الترجمة ضعيفة المستوي في الانسانيات وضئيلة الحجم في العلوم والتكنولوجيا
اجرت اللقاءات: لينا أبو بكر
أفكار حول الترجمة
الترجمة، مثل اي فعل ثقافي، تحتاج الي مساءلة وفحص، لادراك ماهيتها، وتقصي تأثيراتها، وفهم الحاجات المؤسسة لها، ومدي مساهمتها في جعل العالم قرية خلال الأزمنة الحديثة. وفي الاطار العربي يتسع التساؤل حولها ويشتد، داخليا، وخارجيا حيث صورة العرب في الغرب تمثل احد الشواغل الشعبية السائدة في العالم العربي.
وفي مطلع الألفية الثالثة اشتهر تقرير أممي بمعلومة تشبه الفضيحة مفادها ان اسبانيا تترجم الي لغتها كل عام كمية تعادل ما ترجمه العرب علي مدي تاريخهم! وبصرف النظر عن مدي دقة المعلومة من عدمها، فانها تشير، علي الأقل، الي وجود خلل ما في فاعلية الترجمة العربية. ولعل الفقر، في هذا الجانب، يتضح بصورة جلية في القاموس العربي الذي لم يتجدد بصورة حديثة وحية منذ لسان العرب . وهو لسان طرد من بين طياته مصطلحات علمية عربية الأصل ضمتها كل قواميس الارض مثل الجبر .
حول هذه الهموم، أو بعضها، دارت اللقاءات الآتية مع كتاب ومترجمين عرب، بعضها اجري خلال معرضي ابوظبي ولندن للكتاب هذا العام، وبعضها الآخر خارج المناسبتين.
الدكتور ناصر الدين الأسد
العرب والترجمة
انتهي البحث العلمي الي أنّ الجاهلية كانت علي صلة بالأمم من حولها : بالفُرس والروم (البيزنطيين) والأحباش والمصريين. وكان عرب الجاهلية كثيري الترحال إلي هذه البلاد وخاصّة للتجارة ولطلب المعرفة من مثل: النّضر بن الحارث الذي كان يجمع القصص التاريخية القديمة من بلاد فارس ليضاهِئَ بها قصص القرآن الكريم. وقد قامت إمارة عربية في الشمال الشرقي في جنوب بلاد ما بين النّهرين متصلة أوثق اتّصال بفارس بل تابعة لها، وكذلك قامت دولة عربية أخري في الشمال الغربي من الجزيرة العربية (في بلاد الشام) كانت علي أوثق اتّصال بالروم البيزنطيين بل كانت تابعة لهم، فإذا أضفنا إلي ذلك أنَّ بين أيدينا نصوصا كثيرة تدل علي أنَّ أكثر الكتب الدينية المعروفة حينئذٍ كانت مترجمة إلي اللغة العربية، وكان بعض العرب يتداولونها، فلّما جاء الإسلام نهي ـ في أول الأمر ـ عن تداولها اكتفاء بالقرآن الكريم، ويضاف إلي ذلك رحلتا المسلمين إلي الحبشة (الهجرة الأولي والثانية)، ومن المعروف للمتصلين بتاريخ العرب قبل الإسلام أنّ ذهاب عمرو بن العاص لفتح مصر إنّما كان عن معرفةٍ سابقة بهذه البلاد، ثمّ إنّ نصوصا كثيرة تدلّ علي وجود جالية من بلاد إفريقية ورومية وفارسية متعدّدة، بعضهم كان يمتهن البناء وآخرون كانوا يمتهنون النجارة أو الحدادة. وكان من أهم الصحابة سليمان وهو فارسي وصهيب وهو رومي وبلال وهو حبشي.
كلّ ذلك يدلّنا علي وجود حركةٍ مائجةٍ تقوم علي أساسٍ من معرفة الجاهلية بلغاتٍ متعدّدة والتفاهم مع الآخر من خلالها وترجمة بعض الكتب من العبرية أو السريانية إلي العربية كما ذكرنا.
ولذلك فإنّ حركة الترجمة المائجة التي نعرفها في زمن الرّشيد والمأمون في المشرق العربي ثم في الأندلس من العربية وإليها كانت لها جذور عميقة في المجتمع العربي قبل الإسلام.
وقد دأبنا في عصورنا الحديثة منذ القرن التاسع عشر علي اتّهام أنفسنا بالتقصير في الترجمة من اللغات الأخري إلي العربية. وهذا اتّهام يحتاج إلي وَقفة: فهو غير صحيح إذا كان المقصود الكتب الأدبية والنقدية والاجتماعية والإنسانية عامَّة من اللغات الأوربية إلي العربية، فهذه الكتب أعدادها كثيرة جدّا قام بها أفراد ومؤسسات في جميع البلاد العربية تقريبا: في مصر ولبنان وسورية والعراق وبلاد المغرب العربي الثلاثة والأردن وفلسطين وأخيرا بلاد الجزيرة العربية. وهي ترجمة تفوق في حجمها وتنوعها في هذه الميادين من المعرفة ما كان في العصور العباسية في المشرق أو في الأندلس أو فيهما معا. والشكوي ليست من قِلّة الترجمة في هذه الميادين ولكنّها من ضعف مستوي الترجمة وركاكتها وخاصّة في النقد الأدبي.
