ســبعُ قصــائد
سـعدي يوسـف
تدقيق
لوحُ زجاجٍ في نافذتي
في اللوحِ إطارٌ أبيضُ ( يبدو لي أسودَ).
أجلسُ ، متَّكِئاً ، وأراقبُ:
في اللوحِ غيومٌ ثابتةٌ
وأعالي شجرٍ تهتزُّ.
خطوطُ الفضةِ آتيةٌ ممّا ترسلُهُ مدرسةُ الطيَرانِ إلى الأعلى.
واللوحُ ( كما في الدرسِ الأوّلِ )
كان ثلاثةَ أقسامٍ:
سقفُ الـمَبنى ، حيثُ السجَناءُ ( وأعني نحنُ ) هو الثلثُ الأوّلُ
أمّا الثلُثانِ …
أحاولُ أن أدخلَ ، ثانيةً ، في ما كانَ
دخولي الأوّلَ
لحظتيَ الأولى …
الآن
أعالي الشجرِ اهتمَدَتْ ســاكنةً
وتحرَّكَ ، في الأفقِ الملموسِ ، الغيم …
لندن 19.06.2009
ســكونٌ صيفيٌّ
الهواءُ تدَلّى
كأنّ به مائعاً من رصاصٍ
كأنّ الذي نتنفّسُهُ لم يكن مثلَ هذا …
الغيومُ التي ثَقُلَتْ بالهواءِ تدلّتْ على شُـرُفاتِ المنازلِ.
لم يَمْرُق الطيرُ
والشمسُ ، بين الرصاصِ العميمِ ، اضمحلّتْ.
أرى النملَ
والنحلَ
بينَ اضطرابٍ ومَسعى …
………………..
………………..
………………..
وفي بغتةٍ أتذكّـرُ ، أني هنا ، منذُ عَشــرٍ
وأني ، هنا ، سأموتُ …
………………….
………………….
………………….
تباغتُني قطَراتُ الـمطـر!
لندن 05.08.2009
النحلُ يزورني
على قميصيَ حطّتْ نحلةٌ ،
وأتتْ من بَعدُ أخرى …
وكان الزهرُ مؤتلِقاً يُتعتِعُ الزانَ والبستانَ.
كيفَ أتى النحلُ العجيبُ إليَّ؟
مائدتي محدودةٌ :
خبزةٌ
جبنٌ
وطافحةٌ بها نبيذٌ فرنسيٌّ …
أيقصدُها النحلُ؟
الغريبُ في الأمرِ أن النحلَ ملتصقٌ على قميصي …
ومِلحاحٌ.
أيعرفُ أن الكونَ تحتَ القميصِ …
الشُّهْدَ
والمنتهى
تحتَ القميصِ ،
وأنّ الطّلْعَ يضطربُ ؟
لندن 08.08.2009
إيرلنديّةٌ في الشمالِ الأميركيّ
‘ إلى بِـنْـكِـي ووكَــر ‘
Binky Walker
شَعرُها وَرْدُ إيرلَـنْــدةَ
الوجهُ يبزغُ من لُجّـةِ الوردِ .
هادئةٌ ، هي ، لا تتكلّمُ :
بِضعُ غماغمَ للريحِ ،
لكنْ ، عليّ ، أنا ، أن أفسِّرَ تمتمةً
أن أقولَ :
أحبُّكِ !
لكنها تتبسَّــمُ ، صامتةً .
ثمَّ ، بعد دقائقَ ، تهمسُ للريحِ :
إنْ أنتَ جئتَ وحيداً ، إلى ‘ حانةِ الـمَـعْـبدِ ‘
المسْتَكِـنّــةِ في آخرِ الليلِ ،
في آخرِ الكونِ …
سوف أُحِبُّكَ !
لندن 08.09.2009
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقصود بـ ‘ حانة الـمعبد ‘ منطقة حانات تاريخية في العاصمة الإيرلندية دَبْـلِـن
Temple Bar
ســأكونُ صــديقــي
سأجلسُ على المصطــــبةِ الخشبِ . إلـــى يمين الباب . باب بيتي الذي هو ليس بيتي.
سأجلسُ. أحدِّقُ في العشب الذي لا يذوي. أحدِّقُ في الأغنيةِ التي تغيب.لم تكن السـماءُ
عاليةً هنا ، أبداً. الطيورُ تَبْلغُها والطائراتُ وأدخنة المدافيء الغازية.أسمعُ ؟ ربما مَسْــــرى
الدمِ في ذراعي الشمالِ.لم يَعُد البريدُ يحدِّثُــــني.ماذا أنتظرُ هذا الصباح؟ السنجابُ الوحيدُ
الذي يقتربُ مني اختفى اليومَ. وطائرا الزريابِ رحلا . لستُ أدري متى يعودانِ. سيكون
المساءُ بارداً.أقولُ لكِ شيئاً : أنا منذُ اليومِ سأكونُ الـمُــدَوِّنَ. الساعاتُ ليستْ فارغةً.ملايينُ
النوابضِ والنبضاتِ تنتظرُ مني أن أكونَ وفِيّــاً. إذاً ، سأجلسُ على المصطبةِ الخشـــبِ .
سأظلُّ جالساً حتى تحت نثيرِ الثلجِ.لا أنتظرُ شمساً ولا مصافَحةً . سأكونُ صديقي …
لندن 18.12.2009
حِــنّــاءُ الـفــاوِ
حنّاءُ نساءِ البصرةِ تأتي مع مِلْحِ البحرِ
وأسماكِ البحرِ
ورُوبيانِ البحرِ
من الفاوِ …
الأوراقُ الـخُضْـرُ ، مخشخشةً تأتي ، في أكياسٍ من خيشٍ.
ستكون الأوراقُ طحيناً أخضرَ مُـغْـبَــرّاً
ستكونُ عجيناً أخضرَ
أخضرَ ، مُـحْـمَــرّاً بعد دقائقَ .
حنّاءُ الفاوِ
خِضابُ لِحىً وجدائلَ
راحاتُ عرائسَ
أخفافُ حُفاةٍ شــقّقَ أقدامَهمو السّـعيُ على طرُقاتِ اللهِ …
وحِــنّاءُ الفاوِ
كأسماكِ الفاوِ
ومِلْحِ البحرِ
وروبيانِ البحرِ
تَناءتْ ، حتى غابتْ في ما كانَ يُـسَــمَّــى الفاو …
…………………
…………………
…………………
خالاتي المسكيناتُ سَــكَـنَّ الفاو .
لندن 12.02.2010
فُــتُــوَّةٌ
في الـ57
حـفَـرْنا ، بأظافرِنا الســودِ ، خنادقَ حولَ دمشقَ …
بساتينُ الغوطةِ كانت بكثافةِ أدغالِ الأمازونِ
ومن أعلى جبلِ الشيخِ يسيلُ الماءُ زلالاً بين أصابعَ مُـفْـعَـمـةٍ بترابِ الأرضِ.
وفي الـ57
شــربْنا عرَقاً ، رُبْعَ البطْحــةِ
ثمّ نَـعِـمْـنا بشطيرةِ خبزٍ عربيٍّ ، رُبْعَ الليرةِ …
في الـ57
أحببْـنا
و كـتَـبْـنـا في ضوءِ الشمعِ قصائدَنا الأولــى.
كان زماناً ذهَـبــاً
كنّا في الـ57 …
وكنّا ، نحفرُ ، مثلَ دمشقَ ، خنادقَنا في الروح.
لندن 28.03.2010
القدس العربي