وظيفة مفترضة برسم جنبلاط
جورج علم
تشير عقارب الساعة السياسيّة في لبنان الى أن موعد زيارة الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط الى دمشق لم يعد مهمّا، ويرى رئيس الهيئة التنفيذيّة في القوات اللبنانيّة الدكتور سمير جعجع أن ما بعد الزيارة هو الأهم انطلاقا من أي دور سيلعبه جنبلاط مستقبلا؟.
وظهرت أولى المؤشرات من خلال الاتفاقيّة الأمنيّة التي أبرمتها وزارة الداخليّة مع السفارة الأميركيّة في بيروت إبان حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في العام 2008، وهي تلحظ بنودا عدّة، بينها هبة ماليّة لا تتجاوز الخمسين مليون دولار لتزويد قوى الأمن الداخلي ببعض الأسلحة والمعدات مقابل خدمات في شبكة الاتصالات، تحت شعار التعاون لمكافحة الإرهاب.
وكانت دوائر المعلومات عند حزب الله قد استكملت تقصيّاتها، قبل أن يدفع بالملف الى إحدى الصحف المحليّة التي كشفت النقاب عنه تحت عنوان كبير: «السفارة الأميركيّة تتجسسّ على كلّ لبنان». وكان للخبر وقعه، وتحرّكت أجهزة الدولة، وتطرّق مجلس الوزراء الى الموضوع، فيما بدأت التحقيقات على مستوى اللجان النيابيّة، وارتفع منسوب التباينات في وجهات النظر والاتهامات بين فريقي 8 و14 مارس/ آذار بعدما تبيّن ان مسلسل الوقائع المتصلة بالاتفاقيّة قد ترابطت حلقاته في زمن القطيعة والمقاطعة بين رئيس الجمهورية السابق آميل لحود وحكومة الرئيس السنيورة.
وتشير أصابع الاتهام راهنا الى ان الحكومة أقدمت عندما كانت متهمة يومها من قبل فريق الأقليّة بأنها غير ميثاقيّة وغير شرعيّة بعد استقالة وزراء الشيعة الخمسة منها، والوزير الذي كان مقرّبا من رئيس الجمهوريّة، وإن الاتفاقيّة قد أبرمت في زمن تمادي السياسة الأمريكية في دعم الرئيس السنيورة وحكومته في مواجهة السياسة السورية التي كانت متمثّلة يومها بالرئيس لحود، وحزب الله، وسائر قيادات قوى الأقلية.
وتدور حاليّا مواجهة سياسيّة جديّة، ذلك أن نوابا في الأكثريّة يؤكدون بأن سوريا وحزب الله يقفان وراء عمليّة تسريب هذه الاتفاقية الى وسائل الإعلام لمحاكمة مرحلة سياسية سابقة كان النفوذ السياسي الأميركي طاغيّا خلالها، ولتوجيه رسالة عاجلة الى الولايات المتحدة مفادها ان ما كان جائزا مع حكومة الرئيس السنيورة لم يعد كذلك مع حكومة الرئيس سعد الحريري، وإن التعاطي الأمريكي المباشر مع الحكومة اللبنانيّة غير مرحّب به، وإن أي دور أميركي في لبنان يجب أن يمرّ حكما عبر دمشق، وبالتنسيق معها.
ويرد نواب في الأقلية بأن الاتفاقية تظهر مدى تورّط قوى الأمن الداخلي في تنفيذ الرغبات الأمريكيّة في عهد حكومة الرئيس السنيورة، وإن الاتفاقيّة أجازت للولايات المتحدة الاطلاع على كامل أسرار الدولة من خلال شبكة الاتصالات، وغرضها في ذلك الإمساك بملف المحكمة الدوليّة كي يأتي القرار الاتهامي الذي قد يصدر عنها متطابقا لما سبق أن نشرته مجلّة دير شبيغل الإلمانيّة قبل أشهر عدّة عندما أشارت يومها الى ضلوع حزب الله في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وذلك لوضع الحزب مجددا في دائرة الاتهام، وتأليب الرأي العام اللبناني والعربي ضدّه، وتأجيج نار الحرب الأهليّة والمذهبيّة، وتعريض وحدة لبنان للخطر.
ويبرز عنصر جديد مكمّل لهذا المشهد المربك، ففيما كانت التحقيقات مستمرة، والاتهامات متبادلة بين الأكثرييّن والأقلويّين على خلفية الاتفاقية ومراميها، أطلّ الوزير السابق وئام وهاب من الرابيّة مقر العماد ميشال عون، وبعد اجتماع مطوّل معه، ليهاجم رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ويطالبه بالاستقالة فورا.