أمّا في الميادين العلمية النظرية والتطبيقية، فالترجمة منها إلي العربية ضئيلة جدا، لأن قرّاء هذه الترجمات عددهم محدود، فالجامعات العربية في المشرق تدرّس هذه المواد العلمية بالإنجليزية وفي بلاد المغرب العربي بالفرنسية، والأساتذة المتخصصون في هذه العلوم يفضّلون قراءَتها بإحدي هاتين اللغتين، ومن أجل هذا انتفت الحاجة إلي ترجمة العلوم الطبيعية النظرية والعلوم التطبيقية من طبٍّ وهندسةٍ وصيدلة إلا في النادر، ولو كان تدريس هذه المواد في جامعاتنا العربية بلغتنا لنشطت أيضا حركة الترجمة من اللغات الأجنبية إلي العربية في هذه الموضوعات.
وفي بلادنا العربية منذ حين مؤسسات متعدّدة للترجمة منها في الكويت التي تصدر سلسلة (المعرفة) في مختلف فروع العلم الإنساني والاجتماعي والطبيعي النظري والتطبيقي ومنها مؤسسة في مصر يرأسها الدكتور جابر عصفور، ومؤسسة ثالثة في بيروت بإشراف الدكتور خير الدين حسيب. وقد أصدرت هذه المؤسسات مئات الكتب المترجمة التي تُعَدُّ مراجع مهمة للقراءة والتدريس واستخراج المصطلحات منها.
أما موضوع النظام الرقمي والآلي وهل يشكّل سببا في جمود التفاعل اللغوي والإنساني فموضوع يحتاج إلي مزيدٍ من الوقت لتظهر آثاره بوضوح ويتطلب كذلك بعض علماء اللغة والاجتماع لدراسة هذه الظاهرة.
من الطبيعي أن يصكّ أصحاب المخترعات والابتكارات والإنجازات العلمية التطبيقية مصطلحات مخترعاتهم ومبتكراتهم بلغاتهم، فقضية المصطلح قضية تابعة لأهل ذلك العلم، فهي ليست قضية لغوية لفظية إنّما هي قضية علمية حضارية، فأصحاب الحضارة هم الذين يسمّون ما تنتجه حضارتهم ويطلقون عليه مصطلحهم. ونحن قضينا ولا نزال نقضي سنواتٍ طوالا في جهودٍ لفظية لوضع ألفاظ ٍ عربية مقابل المصطلحات الأجنبية دون أن نبذل جزءا من هذا الوقت والجهد في أن نَدْخُل رحاب العلم الحقيقي وأن تكون لنا مخترعاتنا ومكتشفاتنا لنعطيَها أسماءَها ومصطلحاتها فيأخذها عنا غيرُنا بلغتنا العربية كما حدث خلال قرونٍ متطاولةٍ من القرن السّابع الميلادي حتي القرن السّابع عشر، ولا تزال بعض مصطلحاتنا العلمية والحضارية العربية مبثوثة في تلك اللغات.
ولذلك لا يجوز أن يكون المصطلح مانعا من استعمال اللغة العربية في التدريس الجامعي للعلوم الطبيعية النظرية والتطبيقية، وأن يُتّخذ عدم وجود المصطلح العربي ذريعة لعدم استعمال اللغة العربية للتّدريس في تلك المواد، فعلينا أن ندرّس باللغة العربية مستعملين ما اتّفقت عليه البلاد العربية من مقابلات اصطلاحية عربية حتي الآن، ثمّ لا ضير علينا ولا علي العلم إذا استعملنا فيما بقي، المصطلحات الأجنبية إلي أن نوجد لها مقابلاتٍ عربية كما فعل أجدادنا في أوائل العصور العباسية.
سلمي الخضراء الجيوسي
جمهور غربي للثقافة العربية
أقوي دليل علي قدرة الترجمات في إظهار صورة العرب كأمة ذات سبق حضاري أصيل ومهم كما نقدمه أولا في كتب الدراسات التي حررتها، وثانيا في المجموعات الأدبية المترجمة هو أن هذه الكتب لها جمهور طيب من القراء في الغرب وإلا لما اهتمت كبريات دور النشر الغربية بنشرها. إن استمرار دور النشر هذه في الإقبال السريع علي ما نهيّئه من كتب وفي بعض الأحيان طلب بعض هذه الدور منا تلقائيا نوعا معينا من الكتب دليل علي أهمية نشر الثقافة العربية وإعطاء الصورة المشرقة لما أنجزته.
لا توجد دار نشر واحدة في الغرب تنشر لك إلا ليقينها بأن الكتاب الذي تقدمه يقع في مركز الاهتمام لدي أنواع من القراء. لقد أنجز المشروعان اللذان أسستهما أكثر من أربعين كتابا في الإنجليزية من بينها حوالي 16 كتابا يبلغ الواحد منها اكثر من 560 صفحة ويصل البعض إلي 1200 ومع ذلك لم يتردد ناشر واحد في أخذها حالا، هذا ليس بالأمر البسيط ولا يحدث كثيرا في علاقاتنا الثقافية بالغرب.
كنت قد بدأت أشعر منذ وصولي إلي أمريكا سنة 1976 بأن ضعف التمثيل للثقافة العربية علي رفوف المكتبة العالمية أمر فاضح وعجبت من أعماق قلبي لعدم انتباه المسؤولين في العالم العربي لهذا الأمر الخطير وما يمثله من تهاون وإهانة للذات الحضارية وأصبت بمزيد من القهر مع السنوات علي هذا الغياب المهين ثم قررت سنة 1980 أن الوقت قد حان للثقافة العربية، وهي واحدة من أغني الثقافات في العالم، أن تقدم للآخرين علي أوسع نطاق بان الثقافة العربية ليست ثقافة مغلقة ولا انعزالية بل هي ثقافة إنسانية منفتحة قائمة علي الضرورة الإنسانية علي الاستكشاف الإنساني للحياة.
