صفحات ثقافية

بيت بمنازل كثيرة

null
عبيدو باشا
ألو: 262019/03
البارحة: لم اعط اهمية بالغة للفروقات بين الحياة والموت. البارحة، لم اخضع لتأثير الحوادث الماضية. ولا الى البنى السياسية المعمرة في حمى الانتخابات المنتظرة. اضحى البارحة بعدما خرجت على اقامة الاحياء في عالم الاحياء وعلى اقامة الاموات في عالم الاموات وعلى اقامة الاشباح بين عالمي الاحياء والاموات. البارحة: لم اعدّل مزاجا ولم انتقد تجاوزا على الرغم من كثرة التجاوزات في بلاد لا تزال اوضاعها الداخلية والاقليمية رهنا بما لا يتوقعه احد.
البارحة: وقفت لحظة بين القوتين المتنافستين في عالم الاحياء والاموات. اخذت هاتفي الخليوي، رفعته الى عيني. ثم طلبت رقم منصور الرحباني. لم انتظر شيئاً. انتظرت ان يأخذني الاتصال الى الفراغ. انتظرت ان يأخذني الاتصال الى اللاشيء. توقعت ان يردّ مجيب شبكة الهاتف الخليوي بما يردّ به حين يسكّر المشترك هاتفه الخليوي: هذا الخط خارج الخدمة. غير ان ذلك لم يحدث. غير ان ذلك لم يحصل. فتح خط منصور الرحباني على دقته القديمة. دقته هي هي، دقة الهواتف الخلوية كلها. الفرق بين دقة ودقة ودقة هي في الرقم المطلوب. ارقام مختلفة تؤدي الى دقة واحدة تتردد في كل الاجهزة الخليوية وفي الآذان المنتظرة.
طلبت منصور الرحباني على رقم 262019/03. طلبته بضربة واحدة. ثم وضعت الخليوي على اذني. دقّ الخط بلهجة هي غير لهجات الهواتف الخليوية الاخرى. هواتف متشابهة بخطوط متشابهة بدقات متشابهة. بيد ان الرد جاء بالتزام الرجل الكبير الضخم، الولد الطيب، بالمتصلين به. ردّ الرجل الطيب عليَّ بصوته الاعرض من ايّ اذن دقيقة او غليظة. سأل عن مروان وغدي واسامة. انقل اليهم سلامي. بذا افتتح ردّه. واعطف كلامي على مخيلتك. قل لهم ان خيالك قادك اليّ وقادني اليك. وان خيالك قادك الى سباتي بوضعية يعرفها كثيرون: نائم على ظهري. يداي متشابكتان على صدري، بعينين مغمضتين. بعينين بلا بصر، بعينين ببصيرة ولا بصيرة زرقاء اليمامة. قل لهم ان خيالك قادك الى السؤال عنهم باسمي. وهم يدركون ان ضروب المخيلة هي مضارب الحقيقة/ الحقيقة. قل لهم: انني لا ازال محجوباً بهدوئي المستتب. قل لهم انني لا ازال هناك: فوق. ارى ولا ارى. ارى الدماء المراقة في البلاد. المراقة في هذا العنف. عنف ليس حربا اهلية ولا حرب عصابات. ارى الامة، ارى السلطة. وارى ان لا امة في سلطة ولا سلطة في امة. وخصوصا بين احتمالين: الفوضى المشوشة او التدمير.
روحي ترفّ بطلاوة وتشاكل يقع في التألف. انني – هنا الآن – اؤكد ان الاتصال يولّد اللفظ. جماليات اللفظ اكيدة. هنا تكتشف الجماليات بلا اثر سيىء. لا حد لشيء في عالمي الجديد. ليست هذه قضية اصطلاحية. بالعكس. لذا: اللغة هي قلبي. اللغة هي روحي، اللغة بأصواتها الدالة في حقل مبني من بنى صوتية. لن اراقب من خرم ابرة او من ثقب سرّي. لا خوف. خبرت الخوف سابقا. وبتّ املك الدراية بمتعة المراقبة في الظلام. انها لعبة محزنة ومفرحة في آن واحد. ان ترفّ روحك فوق الاولاد. هم ثلاثة واكثر. هم