بعد إعلان روايات الـقائمة الـقـصيرة لـل”بوكر” الـعربـية،كيف تلقّى الـكتّـاب الـستّة خبر تـرشيـحهم ؟
حظيت جائزة “بوكر” العربية، منذ لحظة اعلان تأسيسها، باهتمام واسع في الأوساط الأدبية العربية، وأثارت جدالات من كل نوع ولون، إن على صفحات الجرائد، أو في كواليس المناقشات الثقافية.
اليوم، وبعدما تمّ أخيراً في لندن الإعلان عن الروايات الستّ التي تؤلف القائمة القصيرة، والتي ستتنافس تالياً على الجائزة الكبرى الأولى، كيف تلقّى كل من بهاء طاهر وسعيد مكاوي ومي منسى وجبور الدويهي والياس فركوح وخالد خليفة خبر ترشيحهم، وما هي الانطباعات العامة عن القائمة القصيرة؟ في ما يأتي جولة في العواصم الأربع التي تشكّل مسقط الأعمال الستة المتنافسة.
طاهر وسعيد
علم الكاتب والروائي المصري المكرس بهاء طاهر، بخبر وصول روايته “واحة الغروب” الصادرة لدى “دار الشروق”، الى القائمة القصيرة لجائزة الـ”بوكر” العربية من الصحف، وكان أول ما فعله أن اتصل بالروائي مكاوي سعيد، لتهنئته بفوز “تغريدة البجعة”، ضمن القائمة نفسها: “تحمست جدا لرواية مكاوي منذ أن قرأتها فور صدورها، يقول بهاء طاهر، لأنها تكشف عن كاتب جيد، متمرس، ويملك أدواته، رغم أني لم أقرأ له سوى هذا العمل“.
بالنسبة إلى من لا يعرفهما، يبدو بهاء طاهر الشقيق الأكبر لمكاوي سعيد، فكلاهما أسمر البشرة، نحيف، متحفظ وهادئ، وكلاهما أيضا ينحدر من أصول صعيدية. ومثل بهاء طاهر كان مكاوي سعيد الأكثر فرحا بفوز “واحة الغروب”. يقول: “شرف لي، أن أكون مرشحا للجائزة نفسها مع كاتب كبير ومحترم مثل بهاء طاهر“.
محمد بهاء الدين طاهر، ابن جيل الستينات الأدبي، درس التاريخ في جامعة القاهرة، التي تخرج فيها عام 1956، في العام نفسه الذي ولد فيه مكاوي سعيد، وصدر أول أعماله الأدبية، “الخطوبة” عام 1972، وعلى عكس غالبية كتاب الستينات، لم يعمل بهاء طاهر في الصحافة، وإن لم يكن بعيدا عن الإعلام، إذ كان مذيعا في البرنامج العام الثقافي حتى 1975، ثم التحق بمنظمة الأمم المتحدة، وعمل في مقرها في جنيف بين 1981 و1995.
“واحة الغروب” هي العمل الأدبي السابع لبهاء طاهر، بعد قصص “الخطوبة”، و”بالأمس حلمت بك”، وروايات “أنا الملك جئت”، “قالت ضحى”، “خالتي صفية والدير”، “الحب في المنفى”، و”نقطة النور”، إلى عشر مسرحيات قصيرة، وترجمة لرواية “ساحر الصحراء” لباولو كويلو. من بين هذه الأعمال التي حصل أغلبها على جوائز أدبية عديدة، وترجمت الى أكثر من لغة، وتحول بعضها إلى أعمال درامية عرضها التلفزيون، يحب بهاء طاهر “واحة الغروب” بشكل خاص. يضحك قائلا: “غالبية الكتاب يقولون عن أعمالهم كلها أبنائي، لكن هذه الرواية تحديدا احتاجت مني إلى جهد كبير، وتطلب إكمالها السفر إلى واحة سيوة التي تبعد عن القاهرة 130 كيلومترا والإقامة فيها لفترة للتعرف الى عادات الناس هناك وثقافتهم، إلي جانب أن الرواية اقتضت العودة إلى مراجع تاريخية عديدة، لأنها تغطي فترة تاريخية واسعة جدا“.