وهذه الرؤية إلي حاجة الثقافة العربية أن يكون لها حضور قوي علي رفوف المكتبة العالمية وإحساسي بقابليتها الكبيرة علي النجاح إذا عملت عليها أيد مسؤولة كانت وراء العمل الذي مازلنا نقوم به في أمريكا وإنجلترا منذ بواكر الثمانينات. فكما تعرفين إن مشروع (بروتا) يهدف إلي ترجمة ونشر أفضل ما في الثقافة العربية والأدب العربي، وكذلك إعداد الدراسات الجادة تحت مشروع (رابطة الشرق والغرب) التي تقدم مآثر الحضارة العربية الإسلامية في تاريخها الطويل وكانت آذانا ترهف السمع طوال الوقت للإيقاع المتسارع الذي يحدثه التبادل الثقافي الدائر حولنا. ولقد واصلنا تحت مشروع بروتا رحلة مديدة من الاكتشاف والعطاء حاملين سلة مليئة بالقصائد والقصص والمسرحيات والروايات، وكلها تعكس الثراء والأصالة لثقافة عربية عميقة الجذور في التاريخ، ونجح المشروع أكثر من جميع توقعاتي رغم ما أحاطه من عراقيل جاءت كلها من الوطن ! في الغرب لم أحتج إلي القيام بأي جهد مضاعف لإقناع الكتاب والشعراء الكبار أو دور النشر الغربية.
إذن لا شيء يخرج نمطية الصورة التي كان يحملها الآخرون عنا وقلة اللياقة المنضوية في عقول الآخرين عن أمة عريقة في الإبداع والعطاء الثقافي المتميز إلا أن نقدم هذه الثقافة وهذا الإبداع إليهم، نقدمه نحن متقنا وبإشرافنا وعنايتنا، أنا لم أنصع لحظة واحدة لمتطلبات بعض المهتمين في الغرب لما يزيدهم غني في مواقفهم السلبية من الحضارة العربية ومن الدين الإسلامي ومن وضع المرأة المسلمة، لقد أوليت اهتمامي لأمور الإبداع ورقي الحضارة الإسلامية في أوج ملكوتها ولقي ما قدمته أعظم ترحيب واحترام. العالم خارج السياسة ليس عدونا.
الجدار المانع هو نحن
الترجمة كنقل أمين للنص، لأي نص، لا علاقة لها بالسياسة، إن السياسة القمعية تؤثر في ما ينتخب للترجمة لا في آلية الترجمة نفسها. إن تأثير المواقف القمعية في العالم العـــــربي أو تلك التي تخضع للسياسة ولمتطلبات حراســـــها وهي في أغلبها مناهضة للحظة الحالية، مناهضة لنمو الفكر الإنساني وفوحان الروح الحرة وحق الإنسان في الاختيار تشكل خطرا كبيرا علي مستقبلنا الحضاري وعلي نمونا الروحي. أنا لم أعد أعرف كيف يتسني لأعداء الثقافة العربية أن يكون لهم حضور في عالمنا إلا أن يكون هذا العالم قد دخل في فترة سكونية هي أقرب للموت فقبل وأحني رأسه وتراخي وسمح للفوضي أن تعيش.
الآن تقوم عند الغرب حركة كبيرة للترجمة ولكن هذا الحركة القوية منصبة علي النقل إلي العربية لثقافات الآخرين دون الالتفات الصحيح إلي أهمية نقل أحسن ما في تراثنا القديم والحديث إلي هؤلاء الآخرين. ماذا يظن بثقافتنا ـ بثقافتهم المسؤولون عن هذه الحركة المستجدة ؟ هل نحن هبة ريح جاءت إلي الدنيا ثم همدت؟ ألا نحترم أنفسنا وتراثنا الغني وتاريخ حضارتنا فنضــــــع كل هذا بيد الآخرين بدقة وإتقان؟ انني أنا نفـــسي لا أصدق أن إهمالا واستخفافا كهذا بإنجازاتنا يستمر إلي هذا اليوم، ليس بيننا وبين العالم وتعريفه بحقيقتنا الحضارية والثقافية عبر العصور إلا نحن انفسنا، نحن أنفسنا هو هذا الجدار المانع، نحن انفسنا نقدم لثقافتنا الأعداء والعابثين.
صبحي حديدي
الترجمة نشاط مكمل للسلطة
لستُ في عداد المؤمنين بأن من وظائف الترجمة إزالة الالتباس حول الآخر، رغم انه قد يصح احتسابها في لائحة الواجبات المعرفية والأخلاقية للترجمة، الأمر في يقيني كان، ويظل اليوم أيضا أكثر تعقيدا من أي نية صادقة أو باغية، لردم الهوة الحضارية بين لغة ولغة أو حضارة وحضارة أو ثقافة وثقافة. فالترجمة نشاط تابع وخاضع ومكمل للسلطة أو لسياسة القوة علي وجه التحديد، وهكذا كانت الحال علي مر العصور، وفي النموذج الأقصي الذي جسدته الامبراطورية البريطانية مثلا، كانت الترجمة عملا منهجيا منظما هدفه الأول التعريف الأفضل بالآخر بقصد استعماره علي نحو أسهل، ولهذا كان المترجم عاملا، علي نحو أو آخر، لدي مختلف مراكز القرار الإمبراطورية، السياسية والاقتصادية والامنية والعسكرية والتبشيرية، قبل تلك الثقافية، وللإنصاف كانت هذه أيضا فلسفة نابليون بونابرت في ضم المطبعة والمترجم والباحث والعالم إلي ركاب حملة 1798، واعتبارهم جزءا لايتجزأ من عدّة غزو مصر، وهذه انعكست في توجه محمد علي الكبير لإرسال البعثات الدراسية إلي إيطاليا وفرنسا بهدف ترجمة الكتب المتخصصة في فنون الحرب وصناعة السلاح، ما خلا هذا توفرت بالطبع استثناءات محدودة استشراقية كانت أقرب إلي مشاريع شخصية غلبت عليها متعة التعريف باجتماع أو طبائع أو آداب الغريب العجيب المستطرف، وتلك حكاية أخري لاتمت بالكثير من الصلات الوثيقة إلي القراءة الثقافية لمسائل الترجمة.
