الرواية السورية تسطّر ملامح زمن إبداعي جديد
دمشق- سامر إسماعيل
تتصدر الرواية السورية واجهة المكتبات العمومية لامعة خلف زجاجها ليقارب هذا الفن الأدبي العصا السحرية التي تعرج بالكاتب من الظل إلى الشهرة بعد أن شهدت القصة زمناً من النجاح تخلى عنها الكثيرون لتبقى في متحف الأمسيات الأدبية إلى الرواية صانعة نجوم الأدب.
لتصبح معشوقة كتاب اليوم مما تضفيه الرواية من لمسات سحرية تتحول فيها الشخصيات من خاطفة حادة إلى مسترسلة تعيش باسترخاء بين الصفحات الكثيرة فهل أصبحت الرواية عبارة عن مطولات قصصية أنتجتها موضة السرد المعاصر الروائي ممدوح عزام بعد كتابته لمجموعتين قصصيتين بعنوان “نحو الماء” و”مجموعة قصص مكتوبة مرتين” وروايات عديدة مثل “جهات الجنوب” “أرض الكلام” يعتبر أن مسألة اختيار أشكال التعبير عند أي كاتب مسألة غير واضحة تماماً فلماذا يختار هذا الكاتب أو ذاك الرواية أو القصة أو الشعر أو المسرح يسمي عزام ذلك موهبة أو طاقة إبداعية.
وبالنسبة لصاحب “قصر المطر” فلم يستطع كتابة قصة قصيرة جيدة منذ سنوات فما كتبه في القصة لا يرقى إلى المستوى الفني الذي يرضى عنه لأن الرواية عنده أكثر قدرة في التعبير عن الحد الأعلى للبلاغة المطلوبة من أجل صياغة الهموم والقضايا والمسائل الحياتية الكبيرة والصغيرة التي تشغل باله.
وعن أسباب تحول الأدب الروائي إلى موضة بسبب مطالب السوق يعتبر عزام أن السوق لا يعبأ كثيراً بالرواية ولا بالقصة القصيرة بمعنى أن القاص الجيد في العالم العربي يبيع عدداً من النسخ مساوياً لما يبيعه الروائي فالعدد المباع من القصة أو الرواية عدد ضئيل على الدوام.
بدورها الروائية روزا ياسين حسن انطلقت من مجموعتها القصصية الأولى “سماء ملوثة بالضوء” نحو رواياتها الثلاث “أبنوس، نيغاتيف، حراس الهواء” ترجع تحولها لكتابة الرواية إلى عدة أسباب أولها أنها تعتبر القاص مثل صياد في جعبته سهم واحد أمامه طريدة وهو في سهل مكشوف فإما أن يقتلها أو تقتله أما الروائي فجعبته مليئة بالسهام يختبئ وراء أجمة وأمامه قطيع من الطرائد مما وضعها أمام خيارين فإما أن تكون صيادة الرمية الواحدة وهذا ما لم تقتنع به أو أن تكون الكاتبة المختبئة وراء الأجمة.
كما تفضل ياسين حسن أن تكون مسترخية تاركة العنان لشخصياتها كي تتكلم وللأحداث كي تتشابك مستمتعة بالثرثرة المجدية وليس الفارغة والمملة مبررة ذلك بالاسترخاء الذي تمنحها إياه الرواية وهذا مالم تجده في القصة كما تقول إضافة إلى كونها تحب الرواية لأنها فن انتهازي يستفيد من كل الفنون صاهراً إياها داخل النص الروائي.
وترى حسن أن الرواية قادرة على استيعاب السينما والشعر والتشكيل والموسيقا والعمارة لأنها تحتمل المتخيل والحقيقي والتوثيقي والحياتي أما القصة فهي برأيها سجينة في اللقطة واللحظة وفي رمية السهم الوحيدة نحو طريدة وحيدة في حين أن الرواية توفر الغنى والاتساع والتلون وتجلب السعادة إلى نفس الكاتب.