وأثار موقف وهّاب موجة من ردود الفعل الشاجبة لأن في الذاكرة السياسيّة اللبنانية قناعة مفادها ان وهاب يعكس حقيقة الموقف السوري من الرئيس سليمان، وعندما يتحدّث فمعنى ذلك انه ينقل وجهة النظر السوريّة من هذا الموضوع او ذاك، كونه الشخصيّة المعتمدة عمليّا من قبل دمشق للتعبير عن مواقفها وتوجهاتها من المسائل والقضايا المطروحة او المتفاعلة على الساحة اللبنانية، لذلك جاءت ردود الفعل على موقفه الأخير من رئيس الجمهوريّة لا لتنال منه بقدر ما تتعدّى شخصه الى الجهة التي تدعمه، ويستمد منها دوره ونفوذه على الساحة السياسيّة الداخليّة – أي دمشق – التي سارعت عبر حلفائها الى التنصل من الموقف هذا.
وبمعزل عن هذا الرياء السياسي الذي يتحكّم بغالبية المواقف والتوجهات المعلنة او المتداولة، فإن ردود الفعل المدافعة عن رئيس الجمهوريّة ومواقفه، قد كشفت النقاب عن مجموعة من الحقائق، أولها: أن الرئيس سليمان لم يضع كامل رصيده بعد في السلّة السوريّة كما فعل قبله كلّ من الرئيس الراحل الياس الهراوي، والرئيس السابق آميل لحود، وإنه منذ زيارته الى الولايات المتحدة الاميركيّة لغاية تاريخه لا يزال عرضة للتشكيك في مواقفه وتصرفاته من قبل القيادة السوريّة وحلفائها في لبنان، لأنه من غير المقبول أن يحافظ على وسطيته وتوافقيته، بل يفترض به أن ينفّذ ما تطلبه دمشق منه.
أما الحقيقة الثانيّة فيعبّر عنها في بيروت بالقول بأن سوريا تريد من رئيس الجمهوريّة ومن كافة المسؤولين اللبنانيين جعل لبنان ملحقا بالمحور السوري – الإيراني، وإنه بعد القمّة التي عقدت في دمشق بين الرئيس بشّار الأسد، والإيراني أحمدي نجاد، والأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، لا مكان للوسط والوسيطة في لبنان، ولا مكان للتوازن ما بين المحورين السلمي والرفضي، ولا للسياسة الامريكيّة من جهة، والدور السوري – الايراني من جهة أخرى، بل يجب ان يحسم لبنان أمره بدولته وجيشه وشعبه ومقاومته بأنه مع الرفض ومع المحور الإيراني – السوري. ولذلك كان الهجوم على رئيس الجمهورية الذي دعا طاولة الحوار الوطني الى الانعقاد لبحث الإستراتيجيّة الوطنية الدفاعيّة، لأن حلفاء دمشق قد تعاطوا مع هذه الدعوة وكأنها ردّ مباشر على قمّة دمشق.
أما الحقيقة الثالثة المستخلصة من الهجوم على الاتفاقية الأمنية اللبنانية – الأمريكيّة، الى الهجوم على رئيس الجمهورية فتتمحور حول غرضين: النيل من مصداقيّة المحكمة الدوليّة الخاصة بلبنان، والهجوم الاستباقي على أي قرار ظنّي قد يصدر عنها، والقول مسبقا بأنه قرار أمريكي مسيّس بامتياز والغرض منه استهداف سوريا وحزب الله. ثم مواجهة الدور الأمريكي المباشر في لبنان وسعي دمشق الى إبرام صفقة مع واشنطن على حساب لبنان كما كان الأمر إبان عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد.
وأمام تدافع هذه الحقائق وما يساورها من شحن سياسي، ومن مواقف نارية متبادلة ما بين قوى الأكثريّة والأقليّة، يصبح وليد جنبلاط القيادي المغمور من قبل دمشق إذا ما تعهد ضمنا بان الدور المستقبلي الذي ينتظره على الساحة اللبنانيّة هو التصويب على المحكمة الدوليّة، وعلى قوى 14 مارس/ آذار، خصوصا المسيحيّة منها، وعلى كل شخصيّة لبنانيّة سواء في الحكومة والحكم او خارجهما لا تمتثل للإرشادات والتوجهات السوريّة سواء المتعلّق منها بالشأن اللبناني الداخلي او بموقع لبنان على الخريطة السياسيّة في المنطقة والعالم.
وجل المطلوب أن يكون لبنان مرآة للمحور الإيراني – السوري – حزب الله – حماس، وأن تتفاعل على ساحته مواقف هذا المحور وتواجهاته ضد السياسة الامريكيّة وحلفائها في المنطقة.
السفير