ليست مسخا للثقافات الأصلية
للناقد الإنكليزي إ.أ. ريتشاردز، صاحب العمل الشهير معني المعني عبارة شهيرة تقول: قد تكون الترجمة هي نمط التطور الأشد تعقيدا علي امتداد التاريخ الكوني ورغم ما ينطوي عليه التصريح من مبالغة، إذ لعل التوصيف ينطبق علي معظم الاختراقات الكبري في العلوم والتكنولوجيا، إلا أن تلك المبالغة تحديدا إنما تشير إلي خطورة نشاط الترجمة في ناظر رجل شغلته إشكالية المعني وأرقته معضلة الدلالة. الترجمة، بالمعاني التي يفضي إليها سؤال الاستشراق ، تخص التثاقف مع الآخر، وتمثيل أو تمثل هويته ـ هوياته الثقافية والحضارية، وكيف يمكن للمفاهيم أن ترتطم أو تلتقي بين لغة وأخري وبين حضارة وسواها، وأواليات استقبال النص المترجم، واختلاف وظائفه، وسياسة النص وسلطة المعرفة، في غمرة هذه العلاقات التبادلية كلها، وكذلك في ظل اختلال التوازن لصالح ثقافة ضد أخري حسب الاحتمال الأكثر شيوعا. هذه سيرورات بالغة التعقيد،إذا لا يخفف منها البتة أن سيرورة القراءة في حد ذاتها صارت ظاهرة بالغة التعقيد بالنظر إلي ما يتوالد حول النص من عوامل لغوية وتاريخية وثقافية وسياسية وجغرافية متغايرة.
واستطرادا أميل إلي التفكير في أن أية ترجمة، مهما بلغت براعتها التقنية ورسخ اتكاؤها علي مؤسسة مكينة متفوقة سياسيا أو معرفيا، ليس في وسعها أن تستنسخ ذاتها في الثقافة ـ اللغة الضيفة، علي نحو يتيح لها مسخ المفاهيم الأصلية لصالح المفاهيم الوافدة، والحال أن الترجمة تشير أول ما تشير إلي اختلاف اللغات واختلاف الثقافات واختلاف السياسات، خصوصا أن مفهوم التعدد الثقافي لايقتصر علي التعايش البسيط لثقافات متعددة مكتفية بذاتها ولا تحتاج إلي مستوي حي من التفاعل المتبادل بينها، بل العكس هو الصحيح، علي غرار لوحة الموزاييك حين تكون كل قطعة مستقلة بذاتها ومرتبطة بسواها في آن معا.
خالد الحروب
طاقة تتجاوز توظيفات الأدلجة
الترجمة كأي مشروع معرفي آخر ممكن أن تكون معينا لثقافة وفكر وإبداع إضافي ومتجدد ويمكن أن تخضع لأية توظيفات سياسية وإيديولوجية ذات غايات غير معرفية، لكن التجربة التاريخية الطويلة للبشرية تفيدنا بأن طاقة المعرفة الكامنة في حركات الترجمة العالمية والعابرة للحضارات والثقافات تتغلب علي توظيفات الأدلجة والتسييس المفتعل والفج، لذلك فلسنا مضطرين لاتخاذ موقف متوتر ومبالغ في الحساسية إزاء الترجمة، أما دور المثقف فهو هنا متعدد الأوجه، فمن ناحية عليه ألا يتخلي عن مهمته الأصلية التي يعرف بها وهي النقد سواء إزاء ما يترجم أو ما ينتج محليا، وعليه من ناحية أخري، خاصة إن كانت لديه معرفة باللغات الأخري المترجم منها أن يموضع العمل المترجم في سياقه الثقافي والسجالي في فضائه الأم، وذلك لتقدير أهميته أو هامشيته، فما يحدث في كثير من الأحيان أن عملا مترجما يتم استقباله بحفاوة كبيرة لأنه يتناغم مع رؤي محلية معينة، ويظن كثير من الناس أن هذا العمل ممثل أو معبر عن تيار عريض أو أنه ذو تأثير كبير في ثقافته الأم وفي ذلك تقصير إن لم نقل خداع معرفي.
