صفحات ثقافية

عندما يُفتي أدونيس ذو العقل الديني في الحداثة والشعراء والروائيين!

null
ب.ش
يصف الشعراء على هواه، ويفتي “فيهم” وفي الروائيين لا سيما نجيب محفوظ الذي اعتبره ينتمي الى القرن التاسع عشر، نتذكر أن صاحب “مهيار الدمشقي” أعلن مرات أنه لا يقرأ الروايات (ونعرف أنه لا يقرأ المسرح أيضاً ولا يشاهد السينما ولا حتى المعارض التشكيلية إلاّ من باب الوجاهة). ونتذكر أنه انتقد أخيراً في إحدى المجلات الخليجية الروائيات العربية وأسقط على كتاباتهن من “مخيلاته” الشعرية بذاتها أوصافاً وأحكاماً… عمومية وجاهزة لا توحي أنه قرأهن. فالذي يصرح مرات أنه لا يحب قراءة الرواية فجأة يتحول، وبفعل “رؤيوي” “نبوئي” مفتياً وناقداً وذا حكم… فأخونا كما يصنف الشعراء عموماً من دون أن يقرأهم (فهو لا يقرأ إلا نفسه ليثير إعجابه بنفسه، ويثمل طويلاً حتى اللذة القصوى بنرجسية نادرة)، ها هو يصنف نجيب محفوظ، وإذا افترضنا جدلاً أنه قرأ محفوظ (من باب الظن) وأودعه “القرن التاسع عشر”، فبأي عصر يزرع انتماءه. فالذي تأثر (كما صرح مراراً) بأبي تمام وبأبي نواس (وتشك في ذلك لافتقاده الرهافة الشعرية التي يتمتع بها هذان الشاعران حتى في القرن العباسي الأول)، والذي غرف بلا حساب ولا رقيب من النفري بحرفيته ومن المحاسبي فبأي عصر تراه يكون؟ ما قبل القرن التاسع عشر أكيد! (وقد نقول هنا أن أدونيس هو أحدث شاعر جاهلي عربي لأنه توقف بحساسيته عند العصر الأموي خصوصاً متون الأخطل لكي لا ننسى الفرزدق و جرير الجارح في شفافية). والذي “أحب” مالارمه (ونشك أيضاً في أن يكون تجاوب معه، فمالارمه من قارة أخرى… وحتى فاليري، رامبو… وهم قمم يصعب على أدونيس تسلقها أو العربشة عليها). والذي يقلد سعيد عقل (وما زال) في “قالت لي الأرض” تقليداً من دون إبداع (كان أدونيس في الخامسة والعشرين ولما يزل في مرحلة تقليد سعيد عقل ونزار قباني وخليل حاوي وبدر شاكر السياب والبياتي وإيليا أبو ماضي..)، والذي يقلد سان جان جون بيرس في “اروادا” (لماذا لم تطبع مرة أخرى إلاّ إذا نقّحها لكي يزيل ما أمكن من تأثراته)، من دون أن ننسى حومانه حول شعر إيف بونغوا وجورج شحادة… وكذلك غيفيك (تأملوا)، وكذلك من دون أن ننسى قراءاته المقتبسة للاتريامون… فكأنه “غابة من الأصداء”… غابة مرنانة مجعجة بلا طحين!
نعود الى نجيب محفوظ. هذا الكبير. وكما اغتاب أدونيس “أبو الوفاء” محمود درويش وأمل دنقل وتوفيق صايغ (اعتبره متأثراً بل متماهياً بالتجربة الغربية) وأنت بمن تماهيت لتكون كل هذه “المأخوذات” والمصادرات عن الغرب، بل ولتكون كل وأشدد على كل أفكارك الحداثية (أبعد من تكون عن أي حداثة) بأنها من مجموعات الكتب: نتذكر سوزان برنار وما “استعرته منها”، وكذلك بعض شعارات مجلة “تل كل” و”إنفينيتي” وبعض المستشرقين… وجاك برك والأب نويا وسواهم!
وهنا نتجرأ ونسأل: نتحداك أن تعين “رأياً” حداثاً واحداً منك، أو من اجتراحك”…
نجيب محفوظ تأثر بالقرن التاسع عشر؟ ربما! وأين المشكلة! ولكن نجيب محفوظ لم يدعُ الى “الفوضى الجميلة” وهرب عند أول “فوضى”… بل بقي يواجه الواقع بجرأة الصامت بل بجبن المجلجل…
واجه الإرهابيين الذين لم ينج من اعتدائهم عليه إلا بأعجوبة! إنه روائي المدينة بامتياز: القاهرة بكل تناقضاتها، وبحس مدني (وليس مثلك بحس بدوي)، ونجيب محفوظ علماني ومفكر في علمانيته، وليس مثلك ذا “عقل ديني” مانوي يقسم العالم الى قسمين، والشعر الى مشعرين، والدنيا الى أبيض وأسود. إنه شأن الفاشيين (ولا نوصّفك بهذه الصفة برغم كل شيء. والغريب أن من يقرأ المسلسل التلفزيوني المكسيكي الذي كنت بطله في جريدة “الحياة” الغراء، يكتشف من دون عناء كم أن عقلك يا أدونيس عقل “ديني”، فوقي، تجريدي بالرغم مما تدعيه من تجرؤ على الدين، تستخدمه في بعض المؤتمرات العربية ليكون بديلاً من نقد الأنظمة التي بت أنت وبكل فخر أحد شعراء بلاطاتها!
فهنيئاً يا شاعر البلاطات، وهنيئاً أيها المفكر الموضوعي العميق الذي لم ننس موضوعيته في الكلمة “النقدية” التحليلية لقصائد الشاعر السعودي باشرحيل… ولو نطقت بالشهادتين، يا أب كل الشهادات المنطوقة وغير المنطوقة!
ولنعد الى نجيب محفوظ الذي تحاول أن تشوّه صورته… لأنه مبدع (وقد شوّهت صور مبدعين أهم منك)، ولأنه ويا للأسف نال نوبل… في وقت كنت تظن أنك العربي الوحيد (وربما العالمي) الذي يستحقها!
نال محفوظ نوبل من دون أن يتمسح بأعتاب المنظمات (…)، والمراجع، ويخون أفكاره ويبدل مواقفه… كما يبدل تبغ غليونه!
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى