أي لغة تتحدث الصواريخ؟
سعد محيو
كل خطاب هيلاري كلينتنون أمام لوبي “إيباك” الصهيوني القوي في واشنطن حول أهمية السلام ل”إسرائيل”، كان لغواً لاطائل من ورائه، ما عدا نقطة واحدة: الصواريخ التي تُهدّد المدن والمدنيين “الإسرائيليين” .
وكل خطاب بنيامين نتنياهو أمام اللوبي نفسه حول الأمن والسلام، وحتى “حق” إعادة بناء القدس كما كانت قبل ثلاثة آلاف سنة، لغو لا طائل من ورائه، ما عدا نقطة واحدة: ال40 ألف صاروخ في حوزة حزب الله .
فما هو في الميزان في كلا الخطابين؟ هو في الواقع تنافس بين منطقين: المنطق اللفظي الذي يتحدث عن قضايا هوائية لاجذور لها على الأرض (كأولوية السلام)، والمنطق الواقعي “النفّاث” المُتجذر في الأرض والمُخترق لسماء المدن “الإسرائيلية” .
كل كلام هيلاري عن المخاطر التي تتعرض إليها “إسرائيل”، على الرغم من الالتزام الأمريكي القوي كالصخر بأمنها، والتي تهدد على المدى الطويل كيانها كدولة يهودية آمنة وديمقراطية، لم يحرّك ساكناً لدى السبعة آلاف مندوب الذين تدفقوا على مؤتمر “إيباك” لإعلان دعمهم المطلق ل”إسرائيل” . وحده إعلانها بأن تطور تكنولوجيا الصواريخ غيّر المعادلات وطبيعة الأمن في المنطقة، وبات يفرض على “إسرائيل” “خيار السلام الصعب”، هو الذي جعل رؤوس هؤلاء تشرئب وحواجبهم ترتفع .
وكلام نتيناهو الفخيم عن عظمة فرانكلين روزفلت وونستون تشرشل اللذين أنقذا العالم لكنهما فشلا في إنقاذ ستة ملايين يهودي، وبالتالي عن حق “إسرائيل” في الدفاع عن نفسها وعن اليهود، قوبل بالتصفيق الحماسي والعاطفي في المؤتمر . لكن، حين أشار نتنياهو إلى التهديد الصاروخي الذي يفرضه حزب الله على “إسرائيل”، اشرأبت الرؤوس وارتفعت الحواجب مرة أخرى .
هل ثمة حاجة لتفسير مايعنيه ذلك؟ حتماً لا . فهذا هو القانون الحديدي الذي تخضع له كل المجتمعات البشرية منذ ولادة الحضارات قبل عشرة آلاف سنة وحتى الآن: موازين القوة وسياستها .
ولهذا، فإن “إسرائيل” بقيت على أرض جنوب لبنان منذ العام 1978 ولم تفكّر في الانسحاب منه العام 2000 إلا حين باتت خسائرها مع المقاومة أكبر من أرباحها من الاحتلال . وقبل ذلك، لم تكن “إسرائيل” لتفكّر في الانسحاب من سيناء وجزء من الجولان لولا حرب أكتوبر ،1973 ثم من غزة في التسعينات، لولا أن الأكلاف باتت أكبر من الأرباح .
الآن، تُواجه الدولة الصهيونية سؤالاً مُماثلاً: هل الحرب مع لبنان وغزة، وربما أيضاً سوريا، لإعادة فرض الهيمنة العسكرية “الإسرائيلية” في المشرق العربي، تستأهل تعريض المدن “الإسرائيلية” مجدداً إلى الأمطار الصاروخية الغزيرة؟
هيلاري أجابت بالنفي ودعت “إسرائيل” إلى الاتعاظ والتأقلم وانتهاج خيار السلام . لكن نتنياهو لايبدو مستعداً لا للاتعاظ ولا التأقلم ولا للتحوّل إلى حمامة سلام . العكس بدا صحيحاً في مؤتمر “إيباك”، خاصة حين تطرق إلى حزب الله بوصفه يُشكّل “تهديداً وجودياً” ل”إسرائيل” ولكل يهود العالم .
وبالطبع، لا حل للتهديد الوجودي سوى بحلول عسكرية تطال وجود الطرف الآخر .
بكلمات أوضح: نتنياهو يبدو مُصمّماً على تجربة حظّه مع الحسم العسكري في المشرق، بدلاً من اختبار الحسم السلمي الذي تقترحه كلينتون . فهل ينجح؟
القانون الحديدي لموازين القوة هو الذي سيجيب عن هذا السؤال . وهذه المرة ستنطق الإجابة بلغة الصواريخ في تل أبيب وبقية المدن “الإسرائيلية” .
الخليج