لست متأكدا من الفرضية القائلة ان الترجمة تحضر الآن علي استحياء، إذ ربما يمكن القول ان مانراه الآن في طول وعرض العالم هو العكس تماما، فبسبب تكنولوجيا التبادل المعرفي الاختياري والاجباري وعولمات الثقافة والإعلام والاتصالات فإن حركة الترجمة العالمية تحضر بكل قوة. لم يكن هناك فترة في تاريخ البشرية فيها هذا القدر المكثف من الاطلاع والمعرفة المتبادلة بين الحضارات حتي وإن كان هناك غير تكافؤ فادح بينها فيكفي أن ينجح كتاب ما سواء في السياسة أو الأدب أو أي مجال آخر من مجالات المعرفة حتي يترجم خلال فترة قياسية إلي لغات عديدة، وكم من الكتب التي تترجم إلي ثلاثين لغة أو أكثر بعد سنة أو سنتين من صدورها بلغتها الأم، مثلا مؤلفات اورهان باموك الكاتب التركي الحاصل علي نوبل للأداب العام الماضي وبالأخص رائعته إستانبول وعدد اللغات التي ترجمت لها في فترة قياسية جدا.
الحضارة الغالبة تعولم ثقافتها
من دون الترجمة السياسية والثقافية والفكرية والأدبية لكان صوت فلسطين منسيا في العالم، بترجمة ذاتنا وسرديتنا إلي لغات الآخرين نصل إليهم بأقصر الطرق، وهذه بديهيات لا تحتاج إلي توكيد، ما يحتاج إلي توكيد هو عكس ذلك تماما ، أي سيادة مخاطبة الذات فلسطينيا وعربيا، ذلك أن غالبية دفوعنا عن قضايانا مكتوبة باللغة العربية وموجهة لقراء عرب، أي كمن يبيع الماء في حواري السقايين، ما نحتاجه هو المزيد من التخاطب مع الآخر بلغته وطرقه وآليات تفكيره، تأملي مثلا بالأثر شبه الصفري (علي صعيد التواصل مع الآخر علي صعيد القضية الفلسطينية) لآلاف الكتب الصادرة بالعربية مقارنة بكتاب أو كتابين لإدوارد سعيد أو هشام شرابي أو وليد الخالدي، وعندما تكتب سعاد العامري عمتي وشارون بالإنكليزية أو يفوز رجا شحادة بجائزة أدبية رفيعة، عن كتابه مشاوير فلسطين كما حصل اخيرا فإن في ذلك أثرا وتأثيرا يفوق مجلدات وأطنانا من الحبر نهرقها في إثبات حقوقنا الفلسطينية أمام بعضنا البعض !
كثافة اتجاه الترجمة من لغة إلي أخري أو من فضاء ثقافي إلي آخرمتعلقة بداهة بالفاعلية الحضارية ومراكز انتاج المعرفة، وهذه المراكز ذات الفاعليات الحضارية ليست جهات خيرية، بل دول كبري ومنظومات سياسية لها أهداف ومصالح استراتيجية وهذا يستثني أي تساذج يفترض غياب الأبعاد الأيديولوجية في الانزياحات الثقافية الكبري بما فيها بعض حركات الترجمة، وكلنا نعلم الآن كيف أن الثقافة والأدب كانت أسلحة حادة في الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي خلال حقبة الحرب الباردة، وهذا التوظيف هو مرة أخري واحدة من بديهيات الحركة التاريخية وليست اكتشافا جديدا، كل حضارة غالبة وفي زمن غلبتها ـ كما في اللحظة الظافرة للحضارة العربية الإسلامية ـ تعولم ثقافتها وتنزع لتسويقها في رقاع الأرض وأحيانا لفرضها قسرا بطرق مختلفة ومنها الترجمة. لكن مرة أخري وكما أشرت تسود القوي وتبيد وتبقي المعرفة المشتركة بين البشر.
نزار شقرون
وسيلة مثلي للفاعلية الحضارية
لاتعد العلاقة مع الآخر حديثة بل إن التاريخ العربي يشهد مدا وجزرا لهذه العلاقة، وليس صحيحا أن الانقطاع الحضاري بلغ شأوه مع عصر النهضة، بل لعل هذا العصر لم يفكر في أسئلة التنوير إلا بفعل الصدام مع الآخر، وكأننا إزاء قانون تاريخي يحكم بأن الممارسة الحضارية لا تكون خارج منطق العلاقة بالآخر، وقد عبرت حركة الترجمة في مختلف الحقبات الهامة عن احتياج حضاري للأمم في تطوير معارفها وتنظيم شؤونها، وتوسيع دائرة مبادلاتها، وشغلت هذه الحركة الأفراد بمثل ما شغلت الجماعات والدول، بل أخذت بعدا علميا ومعرفيا منذ أزمنة قديمة حيث تجاوزت مهمة التواصل اللغوي لتشكل رحي الحوار المعرفي الذي تنازعته موازين الغالب والمغلوب، علي مدي الفترات الأساسية والحساسة لعلاقة الشرق بالغرب.
فلا مناص من القول بأن الخصوصية الطاغية علي عملية الترجمة في أغلب الفترات انتظمت في سياق حضاري متفاوت القوي، فقد عدت ترجمة المعارف اليونانية إلي اللغة العربية من اللغات الوسيطة واللغة الأصل أبرز حركة ترجمة ذات طابع كوني جعلت العرب الفاتحين منفتحين علي الأخذ من ينابيع ثقافة المهزومين، فلا يمكن أن نتجاهل أن حركة الترجمة في العصر العباسي التبست بأهداف فارسية فأخذ الفرس الذين دخلوا الإسلام توجيه الحكم العباسي وفق أسس حضارتهم وهو ما تجلي في أغلب المصنفات السياسية والعلمية التي ترجمت إلي العربية، وبهذا استطاع العنصر الفارسي أن يستعيد حضوره السياسي عبر هيمنة معارفه، فبدت الترجمة وسيلة مثلي لتحقيق حضور حضاري متجذر جعل من السكان المحليين مناورين في لغة الفاتحين، ومثلت حركة الترجمة من العربية إلي اللاتينية اللحظة الثانية من التداول الكوني علي السيطرة وهو ما برهنت عليه علاقة اللاتينيين بالعرب في نهاية الدولة العربية بالأندلس فأخذ اللاتينيون بدورهم عن ثقافة المغلوبين.
اصطحب بونابرت علي متن سفينة الشرق مطبعة مجهزة بالحروف العربية، سميت بمطبعة جيش الشرق ، ثم المطبعة الأهلية طبع عليها منشور نابليون إلي المصريين، فكانت السفينة بمثابة أول مؤسسة نشر وكان بونابرت أول ناشر رمزي.
في القرن التاسع عشر وقف العرب أمام ضرورة الانتباه إلي هذا الغرب وقفة المصدوم، ومنذ ذك العهد تراكمت أسئلة النهضة العربية ودارت مثلما تدور الرحي علي حركة الترجمة، ترجمة المغلوب لكتاب الغالب أي لمعرفته وعلومه، وتفاوتت حركة الترجمة من بلد إلي آخر ومن زمن إلي آخر إلا أنها شهدت ذروتها في مستوي الوضع المؤسساتي خلال هذه الفترة، وخاصة بعد حلول العرب ضيوفا علي معرض فرانكفورت الدولي 2004، حيث تعاظم التفكير في مشاريع ضخمة تؤسس من جديد لحركة الترجمة ومنها مشروع الكلمة ومشروع ترجم في الإمارات العربية المتحدة، والمركز الوطني للترجمة في تونس.
فشل باختبارات المعارض الدولية
تطرح علي العرب اليوم أسئلة التأثر والتأثير، وهي الأسئلة ذاتها التي واجهها الأجداد ولكن من موقع مختلف، نحن نواجه اليوم وضعا حرفيا لم يكن موجودا حيث تقع ديناميكية الترجمة وسط اشتراطات لم تكن موجودة، فاليوم، لا يمكن أن تترجم جديد الآداب والفكر إلا بشراء حقوق الترجمة التي تبدو باهظة علي الناشر العربي وتعلي من كلفة إنتاج الكتاب. هناك أشياء كثيرة تغيرت من الزمن الزراعي إلي الزمن الصناعي بل ما بعد الصناعي، المشكلة الكبري أن أغلب العرب من الناشرين والكتاب مازالوا يعيشون بذهنيات زراعية وأداء زراعي أيضا رغم إعلانهم الموهوم بأنهم منخرطون في الحداثة. لقد واجه العرب اختبارات في هذا السياق ومنها اختبار معرض فرانكفورت للكتاب وكانت نتائج مشاركة العرب فيه لم تخرج عن البعد الاحتفائي دون أن تسجل مشاريع كبري للترجمة ودون أن يقتلع الناشرون المشاركون عقودا سخية أو شحيحة للترجمة من العربية وإليها، فهل أن الناشر الألماني كان محترزا من الكتاب العربي أم أن الكتاب العرب لايستطيعون إغواء هذا الناشر ؟ من المفيد القول بأن الكتاب العرب الذين يلهث غالبيتهم علي إيجاد قارئ عربي ليست لديهم المقدرة الكافية علي لفت انتباه الناشرالألماني والغربي علي السواء الذي تحكمه شروط وسياقات مهنة النشر، ففي تعليق للكاتب أحمد حسو يذكر أن دور النشر الألمانية لن تنشر الكتاب العربي من اجل سواد عيون العرب، فالكتاب أولا سلعة عند الناشر قبل أن يكون ثقافة، وهو بالنسبة إليه مشروع تجاري، إنه يختارالكتاب الذي يتوسم فيه الانتشار والقبول لدي القارئ الألماني، وبعد هذه السنوات من معرض فرانكفورت ما الذي جناه الكاتب العربي فعلا ؟هل استطاع هدم الجدار الألماني من جديد بعد أن كان الألمان من أوفر الأمم استدعاء للكاتب العربي عبر الاستشراق الرومانسي ؟ لم يفهم العرب بعد أن الناشر الغربي يلتزم بمقومات تجارية تتجاوز أحلام الكاتب العربي بمجد الشهرة العالمية إزاء التجاهل المحلي وبدا أن الكاتب العربي يمجد الشهرة العالمية إزاء التجاهل المحلي..بحيث يشمله شعور الفاتحين القدامي كلما تعلق الأمر بحضور كتابه المفترض في الساحة الدولية. لقد حان الوقت للتعقل، فمعايير الناشر الغربي ليست تجارية متعالية عن واقعه، عليه أن ينصت لاحتياجات قارئه وهو لايترجم الأدب العربي مثلا لإرواء لذة الكاتب العربي في الاستمناء الكتابي بل يبحث فيه عما يروي نهم القارئ الغربي، باختصار: لهذا الناشر موازين تفترق عن موازين القرن التاسع عشر حين كان الإنسان الغربي متعطشا إلي معرفة الشرق بمثل اشتياقه إلي معرفة الفردوس المفقود، وحتي الكاتب الغربي لم يعد شغوفا بمعرفة العالم العربي فلقد خفت لهيب غوته حين قال في قصيدة هجرة : فلتهاجر إلي الشرق الطاهر الصافي كي تستروح نسيم الآباء الأولين .
