الجنس و الجنس الآخر !
أن لم تكن ، عزيزي القارئ ، انثى شرقيّة فأنت غالبا ً لن تفهم تماما ً ما أقصد عندما أقول “ مضايقات “ تتعرّض لها الإناث في الأماكن العامة ، فأنت و إن سمعت عن تلك المضايقات ، فأنك غالبا ً لم تختبرها . لم تختبر شعور أن تسير في الطريق و أحدهم يرافقك كظلّك ،يراقب كلّ حركة تقوم بها و يعلّق عليها بشكل ٍ مزعج ٍ ، لم تتعرّض للـ “ قرص “ في أي ّ مكان مزدحم كالباص أو كوّة دفع الفواتير أو الأماكن التي “تـضيع ُ في الطاسة “ كما يقال . و أنت غالبا ً لا تعرف معنى الأحراج التي تتعرّض له الفتاة عندما يهمس أحد المارين بالقرب منها بتعابير جنسيّة و يبتسم لرؤيتها تخجل و تتلبّك و “ تحمر و تخضر “ . و لا تعرف الرعب النفسي الذي يرافق إلخروج من المنزل في ساعة متأخرة دون مرافقة ذكوريّة . كما أنـّك لم تتعرّض إلى مواقف مخجلة و مزعجه و حرجة يتفنن فاعليها بتطويرها كلّما زاد كبتهم الجنسي.
أمـّا أنا و لأنني أنثى تعرضت ُ لبعض المضايقات المذكورة سابقا ً من “ تلطيش “ و “ ترهيب “ نفسي ّ بالنظرات المزعجه فقد لطالما راودتني تساؤولات عن الشهوات الجنسية الظاهرة التي نراها في كلّ مكان في البلاد العربية و التي لم تعد غريبة ً أو معيبة ً بل باتت أمرا ً عاديّا ً تعرفه ُ جميع الفتياة و تتعايش معه و كأنـّه ُ أمر ٌ طبيعي ّ في حين أنّه أمر ٌ غير طبيعي ّ و غير عادي و غير مقبول و شاذ و خارج عن جميع القوانين و القواعد الأخلاقيّة و الدينيّة و البشريّة و الإنسانيّة . و من غير الطبيعيّ أيضا ً أن تخشى الإناث من الذكور كما تفعل الإناث في بلادنا ، فالذكور ليسوا ذئابا ً ذات أنياب حادّة ، إنما هم بشر ٌ كبقيّة البشر و لكن ّ مشكلتهم هنا هي الكبت الجنسي الذي يفرضه المجتمع عليهم كما يفرضه مضاعفا ً على قرائنهنّ من الإناث .
إنّه لمن المؤسف و المحزن أن ّ الصورة المألوفة للرجل العربي في العالم أنـّه “ زير نساء “ لا يشبع يتزوّج عدّة مرّات كي يرضي رغباته الغير منتهية.
و لا أجد ُ في هذا مبالغة ً أو ظلما ً إلّا لقلّة قليلة ٍ من الشباب العربي فالغالبيّة العظمى تعكس هذه الصورة سواء عن طريق حياتها اليوميّة في الشوارع و الباصات و غيرها أو على الإنترنت الذي ما أن ّ تدخل إلى أي ّ من مواقع البحث و تبدأ بأي ّ بحث ٍ في اللغة العربية لتحصل على عدد لا بأس به من الأمور المتعلقة بالجنس سواء من خيارات البحث او نتائجه .
كلّ هذا و نحن ُ مازلنا ندافع عن ذلك بمهاجمة الرجل الغربي و أسلوب حياته.
فلندع الرجل الغربي جانبا ً ، و لننظر في أصل المشكلة !
على الصعيد الشخصي لا أعتقد بأن ّ الرجل الشرقي ( العربي ) يختلف عن أي ّ رجل آخر في العالم إلّا بما يعانيه من كبت جنسي ؛ الكبت لجنسي الذي تعاني منه ُ أغلب الدول العربية و الذي نراه ُ مستفحلا ً في الدول الأكثر محافظة ً يجعل من الجنس ( الممنوع ) مـرغوبا ً و مادة إكتشاف لدى الجنسين في كثير من الأحيان لحالات ، لكن لا يصل إلينا عن الإناث سوى بعض الروايات في صبحيات النسوان و بعض الروايات الأخرى في صفحة جرائم الشرف في الأخبار و لكن يمكن ملاحظة ذلك بين الحين و الآخر من خلال إعلانات غرف الشات في المنتديات النسائيّة و المنتديات نفسها و الحب الذي يتعدّى مرحلة الإعجاب بشخصيّة مشهورة للمثلين و فنانين عربا ً كانو أو أجانب ، إعجاب يصل إلى حدود “ الهوس “ بتلك الشخصية و الغيرة عليها و و الدخول في الشجار لأجلها و لأجل الدفاع عنها و كأنها أحد أفراد العائلة ( بل و أفضل من أفراد العائلة في بعض الحالات )، كما يمكن ملاحظته من خلال أكثر من طريقة سوف لن أدخل فيها جميعا ً كي لا أغرق بتشعّب أفكاري .
