اتحاد الكتاب العرب يخوّن مبدعيه
محمد ديبو
يتحسرالمثقفون السوريون اليوم بتهكم شديد المرارة على الكاتب علي عقلة عرسان الذي احتل منصب رئيس اتحاد الكتاب العرب لسنوات عديدة, بعد أن رؤوا ما رؤوه من خلفه الجديد “حسين جمعة”, فعلى الأقل كان عرسان “مثقفا وكاتبا” وفق مايقول أحد المثقفين بينما الرجل الجديد “دخيل” على الثقافة ومتطلباتها, إلى حدود أن يصل الامر به إلى نفي صفة “الكاتب” عن الراحل سعد الله ونوس, مانعا راتبه التقاعدي عن عائلته, وإلى تخوين الكتاب واتهامهم بترويج الجنس والرزيلة, متخذا من المقاومة والدفاع عنها مطية له ولاتحاده.
كلما جلست مع مثقف تسمع المثل القائل ” مابتعرف خيرو حتى تشوف غيرو”, وذلك ليس لأن علي عقلة عرسان كان يمثل طموحاتهم, فالرجل طرد أدونيس من اتحاد الكتاب العرب, وشخصن المؤسسة باسمه, محولا إياها إلى مؤسسة تابعة, وجعل من الرقابة قيدا على أعناق الكتاب…ورغم كل ماسبق يكتشف المثقفون أنهم هربوا من تحت” الدلف إلى تحت المزراب بكل عفونة مائه وقذارتها, هذا ما تؤشر إليه المذكرة الصادرة مؤخرا عن اتحاد الكتاب العرب حول جائزة البوكر للرواية العربية وجائزة نجيب محفوظ للجامعة الامريكية في القاهرة حيث وصلت المذكرة إلى حد التخوين والتكفير والاتهام بالعمالة, متهمة جهات ثقافية بالتطبيع, وفاتحة الطريق بذلك لمحاكمة الكتاب الذين فازوا بهكذا جوائز عبر تهيئة الارضية الازمة بعد رفع وصايتها عنهم.
ما جاء في بيان الاتحاد يثير أسئلة متعددة, منها مايتعلق بماهية الثقافة التي تجعل مثقفا يكفر مثقفا, وتجعل من مثقف وصي على مثقف آخر, و تشير إيضا إلى العلاقة اللاشكالية بين السياسي والثقافي, و إلى مدى الاسفاف الذي وصل إليه الاتحاد في علاقته مع محيطه ومثقفي بلده, علاقة تقوم على الاقصاء والتهميش والتكفير بدل أن تكون علاقة قائمة على الحوار والندية والتفاعل, إضافة إلى الاسفاف في إطلاق التهم التي لاتصمد أمام أي واقع أو قارئ يستطيع أن يشغل جزءا ضئيلا من عقله, تهم لايمكن لجاهل مهما تدنى مستوى ذكائه أن يطلقها, منها مثلا اتهامه السيدة “ساشا هافليسيك” التي أسست النسخة العربية من البوكر بالتعاون مع جمانا حداد بأنها” تدير برنامجا يسمى نساء بلا حدود أي نساء دون هويات وطنية أو قومية”.
لنسأل : كيف استنتج الاتحاد أن “نساء بلا حدود” تعني نساء بلا هويات وطنية!! ..وبهذا المنطق تصبح مؤسسة “أطباء بلا حدود” التي تقدم الدعم لكل المحتاجين في العالم هي جميعة مشبوهة وبلا هوية وتصبح جمعية “صحفيين بلا حدود” التي تدافع عن الصحفيين في كل انحاء العالم هي صحفية مشبوهة, ويصبح كل ماله علاقة بالحدود المفتوحة هو رزيلة ينبغي محاربتها, ليغدو السؤال أيضا : كيف تحيا ثقافة تتقوقع على ذاتها؟ وكيف تنمو؟
وفي بيانه شن الاتحاد هجوما على الجوائز العربية مجتمعة, من البوكر إلى جائزة نجيب محفوظ وبيروت 39″, إضافة إلى الجامعة الامريكية في بيروت وموقع كيكا ومجلة بانيبال ومجلة جسد والشاعرة جمانا حداد وصموئيل شمعون…
ويرى اتحاد الكتاب في جائزة البوكر بنسختها العربية أنها تشجع “الروايات المهمومة بالجنس والاقليات والطوائف والاثنيات وقمع المرأة وظلامية الاسلام وخطره وعيوب المجتمع العربي على اختلافها”.