الكاتب العربي يهمش الناشر
لقد سعت مؤسسات ثقافية عربية عديدة لإظهار صورة ما عن العالم العربي، ولكن هل نجحت هذه المؤسسات؟ ثم عن أي صورة نتحدث ؟ هل يريد الغرب مواصفات محددة لهذه الصورة؟ يتواصل الغرب مع الثقافة العربية من زاوية الإبداع المفرد، يعني يتعامل مع كتاب وليس مع حركة كتابة، مع ظواهر كتابية وليس نمطا كتابيا ممتدا، وتلك ليست مشكلة الغرب عموما بقدر ما هي مشكلة عربية صميمة، تلك مسألة لها دوافعها ومسبباتها، وما يهمنا في هذا المقام أنها ساهمت بشكل كبير في التقليل من صورتنا في واجهة بيعنا لمعلبات تلك الصورة.
ولا أحد ينكر أننا مضطرون لبيع صورتنا ولكن ذلك أمر عسير، علينا أن نكون براغماتيين في هذا الاتجاه، ولا نستطيع أن نتحدث عن الترجمة من العربية في ظل غياب فهم واضح لطبيعة حركة الترجمة الغربية، وإذا اعتقدنا ان الترجمة من طرف واحد قاردة علي تحريك الوعي الترجمي لدي الغربيين فهذا مكمن الخطأ لأنها تتطلب تورطا من الناشر الغربي أيضا.. وكيف نقنعه بقبول ترجمة ما نحب ونشتهي؟ إنه يخضع لمشروطية السوق، فهو تاجر قبل كل شيء وهو يشترط علي حركة الترجمة ان تكون حرفية في المقام الأول فليتزم بأصول الملكية الفكرية، فتقدم مشاريع الترجمة من قبل الناشرين لا الكتاب بعد استظهار عقود واضحة يفوض فيها الكاتب الناشر للتفاوض بشأن حقوق الترجمة، وهو يتعامل مع نظرائه من العرب أو الوكلاء الأدبيين. إذن المشكل الأول في التعامل مع الناشر الغربي هو مشكل هيكلي وقانوني لأن دور النشر الغربية هي التي تملك عموما حقوق الترجمة، وتعرضه للبيع بالتالي تقدمه، أما دور النشر العربية فقلما تملك حقوق بيع ترجمة الكتب التي تنشرها لأن حق البيع يبقي للكاتب دون استثناء دور نشر مهتمة بالانخراط في حركة النشر العالمي. الناشر العربي لا يمثل الكتاب لذا يصبح الكاتب أعزل من كل مقومات التواصل مع الأجنبي.
وتبقي أغلب الترجمات من العربية وليدة مبادرات مؤسسات حكومية أو اتحادات أو جمعيات عربية أو مبادرات شحيحة للأطراف الغربية، لأن الترجمات تتطلب دعما ماديا وافرا لا يقدر الناشر العربي علي مواجهته منفردا، ورغم دور الناشر المهم إلا انه يتعرض للتهميش من الكتاب، أليس من الواجب إعادة الاعتبار للناشر وتفعيل وجوده في حركة الترجمة، فكلما ارتفعت حركة النشر نشطت حركة الترجمة وهو ما يحدث في أوروبا.
أما الناشر الغربي فيتصرف بسياق تسويقي وهو في غالب الأحيان لا يأبه بيفاعة مشروع الترجمة العربي بل لا يعول كثيرا علي ترجمة فكره إلي العربية، وهناك دعم لبعض الترجمات تكون مقاييسها منحازة الي طرف دون اخر وفق مظلة علاقات نضعها في خانة المساءلة.
قليلا ما يقع التفكير في مشروع الترجمة من زاوية التسويق من ربح وخسارة غير ان الناشر العربي يضع هذا الشرط كالسيف وقليلا ما تم اغفال دور الناشر لانه متهم بالتفكير في هذا الشرط، ولكن ما حدث في اعداد معرض باريس من دعوة المعرض لاسرائيل ضيفة شرف لهذه الدورة يكشف بان فرنسا ذاتها لم تعد تأبه بما يكتبه العرب ولا تخشي من غيابهم علي معرضها ومن مقاطعتهم.الناشر العربي يوضع جانبا في حركة الترجمة في البلدان العربية فيقع في غربتين في الداخل والخارج.تلك هي ابرز موازين القوي بين حضارة في أوج قيمتها الاعتبارية والمادية وبين حضارة مازالت تتكئ علي حائط المبكي.
عبد الله القبيسي
تأسست هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث في شهر شباط (فبراير) 2006، بغرض تفعيل الحركة الثقافية في أبوظبي أولا ثم في الإمارات عموما، ومنذ بداية تأسيسها أطلقت مجموعة من المشاريع الضخمة جدا ليس علي مستوي نشر ثقافتنا المحلية وحسب بل علي الصعيد العربي وعلي مستوي العالم عموما، وأعطيك مثالا علي ذلك : جائزة الشيخ زايد للكتاب والتي أطلقتها الهيئة مع بداية تأسيسها وهي أضخم جائزة عالمية علي مستوي الكتاب، فمنها تتفرع جائزة أفضل كتاب مترجم وجائزة الكتاب وجائزة المؤلف الشاب وجائزة التقنية الثقافية.
ثم يأتي مشروع كلمة للترجمة من اللغات الأجنبية كلها إلي اللغة العربية.