كتب بهاء طاهر روايته في ثلاث سنوات تقريبا، الفترة التي احتاج إليها مكاوي سعيد للانتهاء من “تغريدة البجعة”، الرواية الثانية، والوحيدة له بعد “فئران السفينة” التي فازت بجائزة سعاد الصباح، وصدرت للمرة الأولى عام 1991، وأعاد نشرها عام 2003. “فئران السفينة”، يقول مكاوي سعيد، “رواية مظلومة نقديا رغم أن طبعاتها الثلاث نفدت وقد نشرتها عام 2003، حينما بدأت كتابة “تغريدة البجعة” لتسليط الضوء على أعمالي السابقة، وأستعد لإصدار طبعة جديدة منها“.
على عكس الكاتب المكرس بهاء طاهر، عرف الوسط الثقافي والأدبي مكاوي سعيد باعتباره كاتبا للأفلام التسجيلية، والروائية القصيرة، لكن ” تغريدة البجعة” الفائزة بترشيحات الـ”بوكر”، فاجأت الوسط الثقافي والأدبي المصري، وأثارت اهتماما كبيرا لدى النقاد والكتاب، ونفدت طبعتها الأولي تماما بعد شهرين من صدورها، وهو نجاح لم يتوقعه مكاوي سعيد نفسه: “فور صدور الرواية، نُشرت عنها مقالات نقدية في كل الصحف المصرية تقريبا، لكتّاب ونقاد متميزين، واتصل بي أدباء احبهم وأحترم كتاباتهم، مثل بهاء طاهر وعلاء الديب وخيري شلبي ويوسف أبو رية وعلاء الأسواني، وأجمعوا على أنها عمل جيد”، لكن أكثر ما أسعد مكاوي، إلى جانب هذا الاهتمام الأدبي بروايته، حينما كان يستقل مترو الأنفاق متوجها الى عمله، إذ فوجئ بشاب يقرأ روايته باهتمام، من دون أن يعرف أن الواقف إلى جواره هو مؤلفها: “انتابتني مشاعر غريبة – يضحك مكاوي- ولم أجرؤ على إخباره خجلا“.
حينما أعلن اطلاق جائزة الـ”بوكر” للرواية العربية، كانت الطبعة الأولى من “واحة الغروب” الصادرة لدى “دار الهلال”، قد نفدت تماما، فطلبت “دار الشروق”، كبرى دور النشر في مصر، إصدار الطبعة الثانية منها، ورشحتها للجائزة، واتصل مسؤولو “الشروق” ببهاء طاهر وأخبروه باختيار روايته: “تحمست لهذا الترشيح، فالجائزة تستمد اسمها ونظام الترشيح لها من إحدى أهم الجوائز الأدبية وأعرقها في العالم، وطالما أنه متوافرة فيها المعايير التي وضعتها الـ”بوكر” البريطانية فلِمَ لا أقبل. في رأيي أن بعض الجوائز الأدبية ينبغي الابتعاد عنها مهما تكن قيمتها المالية، لأنها – ولن أذكر أسماء – فقدت صدقيتها”. أسأله: ألم تتأثر بالجدال الذي أثير حول الجائزة، من جانب بعض الأصوات، كونها تكرس التبعية الأجنبية وما إلى ذلك؟. يجيب بهاء طاهر: “قرأت هذا الكلام، وأرى أنه مبالغ فيه جدا، بل أقول انه غير منطقي“.
أما مكاوي سعيد، الذي يملك دار نشر باسم “الدار” فرشح روايته “تغريدة البجعة” بنفسه، مع عملين آخرين أصدرتهما “الدار”، وتم اختيارهما للترشيح عبر لجنة تضم كتابا ونقادا من أجل شفافية الاختيار. أساله: هل كنت تتوقع الفوز؟، يجيب: “كان لديَّ أمل كبير، مثل أي كاتب آخر، لكني كنت أعرف صعوبة المسألة، لأن لجنة الجائزة في تلك الدورة لم تشترط أن تكون الأعمال المرشحة صادرة في العام نفسه، ولعلمي أيضا ان هناك دور نشر عديدة رشحت أعمالا صادرة لديها، لكن هذا الفوز أسعدني بشكل خاص، لأن الجوائز المهمة مثل الـ”بوكر” تلفت إلى الكاتب، ولأني كاتب مقلّ وكسول جدا، كنت في حاجة إلى أن أكون معروفاً عربيا، ويقرأ أكبر عدد من الناس روايتي”. لكن مكاوي سعيد لا يشغل نفسه بالفوز بالجائزة الكبرى، فإدراج “تغريدة البجعة” ضمن القائمة القصيرة، حقق له ما يريده من الترشح للجائزة.
