صفحات العالم

عن صاروخ سكود ومقاصده

ساطع نور الدين
القصة مثيرة للضحك والرعب في آن واحد. وهي تقوم على فرضية أن مساحة لبنان تضاعفت، وتغيرت معالمه الجغرافية حتى صارت غالبيتها من البراري المترامية الأطراف والغابات الاستوائية الشاسعة، التي يمكن ان يخبأ فيها صاروخ طوله احد عشر متراً وقطره يقارب المتر، وتحمله عربة تشبه شاحنات النقل البري الخارجي الضخمة، وتموهه داخل الكهوف والأنفاق او تحت الأشجار العملاقة، وتتنقل فيه بين الحين والآخر مسافات تصل الى مئات الكيلومترات لكي لا ترصده الطائرات او الأقمار الصناعية المعادية، التي لا تغيب لحظة عن الأجواء اللبنانية.
القصة مضحكة لأن لبنان يكاد يفتقر الى مساحات كافية للزراعة او حتى لملاعب الرياضة، وتكاد مدنه وبلداته وقراه ومساحاته العمرانية تتلاصق وتبدد اللون الأخضر من ارضه، وبشكل هندسي مفجع، لا يدع مجالاً حتى لبناء عمارات متينة تستطيع أن تحوي في ملاجئها صاورخاً من طراز سكود، يمكن أن يطمئن له السكان او يلهو به أطفالهم… أو يمكن أن يظل بمنأى عن شبكات تجسس إسرائيلية تنخر الجسم اللبناني هذه الأيام بعمق، وتكشف البلد وأهله كما لم يكشف أي بلد في العالم على أعدائه!
حسب الرواية الأميركية الأولى التي سربت الى صحيفة «الرأي» الكويتية قبل أيام، وصارت حديث الساعة، الصاروخ لم يصل بعد، لكن ثمة تفكيراً بتسليمه من سوريا الى حزب الله. أي أنه الآن في طريقه الى لبنان، ويمكن أن يعبر الحدود بين لحظة وأخرى. وعلى هذا الأساس صدر التحذير الأميركي من مغبة الإقدام على هذه الخطوة التي تعرض لبنان لـ«خطر جسيم»، حسب تعبير المتحدث باسم البيت الابيض، ما يعيد الى الأذهان تحذيرات مشابهة وردت الى دمشق وبيروت إبان أزمة الصواريخ السورية الشهيرة عام 1981. وعلى هذا الأساس أيضاً توجه التهديدات الإسرائيلية المتلاحقة وتزيد الانتهاكات الجوية وتعلن حالات التعبئة وتخرج خطط الحرب الى العلن.
لكنها بالتأكيد ليست قصة أميركية أو إسرائيلية مثيرة للسخرية، تأتي في الوقت الذي يظن فيه البعض أن واشنطن وتل أبيب في ذروة أزمة ثنائية لم يسبق لها مثيل منذ حرب عام 1956… كما أنها لا تهدف حتماً إلى عرقلة الحوار السوري الأميركي ولا الى منع عودة السفير الأميركي الى دمشق، الذي صارت عودته ملحة اكثر من اي وقت مضى .. ولا طبعاً الى توفير مادة إضافية للانقسام الداخلي حول سلاح المقاومة والاستراتيجية الدفاعية، على طاولة الحوار الوطني التي استؤنفت امس، على ما يشك بعض المشتبهين اللبنانيين في توقيت تسريب نبأ الصواريخ، عندما كان المتحاورون اللبنانيون يستعدون للتوجه الى قصر بعبدا.
هي ذريعة للحرب؟ لكن أحداً لا يبحث عن ذرائع لا يحتاجها أصلاً وهي يمكن أن تندلع في أي لحظة لأسباب عديدة لا يدخل بينها تسلل صاروخ سكود عبر الحدود اللبنانية السورية. هي جزء من ملف التفاوض؟ لكن أحداً لا يتوقع أن تفتح اي قاعة مفاوضات في المستقبل المنظور… لعلها المفاضلة الأخيرة التي يجريها الأميركيون والإسرائيليون معاً من دون أدنى شك، قبل ان يتخذوا قرارهم النهائي.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى