يحدث في سوريا :كتبت رسالة إلى -أخيها الإنسان- فاعتقلوها.
أميرة الطحاوي
على جنبات ممر طويل ضيق يوصلك إلى مكتب ضابط أمن الحدود كانت عشرات الصور المكررة للأب الراحل يمينا والابن – الذي خلفه في المنصب قبل أشهر- يساراً تذكرك بأي نوع من النظم الحاكمة يسود هنا، عائدة من كردستان العراق في 2001 عبر سوريا لينطبع في ذهني وربما للأبد وقع هذا الممر القابض (رغم مصادرة الفيلم الذي يحوى صورة وحيدة لهذا الممر) ، أذكره وأختنق كلما قرأت عن القمع الذي يمارس بحق المعارضين أومن يتم اعتبارهم كذلك هناك، وهو القمع الذي يخف حينا ويشتد أحياناً.
قبل أيام نبهني زميل لقصة الفتاة السورية “طل الملوحي” ذات التسعة عشر عاما والطالبة في السنة النهائية بالمرحلة الثانوية. تكتب طل في مدوناتها الثلاثة عن أشياء عامة وبريئة، إحدى المدونات خصصتها لتبعث فيها برسائل للإنسان.. نعم رسائل تكتبها للإنسان في المطلق، وتذكره بالكوارث الطبيعية وبظلم القوى الكبرى ضد الشعوب المضطهدة أو تحدثه عن الجمال والطبيعة مثلا. وفي مدونة أخرى تهتم أكثر بقضايا فلسطين (أظن أن هذه من اهتمامات نظام دمشق ؟؟)
وفي ثالثة تكتب عن التاريخ والغزل والأطفال والمرأة وتضمنها بعض أشعارها……
فجأة وفي 27 ديسمبر كانون أول 2009 جاء العسكر لبيت الفتاة “لسؤالها عن مقال كانت كتبته ووزعته على الإنترنت” وعادوا ليصطحبوها حاملين معها هذه المرة (جهاز الكومبيوتر الخاص بها ومتعلقاته) ثم.. لا شيء البتة! الأهل سعوا للبحث عنها في كل مكان بلا جدوى. فقط تخيل أن ابنتك أو شقيقتك حبيسة مكان ما مجهول لديك ، لكنك تعرف فقط أنه تابع للأجهزة الأمنية المعروفة بأخلاقها العالية.
في نهاية فبراير يصدر بيان على الانترنت يحوي تفاصيل ضبابية عن اختفاء الفتاة ومناشدة للإفراج عنها لاقتراب مواعيد امتحانات الشهادة الثانوية!
لقد تصفحت مدونات الفتاة طل عليّ أعثر على شيء أفهم به ولو من بعيد سبب اعتقالها فلم أجد. فقط وجدت صورا لغاندي وأردوغان وبعض شهداء حركة المقاومة في فلسطين( هل سببت هذه الصور غيرة أحد مثلا؟ …ربما تدوينة أو لنقل بوست الغزل هو السبب!)
يبدو أن أجهزة الأمن في سوريا ممسوسة بخوف متردد من التكنولوجيا، أذكر في سفرة سريعة هناك 2004 أنني استخدمت الانترنت في إحدى المحال فطلب مني مسؤول المكان أن أدون البريد الاليكتروني الخاص بي بجوار رقم جواز السفر ثم المواقع التي سأزورها-كيف سأعرف ما قد يلوح لي زيارته بعد دقائق!، ولم اندهش عندما علمت بتوقف خدمات بريد الياهو فيما بعد، أو بما قالته د. بثينة شعبان، ، من أن منع موقع الفايس بوك راجع لاستخدام الموساد له في تجنيد شباب سوريين للإضرار بمصالح الوطن، ولم أضحك بقدر ما ضحكت عندما وجدت حسابا للسيدة شعبان على الفايس بوك نفسه بعد هذا التصريح بقليل! وليس خفيا أن إحدى “أبسط” مهارات الانترنت في سوريا الآن هو كسر الحظر على عشرات المواقع باستخدام البروكسي- حفظه الله.
أتمنى أن يضع المهتمون وناشطو الانترنت رسالة موحدة بالعربية لتوجيهها لكل من يعنيه الأمر وحتى رسائل مناشدة للوزارات والهيئات السورية، وأخرى بالإنجليزية لكشف ما حدث من جريمة في حق فتاة عربية لم تفعل سوى أنها كتبت رسالة لأخيها الإنسان تقول له أن الظلم حرام!
واطمئن المنظمات المعنية بحقوق الرأي والتعبير أن قضية تلك الفتاة ليس فيها أي مساءلة أو اختصام لسفارة دولة تتلقون منها تمويلا؛ فلا تخافوا ولا داعي للتهرب والصمت المفضوح.
– طل بنت دوسر الملوحي، مواليد مدينة حمص عام 1991
– مدونات طل:
http://latterstal.blogspot.com/
http://palestinianvillages.blogspot.com
http://talmallohi.blogspot.com