ويرى ان الجائزة ترفض كل الروايات التي تعارض التطبيع والحوار مع الآخر أي الحوار الاستراتيجي( دون أن يشرح لنا عما يعنيه هنا بالحوار الاستراتيجي), ناسيا أو متناسيا أن هناك العديد من الروايات التي وصلت قوائم البوكر(سواء الصغرى أو الكبرى) تخرج تماما عن هذا التصنيف, بل يمكن القول أن رواية “واحة الغروب” لبهاء طاهر, التي فازت بجائزة البوكر في دورتها الأولى ليس بها اي كلام عن الجنس أو أيا من الصفات التي وسمها اتحاد الكتاب بجائزة البوكر.
ويضاف لذلك أن هناك روايات تتبنى خيار المقاومة على عكس مايروج الاتحاد في بيانه, ومنها رواية “أرض اليمبوس” للروائي الأردني الياس فركوح, هذه الرواية التي تستحضر القدس بكل تاريخها وتفاصيلها.
وأما عن جائزة نجيب محفوظ التي تمنحها الجامعة الامريكية في القاهرة فيرى البيان أن المشرف عليها “ديفيد أرنولد” هو رجل يشجع الروايات الجنسية تحديدا, وعمل (ياللتهمة!)على تدريس رواية محمد شكري “الخبز الحافي” المعنية باللواطة تحديدا بوصفها وجها من وجوه الحياة الاجتماعية في مدينة طنجة”.
هكذا يختزل اتحاد الكتاب واحدة من أعظم الروايات العربية إلى مجرد جنس!
ويتهم جائزة محفوظ , بما ليس فيها, متناسيا أن الجائزة ذهبت إلى أعمال مرموقة وحازها كتاب يأتي رصيدهم الأدبي من أنهم لم يمروا يوما بهكذا اتحاد, ولم يخضعوا لشروطه.
وتصل اتهامات اتحاد الكتاب إلى مشروع “كتاب في جريدة” الذي يصدر بالتعاون مع عدة صحف عربية, هذا المشروع الذي يضع بين يدي قراء العربية أهم الاعمال الأدبية لاعظم كتاب العربية, حيث يرى بيان الاتحاد أنه يروج للجنس وللأقليات العربية وظلامية المرأة وغيرها..متناسيا أن “كتاب في جريدة” أصدر أعمالا لنجيب محفوظ وحنا مينة وطه حسين و نبيل سليمان وهاني الراهب, وجمال الغيطاني.. والاكثر مفارقة أن هذا المشروع نشر أعمالا لكتاب أعضاء في اتحاد الكتاب ومازالو على قائمة أعضائه!!
ووصل الامر في اتحاد الكتاب وبيانه إلى اتهام موقع كيكا و مجلة بانيبال التي قدمت الادب العربي إلى اللغة الانكليزية عبر اختيار ترجمات لكتاب عرب وجدد متهمة إياهما بنشر نصوص تعمل على اختراق “الحدود والسقوف”..ولنا هنا ملاحظة التناقض الذي يقع فيه البيان, إذ بينما هو يشتم كيكا وبانيبال, يقول أنهما تتجاوزا “السقوف والحدود”, ونحن نعلم أن كل أدب يتجاوز السقف والحد هو أدب جيد وجريء, ولكن يبدو أن اتحاد الكتاب تكلس وتهرأ وتحنط داخل قوقعته داخلا في سبات ثقافي عميق.
ومن جهة أخرى, أثار بيان الاتحاد حفيظة العدد الكبير من المثقفين والصحفيين, إلى درجة أن وصل الامر ببعضهم – متهكما طبعا- إلى مطالبة الاتحاد بمحاكمة الكتاب طالما يعتبرهم خائنون لأوطانهم!,
ختاما, يمكن القول أن اتحاد الكتاب يعيش من دون كتاب, خاصة أن أغلبهم طلق اتحادهم إلى غير عودة , وربما تأتي أهمية هذه الضجة لتذكر الكتاب بأن لهم اتحادا, مما جعل البعض يتهكم ان الاتحاد افتعل تلك الضجة متعمدا ليقول : أنا موجود
موقع الف الالكتروني