و أعتقد بجميع الأحوال أن ّ هكذا نتائج هي أمر متوقع من خلال ما يتم ّ ممارسته من كبت على كلا الجنسين . فالبعض لم يتعامل يوما ً مع “ الجنس الآخر “ . بعض الذكور لم ير َ من النساء في حياته إلّا ما تعرضه الفضائيات من “ صدر “ هيفاء و هبي و “ شفتا “ إليسا و “ مفاتن “ روبي و “ مياعتهنّ “ جميعا ً مع زميلاتهن ّ ممن لم أذكر أسمائهن ّ، عودة ً للمثال فمثل هكذا شخص سينشأ لديه ، بالإضافة إلى الحاجات و التغيرات الجسدية التي يمرّ بها ، فضولا ً حادّا ً بإكتشاف جسد أوّل فتاة تقع في طريقه في الوقت و الزمان المناسب فيعمد إلى ما يتوفّر لديه من ألفاظ أو لمس في مناطق “حساسة” أو نظرات أو ما يلهمه به الشيطان كي يلاحظ ردّة فعلها أو يشـبع فضوله المفعم برغباته . و كلّ ما كان المجتمع محافظ أكثر كلّما كانت النتائج أكثر عنفا ً.
في حين أن ّ الذكر الذي يرى و يتعامل مع فتيات بشكل ٍ مستمرّ سواء في أماكن العمل أو الصداقات أو غيرها فهو لا ينظر إلى الإنثى على أنها كائن فضائيّ أو فرصة أو غنيمة كما يفعل صديقنا في المثال الأوّل.
و الأمر نفسه ينطبق على الإناث أيضا ً و قد يستفحل إلى بعض الممارسات الغريبة ؛ لقد أصابتني الدهشة إثر متابعة أحدى حلقات برنامج “أحمر بالخط العريض “ على قناة الإل بي سي اللبنانيّة في حديث عن المثلية الجنسية عندما عرض هناء ( 30 عاما ً من الخليج ) و التي تحدثت عن أنها مارست الجنس مع صديقاتها الفتيات لحاجتها للإكتشاف !! و أعتقد من وجهة نظر شخصية أن ّ هذا الأمر يختلف تماما ً عن المثلية الجنسية التي تنبع من رغبات و ليس مجرّد “ تمشاية حال “ بينما يأتي الجنس الآخر كما حصل مع هناء التي مارست العلاقات الجنسية مع صديقاتها من الإناث إلى أن قامت فيما بعد بالإرتباط برجل عن طريق الزواج و التي استطاعت معه أن “ تجد نفسها و تقرف من ممارساتها السابقة “ حسب تعبيرها .
و السؤال الذي يراودني الآن هو “ إلى متى ؟ “ ، إلى متى ستبقى الأمور بين الرجل و المرأه في شرقنا مشنوقة ً بخيطان النظرات الجنسيّة ؟ إلى متى ستظلّ وزارات التعليم تفصل في المدارس بين مدارس الذكور و مدارس الإناث ؟ إلى متى سيظل ّ الحديث عن “ الجنس “ ممنوع حتى بين الأب و إبنه و الأم و ابنتها ؟ إلى متى ستظل مادة التربية الجنسية مغيّبة عن البرنامج التعليمي للمدارس ؟ إلى متى سيظلّ بإستطاعة لوحة أو صورة أو تمثال فنيّ أن يثير جنسيّا ً ؟ إلى متى سيبقى بإستطاعة الذكر ان يـدخل كم ّ هائل من الإحراج و القلق إلى حياة فتاة تسير ُ في الشارع أو تستقلّ الحافلة أو تقوم بشراء “ ربطه خبز “ أو دفع فاتورة الهاتف أو أو أو ..
أنا لا و لن و لسوف لن أطالب يوما ً بحريّة العلاقات الجنسية المعلنة و المفتوحة أو غيرها من أمور تتنافى و “ أخلاق “ و “ عادات “ مجتمعنا فهذه الأمور لا تهمني تؤثّر على حياتي اليوميّة بالمقدار التي تفعله تلك “ المضايقات “ الناتجة عن الكبت الجنسي المتأجج في المجتمع !!
http://www.freesham.com/