في حقيقة الأمر إننا لازلنا في بداية المشوار وما في جعبتنا يبشر بالكثير من الخطط التي تتخذ سبيلها إلي أرض الواقع ضمن خطة زمنية مرسومة لها، إننا نبتدئ بترجمة الآخر فنستعير من مكتبته الكتب التي تناسب مجتمعاتنا وحاجياتنا وتثري مكتباتنا، مراعين التنوع في الاختيار بحيث يشمل المواضيع العلمية والاقتصادية والطبية والأدبية، إنها خطة شاملة تتضمن ترجمة العلوم والآداب
لدينا خطة سنوية تهدف إلي ترجمة مائة كتاب سنويا من اللغات الأجنبية للعربية و للغة الإنجليزية فيها النصيب الأوفر، ثم ستتطور هذه الكمية في المستقبل لتشمل 1000 كتاب، بحيث نركز علي ترجمة العربية إلي اللغات الأخري وفعليا تبتدئ هذه النشاطات بعد ثلاث سنوات.
إلياس فركوح
عملية تسويقية لجني أرباح
لا شك ان النشر هو عملية تسويقية للكتاب، مما يعني أن الكتاب المخطوط سلعة، تطرح في السوق بناء علي متطلبات السوق، بمعني أنه إذا لم يربح في السلعة فإنه لن يستمر في انتاج الكتب الاخري، بالتالي هي عملية إنتاجية محضة وتسويقية محضة. وكونه تاجرا فإنها ليست ميزة سلبية أو شبهة لأنه يتم فيها تحويل الكتاب إلي سلعة تخضع إلي عملية التوزيع والتسويق، نحن في معرض لندن نري هذا الكم الهائل من الدعايات واللافتات الملونة لماذا ؟ لأنها عملية تسويقية تنفق عليها الجهات المختصة من أجل أن تجني أرباحا من خلالها فتستطيع بالتالي أن تستمر في عملية الاصدار. وتجارة الكتب تكون رابحة عندما تراعي شروط طرح السلعة في اسواق تطلبها، أما إذا كانت تطرحها في أسواق مدبرة عنها فإنها تجارة خاسرة حتما.وبالتالي إذا خسرت هذه التجارة خسرت معها الثقافة وخسر المجتمع، وكونها رابحة فهذا دليل علي ان المجتمع متفتح وقادر علي عملية الأخذ والحوار مع أبنائه ومع الآخرين.
ونحن دار نشر تعني بالكتاب الأردني لأننا أبناء هذا البلد يشكلنا ونشكل مشهده الثقافي، ونعني أيضا بالكتاب العربي لأننا ننتمي إلي هذه الثقافة ونحن جزء منها، ونعني بالتالي بالكتاب المترجم إلي العربية لأننا منفتحون علي العالم، إلا ان كل هذه الجهود تتعرض للضرر إذا ما استمرت الشروط الاجتماعية القاسية أو الثقيلة علي المجتمع لأنه يدبر حاليا عن قراءة الكتاب، إذن إن لم تكن هناك عملية توعية يتم بها العمل علي تشييد بناء رؤية جديدة فإنني أظن أنه بعد عشر سنوات سيتعرض الكتاب للموت. شخصيا أشارك في كل المعارض الدولية وهذه المشاركة بطبيعة الحال تتيح لهذا الكتاب أن يشتري وتعرف الآخر به.
لم نقدم شيئا للعالم
أنا ضمن اجتهادي الشخصي أري أن الثقافة العربية المعاصرة لم تقدم شيئا إلي العالم، فما هو الجدير بأن يطلع عليه العالم هو الأدب الذي نغدو قادرين علي ترجمته لأنه وحده نتاجنا الحقيقي، في كافة الحقول المعرفية التخصصية العلمية نحن نتلقي ولا ننتج، وكل الدراسات العربية والإسلامية والصوفية حتي الصوفية والحفريات هي من إختصاصهم، فهي حفريات قام بها الأجنبي في بلادنا وأرضنا بالتالي فإننا نقوم بترجمة ما اكتشفوه هم عنا ودونوه فهي بضاعتنا ردت إلينا، فكيف أقدم لهم كتابا لم يطرح جديدا خاصة علي مستوي الدراسات العلمية والأثرية وووو..
نحن نأتي هنا لنكتسب خبرة ونبحث عن اتفاقيات بين الناشرين والمؤلفين، وعن إمكانية خلق آلية جديدة للتبادل الثقافي والمعرفي، أنت عندما تزورين كل جناح سواء بلندن أو فرانكفورت كمعارض كبري تخرجين من كل جناح بأربعة مكتسبات علي الأقل وهذه بحد ذاتها خبرة كبيرة، وليس من العيب أن نقول نحن هنا لنتعلم ونري العالم كما هو.
والترجمة ضرورة لأنها شكل من أشكال الحوار مع الآخر، ومعرفة الآخر بالتالي تعيننا علي معرفة الذات من خلاله. ويجب أن لا نقف كثيرا عند كلمة خيانة التي تتردد كثيرا عند الحديث عن الترجمة، هي فقط محاولة للقول بأن الترجمة لن تكون في يوم من الأيام نقلا للنص كما هو بشكله وروحه، إننا نختبر الترجمة دون خيانة، وإن وجدت فهي محصورة في الآداب، ولا تنطبق بتاتا علي العلوم لأنها ثابته لذا فإن التعميم علي جميع المعارف لا يغدو عادلا.
والترجمة كاحتراف شيء مختلف عن صناعة الترجمة ، أنا أطمح لأن يكون في العالم العربي مجموعة من المترجمين أصحاب الاختصاص تعتمد مقاييس ترجمة دقيقة تثير الاطمئنان في نفس القارئ العربي والثقة بشراء الكتاب الذي يراعي أمانة النقل
دون وجود حول بترجمة المعاني والمصطلحات.
ہ شاعرة من فلسطين مقيمة في بريطانيا