كبير من السجناء السياسيين من ارتياد الجامع داخل السجن، لانه المكان الأنسب للتجمع والالتقاء، حتى أن معتقلين من غير المسلمين كانوا يذهبون للجامع للالتقاء بسجناء من مهاجع أخرى”.
من جانبه أكد أحد المعتقلين الأكراد في سجن “عدرا” أنه يلتقي بعائلته “بوجود ضابط يقوم بتدوين كل كلمة نقولها”، وقد أجبروه هو وعائلته على التحدث باللغة العربية، الأمر الذي يصعب على الكثير من العوائل خاصة ممن لا يتقنون العربية.
وأضاف المعتقل الكردي: “لقد تم تهديدي أكثر من مرة بحرماني من الزيارة، في حال الاستمرار بالتحدث بالكردية، رغم أن زوجتي لا تتكلم العربية أبداً، لذا باتت الدموع هي اللغة الحديث المشتركة الوحيدة فيما بيننا”.
وأشار أحد المعتقلين السياسيين الحاليين أنه “يتعرض بشكل مستمر للمضايقات من قبل سجناء جنائيين مكلفين من قبل إدارة السجن بمراقبته داخل المهجع وأثناء فترة التنفس”. وأضاف: “لقد تم منعي والعديد من السجناء السياسيين، من الاستفادة من مكتبة السجن، كما صودرت الكتب والصحف التي كانت بحوزتنا جراء حملات التفتيش الدورية المفاجئة التي يشنها الحراس علينا، كما أغلقت
النوافذ التي كانت مفتوحة بين المهاجع، ما ضيق حالة التواصل بين السجناء الى حدها الادنى”. وأضاف المعتقل: “نتخوف من أن تستمر المضايقات، ومن أن تأخذ منحاً آخر، كما حصل
مع بعض الزملاء، حيث تمت محاكمتهم على خلفية وشايات من سجناء جنائيين، وحوكم البعض منهم بأحكام أضيفت على أحكامهم”.
وأشار محام وناشط حقوقي من دمشق رفض ذكر اسمه الى انه “لا توجد أية مادة قانونية تجبر السجين على ارتداء ملابس الموقوفين الجنائيين، وبحسب المادة 46 من قانون العقوبات السورية فإنه: يشغل المحكوم عليهم بالاعتقال في أحد الأشغال التي تنظمها إدارة السجن وفقاً لما اختاروه عند بدء عقوبتهم. ولا يمكن استخدامهم خارج السجن إلا برضاهم ولا يجبرون على ارتداء زي السجناء”.
هذا وكان المحامي مهند الحسني أعلم مراسل “سكايز” في دمشق عن وضعه الحالي فقال: “إنني أعاني من مراقبة دائمة داخل السجن، ومن مضايقات من سجناء جنائيين، كما أنهم صادروا مني مجلة “العربي” الكويتية المعروفة التي كانت بحوزتي قبل يومين، ومازلت محروماً من الاستفادة من المكتبة”.
وأكد الحسني لمراسل “سكايز” أن “أوضاع كل السجناء السياسيين متشابهة من حيث المضايقات والإزعاجات من شرطة السجن، والمحكومين بجرائم جنائية”.
وطبقاً لمصادر حقوقية سورية، فإن إدارة سجن عدرا المركزي تمارس سلسلة من الإجراءات العقابية والمضايقات المنهجية، منها منعهم من الاختلاء بمحامي الدفاع عنهم وفق ما ينص القانون والدستور السوري، وكذلك منعهم من ارتياد المكتبة ومنعهم من القراءة وحرمانهم من التقدم إلى الامتحانات الثانوية، وحرمان بعضهم من النوم على السرير، بالإضافة إلى تعرضهم إلى المراقبة اللصيقة داخل السجن من قبل سجناء آخرين، ومنعهم من التواصل مع بعضهم، وتعرضهم لحملات تفتيش استفزازية داخل زنازينهم، ومنع ذويهم من إدخال حتى المواد الغذائية لهم. كما تمنع إدارة السجن الاستفادة من النشاطات مثل الدورات اللغوية وغيرها.
بتاريخ 11/آذار/2010 دعت منظمة “هيومن رايتس ووتش” ممثلة الاتحاد الأوربي العليا للشؤون الخارجية كاثرين آشتون إلى إثارة قضايا حقوق الإنسان مع المسؤولين السوريين خلال الزيارة التي قامت بها إلى دمشق منتصف آذار/ مارس الحالي ، وطالبتها بالحصول على تعهدات لتحسين سجل سورية في مجال حقوق الإنسان.
ورأت المنظمة أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي فشلا في تحقيق أي مكاسب في مجال حقوق الإنسان في سورية رغم الانفتاح الأمريكي والأوربي عليها.
وقالت مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة سارة ليا ويتسن في بيان لها قبيل زيارة آشتون؛ إن الشهور الماضية “برهنت أن التحدث إلى سورية من دون التطرق إلى سجلها في مجال حقوق الإنسان يشجع على الاعتقاد أن بإمكانها أن تفعل لشعبها ما تشاء من دون عواقب”، وأضافت: “الرسالة إلى سورية بأننا نهتم فقط بسياستك الخارجية هي بمثابة ضوء أخضر للقمع” وفق قولها.
وأضاف البيان: “في حين يستقبل المسؤولون السوريون الدبلوماسيين الغربيين في صالات مذهبة، فإنهم يسجنون أي شخص يجرؤ على التلفظ بأي كلمة نقد في أقبية زنازين سجونهم”.
وكانت سورية طلبت التأجيل على توقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوربي بسبب اعتراضها على نص إعلان سياسي سيُلحق بوثيقة الشراكة، يدعو إلى توسيع هامش الحريات والديمقراطية والتعددية
والشراكة في الداخل، وإجراء إصلاح سياسي وتعددية حزبية وحرية إعلام وتحقيق شفافية أكبر فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
وتحتج سورية على وجود هذا الإعلان السياسي خاصة وأن هذا الشق غير موجود في اتفاقيات شراكة مشابهة مع دول أخرى كتونس والأردن.
من جهة أخرى وجه رئيس الاتحاد الدولي للمحامين كورادو دي مارتيني رسالة إلى الرئيس السوري بشار الأسد عبر فيها عن قلق الاتحاد الشديد بشأن أوضاع المحاميين هيثم المالح ومهند الحسني، المعتقلين في سورية على خلفية نشاطهما في مجال حقوق الإنسان.
وقالت الرسالة: “إن الاتحاد الدولي يدين ظروف متابعة واعتقال المحاميين المذكورين ويعتبر اعتقالهما تم بصفة تحكمية ولأسباب ترجع إلى نشاطهما الحقوقي ودفاعهما عن حقوق الإنسان ولذلك فإن الاتحاد الدولي ونظرا لما ذكر يرى أته ينبغي إطلاق سراحهما حالا وبدون أي شروط. كما أن الاتحاد الدولي يحتج على الطريقة التي عومل بها الحسني من طرف نقابة المحامين السورية والمحاكمة التأديبية التي مورست ضده وكذلك العقوبة التأديبية التي صدرت في حقه. كما وصل إلى علم أعضاء الاتحاد الدولي للمحامين أن محاكمة الأستاذ المالح بدأت أمام المحكمة العسكرية بدمشق”.
وأضافت الرسالة: “علمنا أن المالح يعاني من أمراض مزمنة تستلزم تناول الأدوية بصورة مستمرة ومنتظمة، إلا أنه ومع الأسف اتضح أنه تم حرمانه من تناول أدويته، وأنه لا يتمتع بأية عناية طبية منذ تاريخ 18 شباط/ فبراير 2010”.
وأوضح رئيس الاتحاد الدولي للمحامين أن “هذه الوضعية التي يعيشها المعتقل تتنافى ومقتضيات الاتفاقيات الدولية في هذا المجال والتي تحرم كل المعاملات غير الإنسانية في مثل هذه الحالة”.
واعتبر محام وناشط حقوقي سوري آخر رفض ذكر اسمه أنه “في الوقت الذي يرشح المحامي مهند الحسني إلى جائزة دولية في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، تستمر السلطات السورية باعتقاله في سجن “عدرا”، وتستمر محاكمته بتهمة النيل من هيبة الدولة وإضعاف الشعور القومي، ونشر أنباء كاذبة من شأنها أن توهن نفسية الأمة… إنه أمر معيب”.
هذا وقد كانت الأمانة الدولية لجائزة “مارتن إينالز” للمدافعين عن حقوق الإنسان ومقرها جنيف أعلنت عن أسماء المرشحين الأربعة للجائزة وهم وان يانهاي (الصين)، عايدة كلكو (كولومبيا)، دانييل بيكيلي (إثيوبيا) ومهند الحسني (سورية).
وجاء في قرار اللجنة إن “هؤلاء الأشخاص أظهروا شجاعة استثنائية في نضالهم من أجل احترام حقوق الإنسان في بلادهم، والاستمرار في تحمل المخاطر، نظراً لعملهم”.
ان جائزة “مارتن إينالز” هي تعاون لعدة منظمات دولية لحقوق الإنسان الذي يشكل لجنة التحكيم منها منظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش لحقوق الإنسان، والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، والخط الأمامي، ولجنة الحقوقيين الدولية، والخدمة الدولية لحقوق الإنسان. وسيتم الإعلان عن الجائزة في 7 أيار من هذا العام خلال مؤتمر صحافي، وستقدم الجائزة في 15 تشرين أول، خلال حفل السنوية المشتركة التي تنظمها مؤسسة مارتن إينالز وفيل دي في جنيف.
إن مركز “سكايز” للدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية يضع الاجراءات المستمرّة التي تمارسها سلطات سجن “عدرا” المركزي وكافة السجون السورية التي تضم معتقلين سياسيين وكتاباً وصحافيين برسم المنظمات الدوليّة والعالمية، والحقوقية منها بشكل خاص. ويناشدها التحرّك الفوري للضغط على سورية لوقف مسلسل الاعتقالات والتجاوزات والمضايقات بكافة أشكالها بحقّ هؤلاء. ويكرّر دعوته السلطات السورية إلى إطلاق سراح كافة معتقلي الرأي والتعبير في سوريا، وإنهاء ملف الاعتقال التعسفي للكتّاب والصحافيين وكافة النشطاء والسياسيين.