قبل غلق باب الترشيح لجائزة الـ”بوكر”، كان ثار جدال واسع في مصر حول الجائزة وشروطها، وطريقة الترشيح لها، وشهدت بعض دور النشر صفقات سرية وعلنية، من جانب الكتاب وبخاصة الشباب منهم لترشيح أعمالهم، وكانت الجائزة والكتّاب المتوقع لهم الفوز مثار مناقشات في الوسط الأدبي المصري، طوال الأشهر الماضية، وبعد الإعلان رسميا عن أسماء الفائزين من مصر ضمن القائمة القصيرة، من المتوقع أن تشهد السنوات المقبلة اهتماما مصريا أكبر بالجائزة، فالإسمان اللذان أعلن عن فوزهما، بهاء طاهر ومكاوي سعيد، حظي عملاهما باهتمام واحترام أدبي ونقدي كبير، وهو ما سيصعّب من عمل دور النشر في الفترة المقبلة، بعدما أعادت الـ”بوكر” ترسيم العلاقة بين الناشر والكاتب في مصر.
منسى والدويهي
ماذا عن المرشحين اللبنانيين اللذين وصلا الى القائمة القصيرة للـ”بوكر” العربية؟ تضع الكاتبة اللبنانية مي منسى وصول روايتها “انتعل الغبار وأمشي” الصادرة لدى “دار رياض الريس” الى اللائحة النهائية من التصفيات ضمن ما سمّته “التعرّف الصادق الى كتاب، أكان كتابي ام كتاب الآخرين”. وتعتبر ان أجمل شيء بالنسبة الى الكاتب هو ان يلقى، قبل الجائزة المادية، الاعتراف الفكري والقلبي بما صنعه بروحه وبموهبة التعبير المعطاة له. تضيف: “كنتُ كلما ختمت كتاباً من كتبي، تمنيت من اعماقي (…) ان يعبر خارج حدود هذا الوطن، ليشمل البلدان التي انتقل اليها قلمي والتي وُلدت فيها شخصيات الكتاب، أكان فرنسا ام الجزائر ام العراق ام نيجيريا ام لبنان، وكلها جغرافيات تنادي الانسان اليها”. اما عن الكتابة في حد ذاتها، فتقول انها لا تنطلق من مخطط سابق: “لستُ مهندسة بناء وليست لديَّ قاعدة ثابتة اشيّد عليها ما في بالي، فلطالما عشت ومشيت على رمال متحرّكة لا اعرف اين تقودني خطاي، لا اعرف ما هو قدري، لا اعرف ما هو غدي (…) ففي هذه الغربة المزمنة التي اعيشها في بلدي، لا يمكنني ان اخطط لمشروع كتاب، لكني اعترف اني مذ اجلس الى ورقتي كأن روحاً تطفو حولي تتناول قلمي وتكتب هي وتملي عليَّ حبري الاسود”. وتعيد منسى وضع روايتها هذه في سياق كتابتها الروائية عموماً، فتقول عن كتابها الاول “اوراق من دفاتر شجرة رمان” الذي صاغته حول فكرة داء الانفصام، انفصام الاخ وانفصام البلد خلال الحرب: “خططتُ فعلاً لهذا الكتاب. كان اخي في المصح العقلي يملي عليَّ ما يجب ان اكتبه. لكن بعد هذه التجربة التي بدأت بالخاتمة وانتهت بالخاتمة، صرت شبه شريدة على الورق، انتظر منها ان ترسم لي الخط”. وهكذا كان “اوراق من دفاتر سجين””، وبعده “المشهد الاخير” الذي استوحَت فكرته من الاطلال التي تسببت بها القنابل على “مسرح بعلبك” في القنطاري، وصولاً الى كتابها “في حديقة سارة” الذي استوحته من عوالم حفيدتها سارة التي كانت في الثالثة من عمرها بكلماتها واسئلتها، فكان المتنفَّس حيال مصير الوطن الذي يزداد اسوداداً، ثم تلاه “انتعل الغبار وامشي”، وهو ليس الرواية الاخيرة، اذ يصدر قريباً لدى “دار رياض الريس” عملها الاخير بعنوان “الساعة الرملية” الذي تقول عنه انه كتاب آخَر عن المنفى والاغتراب والبحث عن الهوية.