اربعة ملايين وثلاثة. كلما تلصصت عليهم أُصبتُ بالمتعة اولا. ثم: بالرجفة. انه سر الاسرار في حشوة الوجود الاخير وفي شبابيك الذهن المتقدة. ثمة اضواء كاشفة بلا منائر. لا منارة، لا منارات هنا. الأهم: لا لقطات بعيدة. لا علاقة لذلك بالأوهام. الاحتمالات لديَّ حاضرة وملموسة وغير مرئية. الله في اليد. غير انه كالألم. تحس به. ولكنك لا تراه. لا نعوت ولا بيوت ولا حارات ولا فنادق. صفاء كغرفة واحدة. كملعب كرة قدم صمِّم خصيصا لكي تلعب الآلهة فيه. انني ارى فصول انحدار الانسان الدائمة. لن يكفّ احد عن ايلام الآخرين. غابت ألعاب الحب في مصلحة تعاظم مخالب الوحوش المغروزة بالمشاعر لا باللحم. كبيرة قدرة الناس على دوس مشاعر الآخرين. كبيرة قدرتهم على قتل بعضهم في كل ثانية وكل زاوية وكل ارض. ذئاب لا تعترف بقانون الرحمة في غابات الخداع والكراهية والنفاق. كل انسان قاتل. هذا مشروعه. الاطفال في كل محرقة. كأننا سلالة تنحدر من آلة متوهم خائن. لا امراض هنا. هنا: لا هشاشة عظام ولا نقص في هرمونات النمو ولا اوجاع ولا تشوهات. هنا: عضلة الذراع غيمة. الانف هرم. العين نبع. الروح ماء. لا اشجار يابسة هنا. لا ضياع. منصور الرحباني حرّ هنا بفصول اربعة في فصل واحد. لا ازمات ولا تعب ولا التهاب رئات وتعب. لا اجراس انذار. لا خوف. سنوات الحصار لا تخيف. سنوات الضياع لا تخيف. لا جهنم في ساعة الظهيرة. لا غش، لا خداع. ولا صيادين مقهورين يبيعون السمك. اشتاق الى سمك الشبوط. اشتاق الى الصليب الصغير في المكتبة بغرفتي الصغيرة. اشتاق الى الاولاد. اشتاق اليهم. منصور الرحباني وتيريز يشتاقان الى اولادهما. اراهم يقلّبون صورنا كما لو انهم يقلّبون ايامهم المقبلة. لست حزينا. الكل حزانى. لست حزينا. لا بعوض سياسة ولا حشود مسهلة بحب الزعماء وسرية الوثائق. لا العاب حرب وسلام يقودها عقل مدبّر للوجود. انا منصور الرحباني، سحبت السكاكين من احاسيسي. في ذاكرتي قُبل وارهاق وتوتر وخوف. في ذاكرتي: نعيش مرة واحدة. ولكن، ليس على الارض. يا اولاد: لا يفترض بالولد ان يشابه اباه. انه يشبهه، بالانوار الساطعة بالرأس، بالانوار الساطعة من الرأس. الشبه بالتنوير. هذه هي الصلة بين اب وابن، بين اب وولد. هذه هي الصلة فقط. هذه وصيتي لأبطال التجربة والمجال.

ألو ألو
البارحة: لم اعط اهمية بالغة للفوارق بين الحياة والموت. البارحة: وقفت لحظة بين القوتين المتنافستين في عالم الاحياء والاموات. طلبت منصور الرحباني. لم انتظر شيئا، حتى جاءني الصوت بلا مجيب صوتي، قبل ان يغيب الصوت كما يغيب الصوت. دائما اطلب الارقام لكي لا تجيب. بيد انها تجيب. الرقم: 926201/03 الرقم 372717/03 رقم سمير قصير. ورقم جوزف سماحة: 743331/03 . ارقام من اشتغلوا على التحرر من الخوف والاضطهاد في مصلحة الحرية. قوّي قلبك وهجوم يا بتوصل على الموت يا بتوصل عالحرية. منصور الرحباني في حريته الاكسترا اليوم. الو:  262019/03؟
لم أمح ارقامهم، لكي لا تُمحى اجزاء من حياتي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى