” السوريون ” هكذا باطلاق !!
أحمد مولود الطيار
درج كثير من الكتاب والمحللين اللبنانيين على الخلط وغياب الخطوط الواضحة، في استخدامهم لمفردات “سوري” و”سورية” و”سوريون”، في معرض انتقادهم أو شتمهم أو مديحهم أو مطالباتهم للنظام السوري، حيث تضيع خطوط التماس بين الصفة والموصوف.
ولا داعي للنقد هنا، لو أن من ننتقدهم محسوبون على قوى إلهية خارقة، حيث الخلط هناك يتم قصداً على تلك الخطوط، من اجل احداث مماهاة كاملة بين الوطن و”سيد الوطن”. أما أن يأتي ذلك الخلط، من خصوم حقيقيين دفعوا أكلافا باهظة في مقارعتهم للنظام السوري، فذلك يحتاج الى نقد ونقد.
آخر الأمثلة لما يذهب اليه هذا المقال من نقد، مقال في صحيفة لبنانية مهمة لكاتبة مهمة، لا يشك عاقل في مدى صدقها في مقارعة الظلم والاستبداد.
“ومتى يعتذر السوريون”، لنايلة التويني. النهار 15/3/2010
لااعتراض فيما ذهبت اليه الكاتبة حول ما تطالب به النظام السوري في كلّ ما ارتكبه ويرتكبه كلّ يوم بحق لبنان دولة وشعبا وقيادات، لا بل يمكن كتابة مجلدات واضافة قصص كثيرة حول نظام استباح كل شيء في ذلك البلد الجميل.
مفهوم لدى الكاتبة ولدى الكثيرين من تقصد بمقالها. ولكن، هل يفهم كثير من اللبنانيين والسوريين ما ذهبت اليه عبر استخدام (السوريون) هكذا وباطلاق؟
حاول النظام السوري ونجح بنسب كبيرة وبعد مقتل الحريري وبعد توجيه أصابع الاتهام له، في استثارة مشاعر السوريين عبر ديماغوجيته الأثيرة، في اللعب على استثارة غرائز القومية والوطنية، محاولاً تصوير الأمر بين وطنية لبنانية ووطنية سورية، في محاولة منه للتغطية على حفنة من الضباط استباحوا سوريا قبل لبنان، وفي لعبة ذكية، عبر استنفار الداخل وتصويره للأمر أن كرامة سوريا مهددة.
لكن في واقع االحال، فإن سوريا كلها تؤخذ رهينة، كرمى لعيون “راستم” الأمر الواقع. ويدرك النظام جيدا أنه بذلك يحاول قطع الطريق على ما ستتنمخض عنه المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الشهيد الحريري ورفاقه، عبر نظرية “المؤامرة ” التي تلقى آذانا صاغية للأسف، وقد غدت “ثقافة” جمعية.
لا يمكن قول أي جديد في الدروس المستخلصة من الاستبداد قديمه وجديده، ولا تأتي أكثر نسخه تطورا، النظام السوري، بشئ ذي معنى في هذا المضمار. انما الجديد أن الاستبداد، والنظام السوري هنا، يكسب دائما حلفاء موضوعيين يعينونه على تنفيذ مآربه، فيأتيه المدد من حيث لا يدري ولا يتوقع– مقال التويني نموذجا –، حيث أن من يعتقدون أنهم خصوم لنظام كهذا، لا يدرون أنهم يقدمون له خدمات جليلة.
في مقال قصير لا تتجاوز كلماته الأربعمائة كلمة، تتردد كلمات “السوري” و”السوريون ” و “السورية ” سبع أو ثمان مرات دون ضبط، وتكحل الكاتبة مقالها في نهايته فتقول: “نعم لقد اخطأ اللبنانيون بحق سوريا والسوريين، والرجوع عن الخطأ فضيلة، ولكن الا يجب ان تشمل الفضيلة الجميع، بمن فيهم السوريون، وان يبادروا الى الاعتذار من اللبنانيين، حتى نطوي تلك الصفحة المؤلمة من العلاقات فتصير حقا اخوية؟”.
ما يقع فيه كثير من الساسة اللبنانيين أيضا، وتحديدا من بعض قادة 14 آذار، استخدام “السورية” و”السوريون” كنعت على عواهنه، دون انتباه. فيغدو السوري وسوريا كرة تتقاذفها أرجل من يريد “شكرا سوريا” (والشكر هنا موصول لنظامها، وبندقية المقاومة بعد الشكر، كما هو معروف، قدمت عربون وفاء لرئيس جهاز مخابراتي) ومن يريد سبّها. ونضيع كسوريين هنا وهناك، مرة عبر اختزالنا ب “سوريا الأسد”، ومرة عبر مطابقتنا بنظام لا حول لنا ولا قوة تجاهه.
خاص – صفحات سورية –