أما الروائي اللبناني جبور الدويهي، فيبدي سعادته بوصول روايته “مطر حزيران” الصادرة لدى “دار النهار” الى اللائحة النهائية لتصفيات “الجائزة العالمية للرواية العربية”، معتبراً ان اهمية الجائزة تكمن خصوصاً في احترافيتها وفي كونها تشكّل مسحاً للإنتاج الادبي يشمل العالم العربي بكامله، مما يمنحها بُعداً عربياً جامعاً لا تتمتع به الكثير من الجوائز الادبية العربية التي تكون اجمالاً محصورة في المكان. اما عن روايته، فيقول انه حاول من خلالها التعبير عن مسألتين: الاولى شخصية وتتمثّل في الاقتراب روائياً من الاشكال الاجتماعية والعاطفية للعنف الاهلي من خلال اختبار مَعيش، كون الرواية تناولت البيئة التي وُلد فيها وعاش طفولته وشبابه في كنفها. اما المسألة الثانية فهي محاولته ان يعكس ما يشبه العرض ما قبل الاوّل لتجربة الحرب الاهلية كما سيعيشها المجتمع اللبناني في ما بعد مع انتشار خطوط التماس والتطهير والايديولوجيات على خلفية النظرة الى الآخَر والتصورات التي نحملها عنه: “أردتُ اظهار كيف عاشت هذه البيئة تجربة مبكِّرة تعمّمت لاحقاً في تجربة الحرب الاهلية”. في ما يتعلّق بالاسلوب، يوضح انه لجأ الى تقنية تقارب الحدث من خلال وجهات نظر متعددة، ذلك ان ما يهمه هو علاقة الناس بالعنف وتفاعلهم معه اكثر من العنف في حد ذاته كحدث مجرَّد: “لم يكن همّي وصف العنف بقدر ما اهتممتُ بالبيئة التي تنتجه وبكيفية تغلغله في الناس”. اما من حيث اللغة، فسعى ان تحافظ على صدقيتها من خلال اقترابها اكثر ما يكون من تعبيراتها الواقعية والمحلية. من هنا المساحة المهمة التي أفردَها للشفهي تاركاً كل راوٍ يخبر القصة بلغته الطبيعية التي يطل من خلالها على المشهد العنفي.
فركوح
من ناحيته، يعرب القاص والروائي الاردني إلياس فركوح عن سعادته بوصول روايته “أرض اليمبوس” إلى القائمة النهائية للجائزة العالمية للرواية العربية، ويعتبر ذلك “شمعة تضاء” في الحقل الثقافي وخصوصا في ظل وجود تحفظ مبدئي حيال آليات منح الجوائز بحسب ما شاع من عمل اللجان التي قد تغدق عطاياها أحيانا على من لا يستحقونها فعلا.
ويقول فركوح إن ادراج روايته ضمن قائمة الروايات الست “مسألة تدعوني الى الفرح بكل تأكيد”. ويضيف: مَن مِنّا يخفي فرحاً يتأتى عن هذا التقدير العالي لعمله، أو ينكره؟“.
يعلل الروائي سعادته بأن هذا الإدراج “عمل على توكيد خصوصيّة الرواية في إطار الإنتاج العربي الأوسع ليشكّل تالياً، امتحاناً لها حين تتجاور مع الروايات الخمس في مرحلة التصفية ـ إنْ تعلقَ الأمر ببنيتها، أو بلغتها، أو بما وبمن حفرت لتحاول أن تقول شيئاً ما“.
وفي رده على سؤال هل كان يتوقع وصول روايته إلى القائمة النهائية، يجيب فركوح: “نعم، ولا!”. ويوضح: “نعم، تماشياً مع وثوقي بمستوى ما تضمنته “أرض اليمبوس” ومغايرته. وكذلك، وعَلَّ هذا ما نشترك به نحن الكتّاب جميعاً: هي الرغبة الكامنة فينا بالفوز يُخرجها كل واحد منا على نحوه، أو يكبتها ويواريها على نحوه أيضاً“.