وتضيف روزا أن المتعة الروائية بحاجة للثقافة العالية لأنها صديق خوان على حد قولها يكشف ثقافة الروائي ويفضحها ليست ثقافة المعلومات بل دواخل الروائي الحقيقية غير المتقنعة.
من جانبه يرى الروائي فواز حداد صاحب المجموعة القصصية “الرسالة الأخيرة” أتبعها بـ “موزاييك دمشق 39” “تياترو 1949” أن القصة فن صعب لذلك نرى أن كتابها حول العالم قلة كونها لقطة خيالية تشبه طريدة يصوب الكاتب الماهر سهامه نحوها ويقنصها أما الرواية فهي فسحة يستفيض بها الكاتب حيث يعتقد حداد أن في مجموعته القصصية اليتيمة كان يكمن ذلك الروائي المتربص بقيود تلك الحكايات القصيرة.
ويضيف صاحب “مرسال الغرام” أنه ما أن يشرع الكاتب بنسج القصة حتى يسهب ليحوك لها ماضيا واستطالات خصبة متمردا على حدود اللحظة لذلك فالقصة جنس أدبي يمتاز على الرواية بصعوبة إنجاز نسيجه الحكائي المكثف لأن معظم روائيي اليوم يسهبون بشكل عبثي فارغ أقرب للهدر لتغدو الرواية موضة العصر كي تعامل بكل سلعية واستسهال فيصير لكل شخص عابث مشروع رواية هي رواية حياته الشخصية التي يستطيل بتفاصيلها المشتتة البعيدة عن اهتمام القارئ عندما يتوجب أن تكون كلمة محسوبة في الرواية الحقة لا مبعثرة كالهباء المنثور.
ويوضح حداد أن معظم روائيي اليوم عاجزون عن تشكيل البناء الروائي المتماسك المدروس بسبب أن الروائي يدخل قارئه إلى عالم متشابك متكامل تحكي كل شخصية فيه جانبا من الحدث ذا بداية ونهاية وزمان ومكان ولمسميات تفصيلية تمنحه الواقعية لافتاً إلى أن مستوى الرواية في المشهد الثقافي الراهن مستوى متواضع لأنها تحتاج إلى الخبرة والاستمرارية.
ويضيف حداد أن الموهبة وحدها لا تكفي لتعطي رواية واحدة لا روايات عدة ولذلك يقيم الروائي المعروف هذا الوضع وينظر إليه كشاهد من خلال عمله كمتذوق جيد للأنواع الروائية الكلاسيكية أو الحداثية باحثاً عن الجديد المختلف والمتفرد في كل إبداع جديد يقدمه جيل الروائيين الشباب مترقبا بأمل أن يشهد تلك الإشراقة المبشرة بروائي حقيقي يكسر الاستسهال الأدبي السائد.
بدورها تعتبر الروائية سمر يزبك صاحبة المجموعتين القصصيتين “باقة خريف” و”مفردات امرأة” أن فن القصة القصيرة هو فن صعب يعتمد على تركيز ومكاشفة حادة مع اللحظة معللة الانصراف عنها إلى الرواية بأنه لا يقلل من أهميتها وضرورتها إذ ان كتابة القصة في الغالب أصعب من كتابة الرواية لكن هذه الأخيرة تشبه ملعباً واسعاً يموج بأحصنة الخيال بلا أفق ولا حدود تترك للكاتب حرية الركض أو القفر والتأمل واللعب ضمن حبال السرد عبر رؤية أعمق وأشمل للوجود.
وتعتبر يزبك أن الرواية تحرر التعبير السردي من أسر الكثافة القصصية مبينة أن الفن الروائي هو المناخ الأكثر ملاءمة لمكاشفة التاريخ حيث بالإمكان أن نصنع من هذا الملعب الفسيح عدة مسارح نقلبها وندورها كما نشاء واصفة الرواية بالمكان الأكثر دفئاً للقدرة على التخيل ما يشكل بحد ذاته غواية ورهاناً صعباً يجذب الكاتب أو الكاتبة إليه مثل فراشة تحترق بالضوء وتعبده في آن.
وتقول الكاتبة ماري رشو صاحبة المجموعة القصصية “أجمل النساء” ورواية “هرولة فوق صقيع توليدو” إن الرواية عالم سحر قد يكون متضمناً في القصيدة أو القصة أو حتى الخاطرة فالكاتب يجرب هذه الأجناس الأدبية المتعددة ليستقر في النوع الذي ينتمي إليه مستمراً في وسيلة التعبير التي يرى فيها فضاء بوحه الحر.
وترى رشو أن الرواية ذات عوالم أوسع من القصة المكثفة أو القصيدة التي تبقى مؤطرة ومقتضبة مهما طالت فالرواية كما تراها هذه الأديبة مدن وشوارع وجبال وأشجار وبشر وعالم واسع تمرح به مع قلمها مازجة إياه بمشاعرها وهمومها بإسهاب لا يقيده الحجم وضرورة الاقتضاب والبتر احتراما للنوع الأدبي كما في القصة أو القصيدة.
وتوضح رشو أنه ربما تكون كتابة القصة بالنسبة للشباب هي مرحلة صقل موهبة للتمكن من القلم فالرواية تتطلب ثقافة وإلماماً أكبر بالحياة والفشل فيها مرجح أكثر من القصة لأنها ذات شروط صارمة لافتة الى أن الاشتغال على التفاصيل بصبر والغرق في العوالم الداخلية مع مراعاة الجمالية اللغوية وحيازة الموضوع ذي الثقل أمور أساسية تقدم للقارئ ما يبحث عنه وتجذبه وتقنعه.
كما يرى الشاعر والروائي عمر قدور الذي أصدر في البداية مجموعتين شعريتين هما “إيضاحات الخاسر” ظل مائل في الظهيرة أنه قبل أن يكتب رواياته “حواف خشنة” “أسماء للنسيان” و”هواء فاتر ثقيل” أن اعتقاده برواج الرواية قياساً إلى الأجناس الأدبية الأخرى قد أصبح أمراً مفروغاً منه فهذه الفكرة تتوالد باطراد وتساهم في تراجع الاهتمام العام بالأجناس الأخرى.
وأوضح قدور أن ما يعيب الاستنتاج السابق أنه يقرر واقعا دون النظر في أسبابه مضمراً حكم قيمة بحق الأجناس الأدبية الأخرى لتصبح النتيجة محتومة ونهائية مبينا أن ثمة تراجعاً في الاهتمام بالكتاب مع تقدم الفنون البصرية وطغيانها على ما عداها لافتاً إلى أن الشعر مثلا أكثر تضررا من الرواية في عصر الصورة لأن الشعر أكثر تجريداً وغنائية بينما الرواية فن أكثر تبحراً في الشخصي والذاتي والحميمي.
هذا لا يعني أن الشعر الجيد لم يعد يكتب بقدر ما يعني أن المزاج العام يتجه على نحو مفارق للشعر. مع ذلك يصعب البناء على المزاج العام لدينا فالكاتب ما يزال يبحث في الرواية عن الحكاية ولم تأخذ الرواية العربية مسارب التجريب لتمتحن علاقتها بالمتلقي.
أما عن اتجاه الكتاب من أجناس أخرى إلى الرواية فظاهرة الكتابة في أكثر من جنس أدبي ليست جديدة وهي ظاهرة فردية بحيث لا يمكن التنظير لها.
يقول قدور إنه على نحو شخصي بدأ بكتابة الشعر وما زال يكتبه مع أنه كتب عدة روايات فيما بعد إضافةً إلى كتابة الشعر مبكراً دون التفكير بما تعنيه الكتابة مبيناً أن كتابته للرواية جاءت بطريق المصادفة حيث تواردت إلى ذهني فكرة الرواية الأولى فكتبتها مستمتعاً بكتابتها محفزةً إياي على كتابة روايات أخرى إذ لم يتعلق الأمر بجماهيرية الرواية فالروايات التي كتبتها لا تلاقي المزاج السائد.