أما تعليله لتلك الـ”لا” حيال عدم توقعه وصول الرواية الى القائمة النهائية، فمردّه بحسب تعبيره الى “ريبة أصّلَتها عقودٌ من الفساد واللاموضوعيّة والحسابات ذات العلاقة بما هو خارج النصوص، غالباً ما وسمت الجوائز العربيّة، مما رسّخ فينا ككتّاب لم نختر لأنفسنا إطاراً جهوياً مهما يكن، ما يشبه الاقتناع النهائيّ بعبث المسألة برمتها”. ويؤكد فركوح ثانية رضاه بترشيح “بوكر” العربية كما باتت تعرف فيقول: “لهذا كلّه كان فرحي. فثمة شمعة تُضاء بين حقبة وأُخرى في ليلنا الطويل؛ فلنباركها“.
رواية “أرض اليمبوس” هي الأحدث في إصدارات إلياس فركوح، وهي شهادة شخصية على جيل كامل عاش الحروب العربية وأحلام المد القومي وانكساراته. كما أنها جاءت ثالثة لروايتين سابقتين صدرتا في العشرين عاماً الماضية. عالجت كل رواية على حدة تحولا من تحولات ذلك الجيل. ويرى فركوح في روايته هذه أنها “التتويج الأكمل لثلاثيتي الروائيّة غير المعلنة التي بدأتها بـ”قامات الزبد”، ثم أتبعتها بـ”أعمدة الغبار“”.
ويصف الروائي عمله المرشح الى جائزة “بوكر” العربية بأن الرواية “ليست مجرد الكتاب الثالث المكمل للمشروع، بقدر ما تضمنت خبرة الأعوام العشرين الماضية من الكتابة والانكباب على مواصلة تحديث نصّي من خلال محاولتي الدؤوبة كسر ما وصلتُ إليه وعدم الاكتفاء به. ولذلك، فهي الأكمل فنيّاً بحسب اجتهادي، مثلما هي المكمل لسابقتيها“.
ويوضح فركوح أن “أرض اليمبوس” ختمت مشروع الوثيقة الفنيّة لجيل بأكمله “غير أن الكتابة تتواصل”. ويعتبر أن هذه الرواية “ليست سوى الحافز والمحرّض لي على الخروج إلى مناخات أخرى كانت تنتظر أوانها”. ويضيف: “لستُ من أولئك المشتغلين على أكثر من مشروع كتابي في الوقت نفسه. فكل كتابةٍ تخضع لظرفها الخاص، وكل عمل يحمل بصمته الخاصة. أنا أستغرب كيف يمكن زرع الخصوصيّة في عملٍ تمّت كتابته أثناء الاشتغال على عملٍ آخر ينحو في اتجاهٍ مغاير!”.
يذكر أن إلياس فركوح من مواليد عمّان عام 1948، ويعمل مديرا لدار “أزمنة للنشر والتوزيع” التي أسسها عام 1991. صدر له ما يزيد على خمسة وعشرين كتابا في حقول متعددة كالرواية والقصة والمقالة والنصوص والترجمة. وحازت بعض أعماله جوائز عدة، فنال جائزة الدولة التقديرية في القصة القصيرة عام 1997، فيما حازت روايته “قامات الزبد” على جائزة الدولة التشجيعية عام 1990. كما نال جائزة محمود سيف الدين الإيراني التي تمنحها رابطة الكتاب الأردنيين في حقل القصة القصيرة، وسبق أن منحته رابطة الكتاب جائزة أفضل مجموعة قصصية لعام 1982 عن “احدى وعشرون طلقة للنبي“.
خالد خليفة
أخيرا وليس آخراً، ماذا عن المرشح السوري للجائزة، الذي أثارت روايته الشجاعة “مديح الكراهية” اهتماما كبيراً؟ خالد خليفة روائي سوري شاب ينتمي إلى حركة روائية جديدة في سوريا تحاول أن تخطّ لنفسها طريقاً جديداً في تاريخ الرواية العربية. أصدر قبل “مديح الكراهية”، التي رشحت للـ”بوكر” العربية في دورتها الأولى، روايتين: “حارث الخديعة” و”دفاتر القرباط”. وكتب العديد من السيناريوات السينمائية والتلفزيونية المميزة.
يقول رداً على سؤال حول جائزة الـ”بوكر” بنسختها العربية المحدثة إنه يعتقد أن الجائزة بنسختها الإنكليزية “تتميز بشيء لا يعرفه العرب عموماً وهو معاملة النصوص بالتساوي دون نفوذ كتابها، وتاليا ستكون الجائزة اعترافا نزيها بمنافسة كل الأجيال بعضها للبعض من دون أي حسابات سياسية أو إيديولوجية. فهنا النص هو الملك تماماً كسباق الأحصنة حيث من غير المهم من يملكها حين تنطلق إشارة بدء السباق، فقد يفوز حصان السائس على حصان الملك. ويتابع خليفة بأن جائزة “بوكر” العربية تبدو “طموحة من دورتها الأولى لتكريس تقاليد لا تعرفها جوائز العرب المجاملة، والتي غالباً ما تذهب إلى الأقوى والمكرّس وصاحب النفوذ الذي لا يحتاج إلى المزيد من الجوائز والمال، متجاهلة الكثير من الأسماء المبدعة التي تحتاج إلى هذه الجوائز. من هنا نستطيع أن نفهم قوة الضجة التي رافقت تأسيس جائزة بوكر العربية، كما نستطيع فهم هجوم أصحاب النفوذ على هذه الجائزة”. ويردف: “أنا شديد الثقة بأنها ستفتح الباب على مصراعيه أمام الكتّاب الجدد. كما أتمنى أن تساعد في تكريس الأدب العربي ونشره عبر العالم، فالرواية العربية لديها ما تقوله للقراء في أنحاء العالم“.
عن أسباب ترشيح روايته للمسابقة يقول إن المقدمات التي ذكرها آنفاً هي التي جعلته يرسل روايته إلى المسابقة. ويكمل: “شجعني قرّاء روايتي وأصدقائي المقرّبون على المشاركة في منافسات هذه الجائزة لثقتي بأن روايتي “مديح الكراهية” تستحق فرصة تُنافس فيها نصوصاً كتبها أساتذة علّمونا فن الرواية، وخصوصاً أنها منافسة مفتوحة ونزيهة يجري فيها وضع الألقاب خارج باب الميدان الذي سيجري فيه السباق. كما أن الفوز لا يعني الفوز على تاريخ هؤلاء الكتّاب الكبار لكنه فوز كتاب على كتاب وهذا مشروع دوماً“.
ويعتقد خليفة أن نتائج “بوكر” في دورتها الأولى قلبت الطاولة على مفاهيم باتت قديمة في تقويم الخلق وستمنح الأجيال الجديدة أملاً كبيراً وتحثهم على الاهتمام بالعمل ونفض غبار الكسل، كما ستمنح الرواية العربية نافذة واسعة للكشف عن جواهرها وهي كثيرة وتستحق أن يراها العالم بأجمعه“.
ويختم خليفة بأنه رغم إيمانه بأن النص الروائي يمتلك قيمته في ذاته، وخصوصاً في معركته الكبرى مع الخلود والتاريخ، وكل ما هو مقبل من الخارج كالجوائز وآراء النقاد والشهرة هي تحصيل حاصل لهذه القيمة. إلا أنه لن ينسى في حياته تلك اللحظة التاريخية وهو مضطر لتوثيقها إذ أنه كان أنهى تناول غدائه المتأخر مع صديقة عزيزة حوالى الساعة السادسة من يوم الثلثاء 29 كانون الأول، وكان حزيناً لأن أحداً لم يبلغه بفوز “مديح الكراهية” مما جعله يظن أنها باتت خارج المسابقة، وإذا بهاتف صديقه الصحافي سيد محمود يخبره من القاهرة منفعلاً بأن “مديح الكراهية” ربحت الرهان.
بعد لندن والقائمة القصيرة، باتت الأنظار معلقة الآن على مدينة أبو ظبي، حيث سيتم اعلان اسم الفائز بالجائزة الكبرى في العاشر من آذار المقبل. فمن نصيب من ستكون الـ”بوكر” العربية الأولى يا ترى
القاهرة – من يحيى وجدي
بيروت – من سيلفانا الخوري
عمّان – من حسين جلعاد
دمشق – من روزا ياسين حسن
النهار